موقف السفير السوري زاد «الطين بلّة»

«لغم» ترحيل السوريين «انفجر» في الحكومة اللبنانية: ارتياب من «14 آذار» و«تأنيب» من المجتمع الدولي

تصغير
تكبير
| بيروت ـ «الراي» |

لم تكد بيروت ان تلتقط أنفاسها مع تفكيكها «ألغام» ملفات «مفخخة» هدّدت بفرط الاكثرية، حتى عادت الى حبسها مع بروز عامل «تسخين» جديد للجبهة السياسية مرتبط بتداعيات الأزمة السورية ويتعلّق بترحيل الامن العام اللبناني 14 سورياً الى بلادهم، الامر الذي «أحيا» الاشتباك الداخلي على خطيْ اطراف الحكومة بين بعضهم البعض وقوى 8 و 14 آذار، في حين لم يتأخّر «الامتعاض» الدولي في الظهور عبر مواقف لواشنطن وباريس والاتحاد الاوروبي عبّرت عن القلق الشديد من هذه القضية مطالبة لبنان بتوضيحات ووجوب حماية جميع السوريين على اراضيه.

وفيما كان ملف المياومين يسدل امس الجمعة الستارة على 94 يوماً من اعتصامهم داخل مبنى إدارة كهرباء لبنان بموجب اتفاق خطي من صفحة واحدة طوى «شد الحبال» الأقسى الذي دار على خلفيته بين رئيس البرلمان نبيه بري وزعيم التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون ووقّعه المعاون السياسي للأمين العام لـ»حزب الله» حسين الخليل ووزير الصحة علي حسن خليل (عن حركة «أمل») ووزير الطاقة والمياه جبران باسيل (عن «التيار الحر»)، برز ملف ترحيل السوريين كـ «صاعق» جديد ظهّر حال «انعدام الوزن» الذي يعشيه لبنان والحكومة في غمرة بلوغ الازمة السورية مرحلة «العصف الأخير».

ورغم محاولة لبنان الرسمي تبرير تسليم السوريين بما اعلنه جهاز الامن العام من ان «ترحيلهم إستند الى أفعال جرمية ومخالفات ارتكبت خلال وجودهم في لبنان»، نافياً ضمناً أن يكونوا معارضين سوريين، فان هذه «الحيثيات» لم تكن كفيلة لـ «تبريد» اعتراض رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط الذي خاض وزراؤه في الحكومة خلال جلسة الخميس «مواجهة» مع الوزراء الشيعة بسبب هذا الملف تحت سقف الدعوة التي كان الزعيم الدرزي وجهها لاقالة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم (شيعي) الـ «فاتح على حسابه»، فيما أكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية مروان شربل أن الترحيل قانوني بعدما نفذ المرحَّلون عقوباتهم.

وفي حين لاقت قوى 14 آذار اندفاعة جنبلاط الاعتراضية بهجوم مماثل على الحكومة واللواء ابراهيم منددة بهذه الخطوة «المريبة» التي «تذكّر بطريقة توقيف شادي المولوي في طرابلس»، معتبرة بلسان رئيس «كتلة المستقبل» فؤاد السنيورة ان «من غير الممكن ان يصار الى تسليم النظام الذي يقدم على قتل شعبه بهذه الطريقة التي نراها يومياً، اربعة عشر شخصاً من الناشطين مهما كانت الدواعي والأسباب التي يمكن ان يتحجج بها الأمن العام وهذا أمر مخالف لشرعة حقوق الانسان ولكل الشرائع»، جاء موقف السفير السوري علي عبد الكريم علي الذي عبّر عن ارتياحه لما آلت اليه الامور بقضية ترحيل السوريين الـ 14 ليزيد من ارتياب فريق 14 آذار، وسط توقف دوائر مراقبة عند نقطتين في هذا الملف:

الاولى ان الأمن العام الذي ذكر في بيان «حيثيات» الترحيل الاحرف الاولى من اسماء المرحّلين، وضع امام سبعة منهم فقط «الافعال الجرمية» التي ارتكبوها والقرارات القضائية بحقهم في حين لم يذكر اي شيء امام السبعة الآخرين.

والثانية ما نُقل عن مصدر قضائي من أن معاهدة عام 1951 بين لبنان وسورية والتي تحدد الحالات التي يتم فيها تبادل الموقوفين بين البلدين تقضي بعدم تسليم سوريين الى دولتهم اذا ارتكبوا جرماً في لبنان إلا بعد محاكمتهم وتنفيذ الحكم الصادر في حقهم والذي يقضي حكماً بترحيلهم الى بلدهم أسوة بأي أجنبي مقيم على الأراضي اللبنانية باعتبار أن الدولة اللبنانية مسؤولة عن المقيمين على أراضيها أيا تكن جنسيتهم بالنسبة الى الافعال التي يرتكبونها، مشيراً الى انه اذا كان أي سوري مطلوبا من بلاده واقترف جرما على الاراضي اللبنانية فان الاولوية هي لمحاكمته أمام القضاء اللبناني بالجرم الذي ارتكبه على ان يرحل الى بلاده بعد تنفيذ الحكم الصادر في حقه.

وكان موضوع ترحيل السوريين استحوذ على الجزء الاكبر من جلسة مجلس الوزراء الخميس حيث دار نقاش ساخن حوله بعدما اثاره وزراء جنبلاط سائلين «عن ترحيل اناس بينهم 4 ناشطين سياسيين قد تتم تصفيتهم على غرار ما حصل في مرات سابقة»، فردّ رئيس الحكومة بأنّه سأل المدير العام للأمن العام عن الأمر، مؤكّداً أن الأخير ينفّذ القانون لأن قضيّة المرحلين ليست سياسيّة، وقد رُحّلوا بعد تنفيذ حكمهم بجرائم جنائيّة ارتكبت على الأراضي اللبنانية وليس لأنهم ناشطون سياسيّون، وهذا ما ينص عليه القانون.

 وفيما أكد وزير «حزب الله» محمد فنيش ووزير حركة «امل» علي حسن خليل ضرورة احترام الاتفاقات الموقّعة بين لبنان وسورية، وتحييد لبنان عن ارتدادات الأزمة السوريّة، سأل الوزير علي قانصو (من الحزب السوري القومي الاجتماعي) «هل تحملوننا مسؤولية الدم «بالداتا» ولا تريدون تحمل مسؤولية الدم بملفات فيها سلاح ومطلوبون بجرائم؟».

وكانت المديرية العامة للأمن العام أوضحت في بيان أن قرار ترحيل السوريين استند الى أفعال جرمية ومخالفات ارتكبت خلال وجودهم في لبنان. وتضمن البيان الأحرف الأولى للمرحلين والجرم والقرارات المتخذة في حقهم كالآتي: (ط. خ. ح): السرقة وصدور قرار قضائي، (م. ع. ح. م) و(ل. ع. ح. م) و(ف. ع. ح. م) و(ف. ع. ح. م) و(ك. ع. م) و(س. ع. ك. ق): التعدي على منزل ضابط والتهجم عليه وشتم المؤسسة العسكرية، (ع. ط. م) و(ع. ر. م. م) و(ع. م. ع): استعمال مستندات مزورة وصدور قرار قضائي بترحيلهم الى بلادهم، (م. ع.هـ): قرار قضائي بترحيله إلى بلاده، (م. ف. ز): قرار بالترحيل بسبب التحرش بفتاة، (ع. ع. ح): مذكرة توقيف غيابية بجرم التعدي على الملكية الفردية وقرار قضائي بترحيله، (ف. ف. ف): محاولة سرقة بيك أب محجوز لدى قوى الأمن الداخلي.

وسرعان ما عبّرت من الخارجية الفرنسية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن القلق الشديد من هذه القضية. وأشار الناطق باسم الخارجية الفرنسية الى ان بلاده «تعتمد على السلطات اللبنانية لتوضيح هذه المعلومات، وعموماً، لحماية اللاجئين». في حين كررت السفيرة الاميركية لدى لبنان مورا كونيللي، بعد لقائها النائب ميشال عون «أهمية حماية جميع السوريين، بمن في ذلك المعارضون والمنشقون الذين نبذوا العنف». وأعلنت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان السفيرة أنجلينا إيخهورست انها تنتظر «الاطلاع على الوقائع».

وفي سياق متصل، لفت ما ذكرته صحيفة «النهار» من أن ترحيل السوريين الـ14 ارتد سلباً على المساعي المبذولة لاطلاق المخطوفين اللبنانيين الـ11 في سورية، إذ تلقت الجهة اللبنانية التي تسعى الى اطلاقهم معلومات صباح الخميس عن توقف المفاوضات معها.  وأفادت المعلومات ان المفاوضات كانت وصلت الى نقطة متقدمة، وأن الجهة التي كانت تتولى التفاوض تربطها علاقة قديمة بمسؤولين رفيعي المستوى في المعارضة السورية.

ومن خلف ظهر هذا الملف، رفع المياومون اعتصامهم و»فكوا أسر» مؤسة كهرباء لبنان وعادوا الى عملهم بعد «الخاتمة السعيدة» التي ارست تفاهماً يرضي جميع الاطراف. الا ان تصاعد الدخان الابيض من هذه القضية لم يحجب دخان الدواليب المشتعلة في بيروت التي شهدت ليل الخميس قطع طرق عدة في كورنيش المرزعة والبربير وقصقص والمصيطبة ورأس بيروت وعين المريسة وعائشة بكار احتجاجاً على التقنين العشوائي الذي تمدد الى العاصمة، فيما ذهبت دوائر مراقبة الى الاشارة الى انه سابقة لم تحصل في ظل الاجتياح الاسرائيلي في العام 1982.

وقد اكتسبت «العتمة» في بيروت ابعاداً سياسية مع تصويب نواب من كتلة الرئيس سعد الحريري على وزير الطاقة جبران باسيل واصفين اياه بـ «الحاقد» على العاصمة، حيث اعتبر رئيس لجنة الأشغال النائب محمد قباني «أن المؤامرة على بيروت ليست جديدة، وسببها الحقد على العاصمة من الوزير باسيل ومن يمثّل، وهو يعبّر عنه دائماً، وهذه المرة أتت له الفرصة للتعبير عن أحقاده بتعميم العتمة.»
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي