خواطر تقرع الاجراس / الفيل يا ملك الزمان!

 u0645u0635u0637u0641u0649 u0633u0644u064au0645u0627u0646
مصطفى سليمان
تصغير
تكبير
| مصطفى سليمان | أوردت وكالات الأنباء العالمية أخيراً خبراً طريفاً مر مرور الكرام لكن دلالاته، بالنسبة لنا نحن العرب- كبيرة جدا.

فقد قرر الصندوق العالمي لحماية البيئة نزع لقب عضو الشرف الذي يتمتع به الملك الإسباني خوان كارلوس، بعد نقاش طويل دار بسبب الضرر الذي ألحقه الملك بسمعة المنظمة الدولية. هذا القرار جاء على خلفية فضيحة رحلة الملك الى أفريقيا لصيد الفيلة، برفقة عشيقته الألمانية (؟) ورجل أعمال سوري! ويشار الى أن رحلة الملك قد أثارت استياءً كبيراً في إسبانيا، على مستوى جمعيات أهلية، بالإضافة الى انتقادات شديدة وجهها سياسيون انضم اليهم عدد من وسائل الإعلام المحلية. تذكرت فور سماع هذا الخبر أمرين: مسرحية (الفيل يا ملك الزمان) للمسرحي السوري المبدع الراحل سعد الله ونوس. والأمر الثاني قصة إمبراطور (؟!) أفريقيا الوسطى جان بيديل بوكاسا مع رئيس فرنسا آنذاك فاليري جِسكار دِستان.

فيل سعد الله ونونس كان يعيث في البلاد فساداً، ولم يكن أحد ليجرؤ على التصدي لفيل الملك. مرة دهس طفلة القرية وماتت. غضب الناس وتداولوا في الأمر، وقرروا أن يذهب وفد إلى الملك ويشكو بطش فيله بالناس وأرزاقههم.

على باب القصر تجمهروا وطلبوا مقابلته. ذهب الحارس وأخبره فسمح لهم. طلب الحارس منهم أن يمسحوا أحذيتهم جيداً وينفضوا ثيابهم القذرة من البراغيث! ويدخلوا بأدب ونظام. في حضرة الملك المهيب انبرى (زكريا) قائلاً: الفيل يا ملك الزمان... ولم يكمل كلامه خشيةً وانذعاراً. فقال الملك: ماله الفيل؟ قال زكريا: الفيل يا ملك الزمان... وانلجم لسانه! فغضب الملك. لكن زكريا تدارك الأمر قائلاً يجب البحث له عن فيلة زوجة فما يليق به أن يبقى هكذا! سُرَّ الملك من اهتمام رعيته بفيله وعيّنَ زكريا مرافقاً للفيل ليذهب إلى الهند ويبحث له عن فيلة زوجة! وأترك للقارئ أن يقرأ المسرحية ليعرف ما حدث، أو أن يستنتج ما حدث. فليست الغاية هنا سرد أحداث تلك المسرحية الرائعة.

أما الإمبراطور (!) بوكاسا فقد ضحكت عليه الدول الغربية عندما أعلن إنشاء (إمبراطورية إفريقيا الوسطى) وأقام احتفالات أسطورية كلفت الملايين، وذلك لتنصيب نفسه إمبراطوراً، في عصر أفول الإمبراطوريات الكبرى!

صمموا له في فرنسا الثوب مع الحذاء الإمبراطوري المرصع بالألماس فأفريقيا الوسطى من أغنى دول العالم ألماسياً.

وحضر رئيس جمهورية فرنسا جِسكار دِستان حفل التنصيب، وأهداه بوكاسا أكبر وأغلى ألماسة في العالم. ولا بد هنا من إضافة (بسيطة) وهي أن بوكاسا كان له معارضون في حكمه... لجنون عظمته، وقد اكتُشِف بعد الإطاحة به أن كثيراً من المعارضة المختفين وراء الشمس، عُثِر عليهم في برادات الموتى في قبو سري تحت قصر الإمبراطور، فقد كان من أكلة لحوم البشر! نعم إنها إضافة (بسيطة) وهي أنه كان... (يأكل) المعارضة! عاد دستان بألماسته وكتم سرها. فضح أحد الصحافيين الأمر، لأن دستان كان عليه أن يسلم الألماسة للدولة لتوضع في قيودها ومتحفها، فهو لم يتسلم الألماسة- الهدية المجنونة- إلا لأنه رئيس الجمهورية الفرنسية وليس لأنه فاليري جسكار دستان. اعتذر الرئيس وسلمها للدولة. تماماً كما اعتذر الملك خوان كارلوس لشعبه عن خطيئته في انتهاك قانون حماية البيئة بصيد الفيلة، وهو عضو الشرف فيها! فات الوكالة العالمية لحماية البيئة، أن الاسبان يمارسون أبشع رياضة إنسانية ضد الحيوان وهي مصارعة الثيران! حيث يهللون لقتلها، كما كان يهلل الرومان لقتل العبيد والمسيحيين الأوائل في ساحات الملاعب الرومانية الشهيرة.

والآن: لنتخيل معاً ونستنتج ما وراء هذا الخبر من قضايا!

عن فِيَلة الملوك، وعن الصحافيين العرب والغربيين أمام سطوة صاحبة الجلالة - السلطة الرابعة، وعن (زكريا)، وجنون العظمة عند بوكاسا، والمعارضة المأكولة، وكتم دستان لسر الألماسة!



* كاتب سوري

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي