رأي

ساستنا وساسة الغرب

تصغير
تكبير
|  مسعود فيصل الفهيد  |

يجب أن نقر بأن هناك بوناً شاسعاً ما بين التنظير والفلسفة الإعلامية الخاوية- أو الهرج - الذي تعج به الساحة اليوم ويتبخر بحلول الظلام، وبين واقع مخيف وواد سحيق سيبتلع الأخضر واليابس ان لم يتداعَ العقلاء وأهل الأختصاص- ولست منهم- لإفهام هذه الأمة المغيبة عن هدر وشر مستطير سيدمر موازنة بلدهم قريباً وسيجعلهم- لا سمح الله - يشحذون قوت يومهم من بقية دول العالم.

إن نجاح السياسي بالغرب وترفيعه للقيادة دائماً ما يكون مرهوناً، من ضمن أشياء أخرى، بتبنيه خطة اقتصادية محكمة تحفز عوامل الانتاج بوطنه وتخفض دينه وتضمن مستقبل مواطنيه، إلا أننا في الكويت نجد أن الحال يعاكس ذلك تماماً، إذ نرى أن من يشجع على الهدر المالي وضرب الاقتصاد وتعطيل الارتقاء بالإنسان الكويتي من الخمول الى الإنتاج، هو الذي يلاقي القبول ويلامس العقول.

إضافة لما تقدم، نرى أن الناخب بالغرب متوهج الفكر ويمطر السياسي بمزيج محدد من الأسئلة ليتأكد من غزارة علمه وصدق منهجه وتلمسه لمستقبله وهمومه وأهمها كيفية تحسين دخله، كيف سيخفض نسب البطالة والدين العام وتأمينه الصحي والسكن... الخ. وهل تعلمون لماذا؟ لأن لديه فواتير يدفعها آخر الشهر ويريد ان يتأكد من التزام السياسي بتنفيذ خططه الإنمائية وألا سينعكس ذلك سلباً على العجلة الاقتصادية وينخفض الدخل مما قد يعرضه للتسريح من عمله وقد ينتهي به الأمر كمتسول يأكل من قمامة الشارع.

ناخبنا ما يسأل مرشحنا مهما كان مخضرماً عن رؤيته لخلق موارد دخل إضافية غير النفط أو خطته لتخفيض جيوش العاملين بالقطاع الحكومي والذين عاجلاً أم اجلاً سيلتهمون مورد رزقه الوحيد او حتى الاحتياطات البديلة اذا انخفض سعر البرميل الى مستويات متدنية (وهو ما حدث في سنة 2008).

ناخبنا ما يسأل هذه الأسئلة... هو فقط يقلط ويجامل ويتباهى بعدها بأن فلانا او علانا زارني بالديوانية.

هو لا يفعل ذلك لأن راتبه مضمون سواء عمل أو خرب ببلده، ثانياً ما عنده فواتير يدفعها اخر الشهر وهي أن وجدت، فهي لدفع قسط الصناعات الاستهلاكية الفارهة التي يقتنيها ويستبدلها كلما كان عنده فائض بسيط بالراتب.

لقد بلغ عدد خريجي الثانوية العامة، وفق تصريحات وزير التربية، قرابة 35 ألف مواطن وهو رقم غير مسبوق سيذهب بعضهم للدراسة الجامعية ولكن أغلبهم سيلتحق بوظائف حكومية الكثير منها هامشية ومكفولة الراتب. الكارثة الأخرى أن العديد حالياً من خريجي الجامعات واصحاب التخصصات المميزة الفنية منها والمالية أصبحوا يلتحقون بالعمل الحكومي لضخامة الراتب وقلة العمل واستمرار قطار الامتيازات السريع.

الآن نأتي للبعض من ساستنا ومشرعينا او ما يصطلح تسميتهم بالنخبة، لأننا نفترض بهم الألمام بالمصلحه الوطنية اولآ وأخيرا وهم حراس ثروة الوطن وهم، وإن كان لهم كامل الاحترام والتقدير لدفاعهم عن مال الكويت والتحقيق بقضايا الفساد وطرح العديد من القضايا المستحقة كاستقلال القضاء وغيرها، الا انني شخصياً لا اغفر لهم إطلاقاً جريمة نحر مستقبل وحقوق أجيال الكويت القادمة عن طريق توزيع الكوادر والامتيازات المالية رغم أجراس الأنذار والتحذيرات المتكررة التي نادت بها اكثر من جهة دولية محايدة ومتخصصة.

نعم، ان ضياع 100 مليون من خزينة الدولة لهو فساد يستوجب التحقيق لا ريب، ونتمنى وننتظر المحاسبة والقصاص ممن يدان، ولكن تضييع المليارات سنوياً بالكوادر والرواتب المتضخمة دون إنتاج يقابلها لهو فساد أكبر لا بل هو دمار شامل أما متعمد أو ناتج عن جهل لأنه يسرق ثروة بلد بأكملها ومما اراه، لا اجد سببآ لذلك سوى الرغبة بتصفيق أكبر او رمي عقال او بالنهاية الجلوس على كرسي ولو كان على انقاض ما تبقى من وطن.

اقول ان ساسة الغرب رجال لأنهم يصطدمون بتحديات المستقبل بلا خوف وبشجاعة لا ترتكن لأي حسابات انتخابية ويشخصون العلة ويعلنونها للرأي العام ومن ثم يضعون اصبعهم على الجرح النازف تمهيداً لعلاجه. بالمقابل، ساستنا يداهنون الناخب وينخونه ويطرقون كل الأبواب لتخديره ويزينون له حرق وطنه بوعود استهلاكية ومميزات كارثية.

نصيحة لأخي المواطن، فكر بأولادك إن كنت تحبهم، ولا تجامل واسأل مرشحك عن خطته لهذه التحديات مثل تخفيض جيوش الموظفين بالدولة الذين يقاربون 96 في المئة، ومواجهة انخفاض سعر النفط، كيفية خلق شركات ومؤسسات اقتصادية عملاقه تساهم وترفع عن الدولة مستقبلاً النزيف المالي اليومي، لتزامه بمحاربة النمط الاستهلاكي المدمر وربما أيضاً رفع الدعم عن بعض الخدمات كالكهرباء والماء لكي نحافظ على الثروة ويتعلم الانسان أن يكون رشيداً باستهلاكه لهذه النعم. هل ستضع ضريبة على المواطن ليشعر أنه يرد شيئاً لوطنه ويرتفع مستوى الخدمات؟

إن ثقافة الادخار التي تمارسها كل الأسر بالعالم لمواجهة استحقاقات المستقبل معدومة لدينا لأنني ببساطة لم أسمع أن سياسيا واحدا ذكرها.

انا متأكد أن كل سياسي يعي بقرارة نفسه أن تطبيق ما تم ذكره، ولو على مراحل، سيؤدي الى خلق إنسان كويتي مسؤول ودولة حديثة تنفض عن نفسها الترهل، لا بل وبما حباها الله من موارد طبيعية سترتقي تدريجياً الى مصاف الدول المميزة ولكن السؤال من يجرؤ؟

مما أراه اليوم، للأسف أنا أقول السياسي الغربي يجرؤ. إن رسالتي لكل مسؤول أو نائب أو مواطن، ان الحديث عن تفعيل الاقتصاد وخلق المؤسسات المستقلة لموازنة الأعداد المتزايدة للخريجين ليس ترفاً أو رفاها أو كلام فئة قليلة تريد أن تستأثر بثروة أو فرصة. انها قضية وجود دولة ومواطن.

ختاماً أود أن أقول إننا اليوم نرمي العقال المصنوع بالصين لأنهم تسلموا ثمنه نفطا وليس صناعات كويتية نصدرها لهم او للعالم.

يقول الله عز وجل بسورة الملك (وقالوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) صدق الله العظيم
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي