| علي سويدان |
لو رحنا يمينا أو عدنا شمالاً، ومهما بحثنا عن حلول لمعضلات تعيشها أمتنا العربية لَتَلخَّصتْ الجهود كلها في الجانب الفكري؛ إن ما نمارسه في كل دقيقة ما هو إلاّ نتاج رصيد فكري تراكمي اكتسبناه عبر فتراتٍ من التربية في البيت وفي الدراسة ومع الأصحاب ومن الإعلام.. حتى صرنا إلى قناعات جعلناها مسلّماتٍ أمام أعيننا وانطلقنا من خلالها إلى المجتمع وإلى العالَم، وللدين في حياتنا أثر بالغ العمق في النفس، ولسنا نُغفل أو ننسى أن حقبة من الزمان مرّت فيها أمتنا اعتمدت فيها على فهم علمائها فقط واستسلمت لذاك الفهم مع أنه أحيانا كان ومازال هذا الفهمُ يخالف محض الفطرة في التسلسل المنطقي لعمل العقل.
لذلك وبعيداً كل البعد عن الفلسفة وتحميل الأمور خلافاً لمجرياتها، فإنه بلا شك ليس في ديننا أي شيء مهما صَغُرَ يخالف منطقيات الفهم وتسلسل التفكير وسلامة الفطرة، وفي الوقت ذاته إننا لا نستطيع معارضة حزمة من المفاهيم الدينية التي صنعناها مع الوقت وعلى مرّ الأيام بتصدُّرنا الموروث لمهمة الفهم للدين مع احتكار هذا الفهم، ومع عجزنا عن معارضة تلك التراكمات الموروثة وخوفنا من هجوم المجتمع وصراخه علينا عاشت الأمة فترة ليست بالقليلة تغيَّرت معها الأجيال ولكن تراكمتْ في صدورنا تلك المفاهيم المغلوطة، وتزاحمت تلك الأفكار الموروثة في كراسات الدراسة لتنتقل من جيل إلى آخر، ومع أننا أكَّدنا سابقاً أن لعلماء الدين متطلبات شخصية تنحصر في ذواتهم كالهمة والنشاط وسعة الأفق والزهد، ومتطلبات تحصيلية تكون في اكتساب العلم وسعة الاطلاع، لكننا نلفتُ إلى خطورة الانسياق مع هذه الموجة تحت لفظ (لا يجوز) مع افتقاد دليل لدينا على عدم الجواز سوى أقوال العلماء غفلةً منا أنَّ أقوال العلماء يجب أن تكون مبنية على نصوص من الكتاب والسنة أو قياسات صحيحة، أو اجتهادات لا تتعارض مع سلامة الفهم، ومنطقيات العقل.
نحن أمام كَمٍّ موروث من التعاليم التي صيغَتْ من أقوال العلماء وفهمهم في مواضع لا نص فيها يُمكن أن يتغيَّر الاجتهاد بشأنها تبعاً لأحوال الناس وأعرافهم، وقد جعلناها مسلّمات إلى يومنا هذا مع أن الشارع قد سكت عنها في صدر الإسلام لأنها من ثقافة ذلك المجتمع الذي نزل فيه الوحي أو لم تكن في ذلك المجتمع، وليس لأن الدين أَمَرَ بتركها أو تدرَّج بتحريمها أو ألزم الناس فيها! كمسألة: (الجواري وما ملكت أيمانكم)، ومسألة (تجارة أعضاء البشر)، ومسألة حجاب المرأة، ومسألة (الزواج من مثنى وثلاث ورُباع) وسوف نناقش ما استطعنا تلك المسائل على مراحل، ومن أولويات الأمة اليوم على صعيد العمل المشترك قضيتُها المركزية، ومن المؤسف الانشغال عنها إمّا بالانغماس بترف الحياة وبطر العيش أو بالاستجابة لاستدراجات الغرب لدفع طاقات الشباب نحو إثبات الذات عبر القتال باسم الدفاع عن الأمة ولكن بعيداً عن قضيتنا المركزية! وحين باسلنا ودافعنا عن أوطاننا نزلت علينا الحمية والبطولة تحت مسمى (الثورات العربية) لنلغي بذلك كل مناسبة وطنية سابقة تذكّرنا بأهدافٍ تدعو للوحدة بين العرب. قلنا يا جماعة فلسطين تنتظر والمسجد الأقصى أسير، نُفتش ونبحثُ عنكم نجدكم في بيشاوَر تستعدون للجهاد في أفغانستان! يا أهل النخوة القدس من هنا عبْر دول المواجهة، نبحثُ عنكم فنجدكم تقاتلون في الشيشان! يا حبيبي يا بعد عمري ترى غزة من جهة مصر والضفة جنب الأردن، والجولان ومزارع شبعا ما زالت محتلة، نفتّش عنكم نجدكم في كابول وفي قندهار!! يا عمي فلسطين من الجهة الثانية والله من الجهة الثانية... خلّونا صايمين!!
Swaidan9@yahoo.com