المدفع كان وسيلة الإعلان عنه... وصافرات الإنذار تحدد موعدي بدايته ونهايته
العجيري لـ «الراي»: رمضان زمان ... بساطة وعفوية ومحبة منقطعة النظير

الفلكي صالح العجيري متحدثاً للزميل علي العلاس

العجيري إلى جانب تليسكوب الرصد

صالح العجيري (تصوير علي السالم)









| كتب علي العلاس |
ببسمة على محياه، وصف الفلكي صالح العجيري ما اعتاد الناس على القيام به احتفاء بشهر رمضان قبل عدة عقود، معربا عن توقه لوشائج المودة والتراحم والتكافل والتآلف الاجتماعي التي كانت تميز الكويتيين رغم ما كانوا يمرون به من شظف العيش، وقسوة الحياة قبل أن يتدفق الذهب الأسود في أراضيهم، ويحول الصحراء القاحلة إلى مدن عامرة ومشاريع عملاقة.
«الراي» قصدت العجيري لرسم صورة كاملة عن «رمضان زمان» امام ناظري الأجيال الحاضرة، لتتعلم منها ما كان من بساطة وعفوية ومحبة منقطعة النظير تجمع لأهل الفريج الواحد بلا تفرقة وفق أي بندن... وفي ما يلي تفاصيل الحوار:
• كثيرا ما نسمع عن وجود فرق بين رمضان الماضي والحاضر، فهل هناك بالفعل اختلاف؟
- نعم هناك اختلاف كبير بين رمضان ايام زمان ورمضان هذه الأيام، ففي السابق كنا نستعد للشهر الفضيل من نصف شعبان، حيث كنا نحتفل بهذه الليلة احتفالا عظيما على اعتبار أنها ليلة تكتب فيها الاعمار وتمحى السيئات ويقبل فيها الدعاء، فكان غالبية أهل الكويت الذين كان يقتصر وجود نسبة كبيرة منهم على حدود البحر يحيون هذه الليلة بالدعاء وقراءة القرآن، أما الآن فتأتي ليلة النصف من شعبان ولا يشعر بها أحد سوى الكهول الذين تقارب أعمارهم عمري.
• وكيف كان يستقبل الأولاد والبنات رمضان؟
- كان الاطفال يستعدون لرمضان من ليلة نصف شعبان، وكانوا دائما يتجمعون ليلا في الساحات الترابية ويلعبون حتى وقت متقدم من الليل، وكان كل واحد منهم يحصل من ولي امره على «بيزة» لشراء البسكويت والباجيلا من البقالات، كما كان الاطفال ايضا يتحدون بعضهم ويتراهنون على من يكمل هذه الليلة مستيقظا حتى طلوع شمس اليوم التالي، ومن ضمن العادات المستهجنة التي كان يقوم بها اطفال الفريج في هذه الليلة من باب اللعب والضحك قيامهم برمي أبواب منازل جيرانهم بالحجارة، ولكن لحسن حظهم ان الجيران كانوا يعرفون ان هذه الليلة هي ليلة النصف من شعبان.
• ماذا عن استعدادكم لرمضان؟
- عندما كان يقترب رمضان أكثر وتحديدا قبل رؤية الهلال بأسبوع كانت نساء الفريج تستعد لهذا الشهر العظيم من خلال قيامهن بدق الهريس (الحنطة والقمح) في إناء مصنوع من الخشب لتحضير مكونات اكلة الهريس التي كانت تعتبر بمثابة عادة تلازم شهر رمضان مثلها مثل الكنافة وغيرها من الأكلات التي يكثر رواجها في هذا الشهر الكريم، حيث كان يتم في زماننا تحضير هذه الأكلة في شهر رمضان وتحديدا مع كل ليلة خميس، ولا استطيع ان اصف مدى الفرحة التي كانت تبدو على وجوه اهل البيت الذي يعد هذا الطبق، اما الآن فالوضع اختلف بعض الشيء، ولم تعد هذه الأكلة مقتصرة فقط على رمضان كما كان في زماننا، ففي وقتنا الحالي يمكنك ان تجد هذه الأكلة في اي يوم، وانا اعتقد ان هذا السبب هو الذي أفقدها لذتها وفرحة الناس بها أثناء تحضيرها في وقتنا الحالي.
• في السابق كانت الحياة بسيطة، ولم يكن هناك علم فلك متطور يمكن على ضوء حسابات الفلكيين تحديد هلال رمضان، فكيف كنتم تتلمسون رؤية الهلال؟
- حتى في وقتنا الحالي وفي ظل تطورعلم الفلك لا يأخذ الناس بحسابات الفلكيين، وانما يعتمدون على رؤية الهلال بالعين المجردة، ولكن الفرق بين الماضي والحاضر ان سبل المواصلات لم تكن متوافرة على عهدنا مثلما هو حاصل اليوم، ولذلك لم نكن نعرف ان كان جيراننا في بقية الدول بدأوا صيامهم ام لا عكس وقتنا الحالي الذي تطورت فيه سبل الاتصالات والمواصلات، ففي السابق كان القاضي يحدد بداية شهر رمضان بناء على شهادة رجلين او اكثر ممن رأوا هلال رمضان.
• تقول إن سبل الاتصالات والمواصلات كانت شبه منعدمة، فكيف كان يعرف أهل الكويت كافة ان بداية رمضان ستكون غدا؟
- أولا علينا ان نعرف ان معظم سكان واهل الكويت كانوا يستوطنون المناطق القريبة من البحر الى جانب وجود بعض القبائل البدوية التي كانت تخيم في صحراء الكويت، فالقاضي عندما كان يحدد بداية شهر رمضان كان يتم إطلاق المدفع الذي كان موجودا على البحر بجانب قصر السيف، وبالتالي كان يسمع جميع أهل الديرة صوت المدفع ويعرفون ان غدا بداية رمضان، حتى من يعيش في الصحارى كان يسمع صوت المدفع، حيث لم تكن موجودة أبنية عالية مثل التي نشاهدها اليوم لتحول دون وصول صوت المدفع إليهم، هذا بالاضافة الى انهم كانوا يشاهدون ايضا في السماء وميض طلقة المدفع.
• اليوم ورغم وجود مكيفات ووسائل تبريد منتشرة نلاحظ ان هناك عددا كبيرا من الناس يخشون صيام رمضان في ظل درجة الحرارة المرتفعة، فكيف كنتم انتم تتغلبون على صيام هذا الشهر في وقت كانت وسائل التبريد شبه معدومة؟
- رمضان في الماضي، خصوصا اذا جاء في أشهر الصيف كان صعبا جدا، حيث لم تكن هناك ثلاجات أو مكيفات، مقارنة بالوقت الحالي الذي تتنوع فيه وسائل التبريد وتنتشر فيه المكيفات في كل مكان، في العمل والمنزل والسيارة، ولذا انا استغرب كثيرا من هؤلاء الاشخاص الذين يخافون من صيام رمضان في ظل وسائل الترفيهية المنتشرة حاليا، ففي الماضي ربما الشيء الذي كان موجودا ويباع بكميات قليلة جدا لدرجة ان الناس كانوا يتهافتون عليه هو الثلج ولا شيء آخر غيره، ومع ذلك كنا نصوم رمضان ونحن نكدح في عملنا، والثواب على قدر المشقة.
• على ذكر انتشار الوسائل الترفيهية التي تعد الكهرباء احداها، كيف كنتم تقيمون شعائر صلاة العشاء والتراويح؟
- كنا نقيم صلاة العشاء والتراويح التي كان يصل عددها إلى عشرين ركعة قد يختصرها البعض لثماني ركعات على ضوء سراج يعمل بالغاز الطبيعي يكون معلقا في سقف المسجد، وعادة كان هذا السراج ينطفئ في منتصف صلاة التراويح ويكمل الامام ووراءه المصلون الركعات المتبقية على الظلام، ولذلك كان يصطف خلف الإمام حفظة كتاب الله لمساعدته ان نسي بعض الآيات، اما الآن ولله الحمد نجد مساجد الكويت عامرة ومضاءة بالانوار وغيرها من الوسائل الاخرى التي تساعد المصلين على أداء فروضهم بسهولة ويسر.
• كيف كنتم تحتفلون بالقرقيعان؟
- اولا علينا ان نعرف معنى القرقيعان لان الكثير حتى اليوم لا يعرفون من اين اتى هذا المسمى، فكلمة القرقيعان مأخوذة من القرقعة التي كان يحدثها الاطفال عندما كانوا يضعون الحلوى الخاصة بهم في أوان معدنية ويلعبون بها، هنا كانت تصدر أصوات قرقعة، ومنها اطلقوا على هذه المناسبة «القرقيعان»، وفي الماضي كان القرقيعان بسيطا ونوع الحلويات التي كانت تبيعها البقالات قليل مقارنة بالانواع التي انتشرت في وقتنا الحالي، حيث كان يستغل اصحاب البقالات هذه المناسبة في توزيع وبيع مخزونهم من الحلويات التي كانت مدة صلاحيتها قريبة من الانتهاء، عموما لم يتبق من هذه المناسبة سوى اسمها، ففي الماضي كان الاطفال يحتفلون بها في أيام الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فقط، اما الآن فنجد الاحتفال بليالي القرقيعان مستمرة من بداية الشهر حتى آخره، والكل يحتفل بها من نواد وجمعيات نفع عام وهيئات وغيرها خلافا لما كان في السابق، حيث كان يحتفل بها الاطفال فقط.
• هل لاحظت أن هناك مناسبات أخرى طرأ عليها تغيير أو اختلفت عما كان سائدا في الماضي؟
نعم، ومن الأشياء أو المناسبات التي طرأ عليها بعض التغيير زكاة الفطر، ففي زماننا كان رب البيت يخرج زكاة الفطر إما قمحا أو أرزا أو تمرا، وكان عندما يخرجها يلتف من حوله افراد اسرته وابناء الجيران لكي يشاهدوا طريقة توزيع ووزن هذه الحبوب التي كان يتم توزيعها على الفقراء، فكان الابناء يفرحون كثيرا بهذه المظاهر عندما يحضرون توزيع زكاة الفطر، اما اليوم فالوضع اختلف كثيرا، فرب الاسرة يقوم حاليا بين نفسه بعيدا عن ابنائه بتوزيع زكاة الفطر من خلال اقرب مقر جمعية خيرية له، ولهذا نجد ان كثيرا من اطفال اليوم لا يعرفون شيئا عن زكاة الفطر، ومن العادات القديمة التي كانت موجودة في زماننا واندثرت حاليا هي عملية إعارة وتبادل الاشياء والسلع بين أهل الفريج، خصوصا إذا كانت هذه السلعة لا توجد إلا عند بيت او اكثر من ذلك بقليل، فالناس كانوا دائما سواء كانوا رجالا او نساء يستعيرون الاشياء من بعضهم لان الحياة في السابق كانت صعبة، ومثال على ذلك هناك من الرجال من كان يستعير البشت من جاره ليحضر به عرسا او عيدا او أي مناسبة سعيدة، اما بالنسبة للنساء فهناك من كانت تستعير حلي (ذهب) جارتها لتتزين به عندما توجه لها دعوة لحضور مناسبة سارة، فهذه العملية كانت منتشرة في زماننا وكان فيها الكثير من الفوائد والخصال الجميلة مثل التكافل والتراحم بين الأهل والجيران، اما الآن فالوضع اختلف 180 درجة لان الكل يعتبر حاليا عملية الاستعارة او الاعارة في ظل المستوى المعيشي المرتفع عيبا ونقيصة اجتماعية.
• هل كنتم تعلنون يوم عيد الفطر بطريقة إعلان بدء شهر رمضان نفسها؟
- كنا نعلن يوم العيد بالطريقة نفسها وهي ضرب المدفع، ولكن الاختلاف كان يتمثل في إطلاق أكثر من طلقة ابتهاجا بالعيد حتى يعرف الناس ان هذه الطلقات بمثابة رؤية هلال العيد، هذا بالنسبة لموعد اعلان رؤية هلال العيد، وطالما تطرقنا الى الطرق التي كان يتم بها او من خلالها اعلان هلال شهر رمضان وهلال العيد فعلينا ايضا ان نتطرق الى الطريقة التي كان يتم بها اعلان مواعيد الافطار والامساك، وربما العديد من أهل الديرة باستثناء من هم في عمري أو أقل بقليل لا يعون هذه الطريقة، التي كان يتم فيها استخدام صافرات الإنذار في اعلان موعدي الافطار والامساك، اما قصة هذه الصافرات فهي تعود إلى الحرب العالمية الثانية عندما أتت بها الحكومة لتنبيه الناس إلى الغارات الجوية، ولكن بعد ان مرت الحرب على الكويت دون تعرضها لأي غارة فكرت في استخدامها لإعلان موعدي الافطار والامساك.
• كيف كنتم تستقبلون عيد الفطر؟
- في السابق كان الجميع يستعد للاحتفال بعيد الفطر من خلال عادات جميلة، ومن هذه العادات كان الجميع رجالا ونساء وأطفالا يحيكون ملابس جديدة تناسب فرحة العيد، اما الآن فربما يكون الوضع اختلف، ففي ظل كثرة الملابس لم يعد هناك اهتمام مثل السابق بمثل هذا الامر، فالناس وأنا واحد منهم يمكنهم استقبال المعايدين بأي دشداشة يرتدونها طالما نظيفة وتم كيها، ومن ضمن العادات التي كانت تصاحب عيد الفطر حرص اهل البيت على صنع طبق المجبوس الذى كان يرش عليه مكسرات وزبيب، اما الاطفال فكانوا يستعدون استعدادا خاصا ليوم العيد، فكنا نجدهم يوم العيد يستيقظون مبكرا لأخذ العيدية من اولياء امورهم لصرفها على المراجيح وركب الحمير وغيرها من الالعاب الترفيهية التي كانت منتشرة على ايامنا.
بلاع البيزة
هناك الكثير من يردد عبارة بلاع البيزة، دون معرفتهم بقصتها، فالكثير من هؤلاء يربط بين الفساد وكلمة بلاع البيزة دون دراية بالقصة الحقيقية التي قيلت في شأنها هذه العبارة، والقصة هي أن اولياء الامور كانوا يحضرون في يوم العيد لابنائهم تمثالا مصنوعا من مادة النحاس، مقفلا من كل الجوانب باستثناء فتحة صغيرة في فمه، كان الاطفال يضعون فيها بيزاتهم ليشاهدوا ويستمتعوا بالحركة والصوت والضوء الذي كان يصدرها هذا التمثال النحاسي وبمجرد وقوف التمثال عن إصدار الصوت والضوء والحركة يبدأ الطفل في البكاء على بيزته لعدم تمكنه من استعادتها، ومن هنا اطلقت عبارة بلاع البيزة على كل من يكون همه الحصول على المال بغض النظر عن المقابل.
ببسمة على محياه، وصف الفلكي صالح العجيري ما اعتاد الناس على القيام به احتفاء بشهر رمضان قبل عدة عقود، معربا عن توقه لوشائج المودة والتراحم والتكافل والتآلف الاجتماعي التي كانت تميز الكويتيين رغم ما كانوا يمرون به من شظف العيش، وقسوة الحياة قبل أن يتدفق الذهب الأسود في أراضيهم، ويحول الصحراء القاحلة إلى مدن عامرة ومشاريع عملاقة.
«الراي» قصدت العجيري لرسم صورة كاملة عن «رمضان زمان» امام ناظري الأجيال الحاضرة، لتتعلم منها ما كان من بساطة وعفوية ومحبة منقطعة النظير تجمع لأهل الفريج الواحد بلا تفرقة وفق أي بندن... وفي ما يلي تفاصيل الحوار:
• كثيرا ما نسمع عن وجود فرق بين رمضان الماضي والحاضر، فهل هناك بالفعل اختلاف؟
- نعم هناك اختلاف كبير بين رمضان ايام زمان ورمضان هذه الأيام، ففي السابق كنا نستعد للشهر الفضيل من نصف شعبان، حيث كنا نحتفل بهذه الليلة احتفالا عظيما على اعتبار أنها ليلة تكتب فيها الاعمار وتمحى السيئات ويقبل فيها الدعاء، فكان غالبية أهل الكويت الذين كان يقتصر وجود نسبة كبيرة منهم على حدود البحر يحيون هذه الليلة بالدعاء وقراءة القرآن، أما الآن فتأتي ليلة النصف من شعبان ولا يشعر بها أحد سوى الكهول الذين تقارب أعمارهم عمري.
• وكيف كان يستقبل الأولاد والبنات رمضان؟
- كان الاطفال يستعدون لرمضان من ليلة نصف شعبان، وكانوا دائما يتجمعون ليلا في الساحات الترابية ويلعبون حتى وقت متقدم من الليل، وكان كل واحد منهم يحصل من ولي امره على «بيزة» لشراء البسكويت والباجيلا من البقالات، كما كان الاطفال ايضا يتحدون بعضهم ويتراهنون على من يكمل هذه الليلة مستيقظا حتى طلوع شمس اليوم التالي، ومن ضمن العادات المستهجنة التي كان يقوم بها اطفال الفريج في هذه الليلة من باب اللعب والضحك قيامهم برمي أبواب منازل جيرانهم بالحجارة، ولكن لحسن حظهم ان الجيران كانوا يعرفون ان هذه الليلة هي ليلة النصف من شعبان.
• ماذا عن استعدادكم لرمضان؟
- عندما كان يقترب رمضان أكثر وتحديدا قبل رؤية الهلال بأسبوع كانت نساء الفريج تستعد لهذا الشهر العظيم من خلال قيامهن بدق الهريس (الحنطة والقمح) في إناء مصنوع من الخشب لتحضير مكونات اكلة الهريس التي كانت تعتبر بمثابة عادة تلازم شهر رمضان مثلها مثل الكنافة وغيرها من الأكلات التي يكثر رواجها في هذا الشهر الكريم، حيث كان يتم في زماننا تحضير هذه الأكلة في شهر رمضان وتحديدا مع كل ليلة خميس، ولا استطيع ان اصف مدى الفرحة التي كانت تبدو على وجوه اهل البيت الذي يعد هذا الطبق، اما الآن فالوضع اختلف بعض الشيء، ولم تعد هذه الأكلة مقتصرة فقط على رمضان كما كان في زماننا، ففي وقتنا الحالي يمكنك ان تجد هذه الأكلة في اي يوم، وانا اعتقد ان هذا السبب هو الذي أفقدها لذتها وفرحة الناس بها أثناء تحضيرها في وقتنا الحالي.
• في السابق كانت الحياة بسيطة، ولم يكن هناك علم فلك متطور يمكن على ضوء حسابات الفلكيين تحديد هلال رمضان، فكيف كنتم تتلمسون رؤية الهلال؟
- حتى في وقتنا الحالي وفي ظل تطورعلم الفلك لا يأخذ الناس بحسابات الفلكيين، وانما يعتمدون على رؤية الهلال بالعين المجردة، ولكن الفرق بين الماضي والحاضر ان سبل المواصلات لم تكن متوافرة على عهدنا مثلما هو حاصل اليوم، ولذلك لم نكن نعرف ان كان جيراننا في بقية الدول بدأوا صيامهم ام لا عكس وقتنا الحالي الذي تطورت فيه سبل الاتصالات والمواصلات، ففي السابق كان القاضي يحدد بداية شهر رمضان بناء على شهادة رجلين او اكثر ممن رأوا هلال رمضان.
• تقول إن سبل الاتصالات والمواصلات كانت شبه منعدمة، فكيف كان يعرف أهل الكويت كافة ان بداية رمضان ستكون غدا؟
- أولا علينا ان نعرف ان معظم سكان واهل الكويت كانوا يستوطنون المناطق القريبة من البحر الى جانب وجود بعض القبائل البدوية التي كانت تخيم في صحراء الكويت، فالقاضي عندما كان يحدد بداية شهر رمضان كان يتم إطلاق المدفع الذي كان موجودا على البحر بجانب قصر السيف، وبالتالي كان يسمع جميع أهل الديرة صوت المدفع ويعرفون ان غدا بداية رمضان، حتى من يعيش في الصحارى كان يسمع صوت المدفع، حيث لم تكن موجودة أبنية عالية مثل التي نشاهدها اليوم لتحول دون وصول صوت المدفع إليهم، هذا بالاضافة الى انهم كانوا يشاهدون ايضا في السماء وميض طلقة المدفع.
• اليوم ورغم وجود مكيفات ووسائل تبريد منتشرة نلاحظ ان هناك عددا كبيرا من الناس يخشون صيام رمضان في ظل درجة الحرارة المرتفعة، فكيف كنتم انتم تتغلبون على صيام هذا الشهر في وقت كانت وسائل التبريد شبه معدومة؟
- رمضان في الماضي، خصوصا اذا جاء في أشهر الصيف كان صعبا جدا، حيث لم تكن هناك ثلاجات أو مكيفات، مقارنة بالوقت الحالي الذي تتنوع فيه وسائل التبريد وتنتشر فيه المكيفات في كل مكان، في العمل والمنزل والسيارة، ولذا انا استغرب كثيرا من هؤلاء الاشخاص الذين يخافون من صيام رمضان في ظل وسائل الترفيهية المنتشرة حاليا، ففي الماضي ربما الشيء الذي كان موجودا ويباع بكميات قليلة جدا لدرجة ان الناس كانوا يتهافتون عليه هو الثلج ولا شيء آخر غيره، ومع ذلك كنا نصوم رمضان ونحن نكدح في عملنا، والثواب على قدر المشقة.
• على ذكر انتشار الوسائل الترفيهية التي تعد الكهرباء احداها، كيف كنتم تقيمون شعائر صلاة العشاء والتراويح؟
- كنا نقيم صلاة العشاء والتراويح التي كان يصل عددها إلى عشرين ركعة قد يختصرها البعض لثماني ركعات على ضوء سراج يعمل بالغاز الطبيعي يكون معلقا في سقف المسجد، وعادة كان هذا السراج ينطفئ في منتصف صلاة التراويح ويكمل الامام ووراءه المصلون الركعات المتبقية على الظلام، ولذلك كان يصطف خلف الإمام حفظة كتاب الله لمساعدته ان نسي بعض الآيات، اما الآن ولله الحمد نجد مساجد الكويت عامرة ومضاءة بالانوار وغيرها من الوسائل الاخرى التي تساعد المصلين على أداء فروضهم بسهولة ويسر.
• كيف كنتم تحتفلون بالقرقيعان؟
- اولا علينا ان نعرف معنى القرقيعان لان الكثير حتى اليوم لا يعرفون من اين اتى هذا المسمى، فكلمة القرقيعان مأخوذة من القرقعة التي كان يحدثها الاطفال عندما كانوا يضعون الحلوى الخاصة بهم في أوان معدنية ويلعبون بها، هنا كانت تصدر أصوات قرقعة، ومنها اطلقوا على هذه المناسبة «القرقيعان»، وفي الماضي كان القرقيعان بسيطا ونوع الحلويات التي كانت تبيعها البقالات قليل مقارنة بالانواع التي انتشرت في وقتنا الحالي، حيث كان يستغل اصحاب البقالات هذه المناسبة في توزيع وبيع مخزونهم من الحلويات التي كانت مدة صلاحيتها قريبة من الانتهاء، عموما لم يتبق من هذه المناسبة سوى اسمها، ففي الماضي كان الاطفال يحتفلون بها في أيام الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فقط، اما الآن فنجد الاحتفال بليالي القرقيعان مستمرة من بداية الشهر حتى آخره، والكل يحتفل بها من نواد وجمعيات نفع عام وهيئات وغيرها خلافا لما كان في السابق، حيث كان يحتفل بها الاطفال فقط.
• هل لاحظت أن هناك مناسبات أخرى طرأ عليها تغيير أو اختلفت عما كان سائدا في الماضي؟
نعم، ومن الأشياء أو المناسبات التي طرأ عليها بعض التغيير زكاة الفطر، ففي زماننا كان رب البيت يخرج زكاة الفطر إما قمحا أو أرزا أو تمرا، وكان عندما يخرجها يلتف من حوله افراد اسرته وابناء الجيران لكي يشاهدوا طريقة توزيع ووزن هذه الحبوب التي كان يتم توزيعها على الفقراء، فكان الابناء يفرحون كثيرا بهذه المظاهر عندما يحضرون توزيع زكاة الفطر، اما اليوم فالوضع اختلف كثيرا، فرب الاسرة يقوم حاليا بين نفسه بعيدا عن ابنائه بتوزيع زكاة الفطر من خلال اقرب مقر جمعية خيرية له، ولهذا نجد ان كثيرا من اطفال اليوم لا يعرفون شيئا عن زكاة الفطر، ومن العادات القديمة التي كانت موجودة في زماننا واندثرت حاليا هي عملية إعارة وتبادل الاشياء والسلع بين أهل الفريج، خصوصا إذا كانت هذه السلعة لا توجد إلا عند بيت او اكثر من ذلك بقليل، فالناس كانوا دائما سواء كانوا رجالا او نساء يستعيرون الاشياء من بعضهم لان الحياة في السابق كانت صعبة، ومثال على ذلك هناك من الرجال من كان يستعير البشت من جاره ليحضر به عرسا او عيدا او أي مناسبة سعيدة، اما بالنسبة للنساء فهناك من كانت تستعير حلي (ذهب) جارتها لتتزين به عندما توجه لها دعوة لحضور مناسبة سارة، فهذه العملية كانت منتشرة في زماننا وكان فيها الكثير من الفوائد والخصال الجميلة مثل التكافل والتراحم بين الأهل والجيران، اما الآن فالوضع اختلف 180 درجة لان الكل يعتبر حاليا عملية الاستعارة او الاعارة في ظل المستوى المعيشي المرتفع عيبا ونقيصة اجتماعية.
• هل كنتم تعلنون يوم عيد الفطر بطريقة إعلان بدء شهر رمضان نفسها؟
- كنا نعلن يوم العيد بالطريقة نفسها وهي ضرب المدفع، ولكن الاختلاف كان يتمثل في إطلاق أكثر من طلقة ابتهاجا بالعيد حتى يعرف الناس ان هذه الطلقات بمثابة رؤية هلال العيد، هذا بالنسبة لموعد اعلان رؤية هلال العيد، وطالما تطرقنا الى الطرق التي كان يتم بها او من خلالها اعلان هلال شهر رمضان وهلال العيد فعلينا ايضا ان نتطرق الى الطريقة التي كان يتم بها اعلان مواعيد الافطار والامساك، وربما العديد من أهل الديرة باستثناء من هم في عمري أو أقل بقليل لا يعون هذه الطريقة، التي كان يتم فيها استخدام صافرات الإنذار في اعلان موعدي الافطار والامساك، اما قصة هذه الصافرات فهي تعود إلى الحرب العالمية الثانية عندما أتت بها الحكومة لتنبيه الناس إلى الغارات الجوية، ولكن بعد ان مرت الحرب على الكويت دون تعرضها لأي غارة فكرت في استخدامها لإعلان موعدي الافطار والامساك.
• كيف كنتم تستقبلون عيد الفطر؟
- في السابق كان الجميع يستعد للاحتفال بعيد الفطر من خلال عادات جميلة، ومن هذه العادات كان الجميع رجالا ونساء وأطفالا يحيكون ملابس جديدة تناسب فرحة العيد، اما الآن فربما يكون الوضع اختلف، ففي ظل كثرة الملابس لم يعد هناك اهتمام مثل السابق بمثل هذا الامر، فالناس وأنا واحد منهم يمكنهم استقبال المعايدين بأي دشداشة يرتدونها طالما نظيفة وتم كيها، ومن ضمن العادات التي كانت تصاحب عيد الفطر حرص اهل البيت على صنع طبق المجبوس الذى كان يرش عليه مكسرات وزبيب، اما الاطفال فكانوا يستعدون استعدادا خاصا ليوم العيد، فكنا نجدهم يوم العيد يستيقظون مبكرا لأخذ العيدية من اولياء امورهم لصرفها على المراجيح وركب الحمير وغيرها من الالعاب الترفيهية التي كانت منتشرة على ايامنا.
بلاع البيزة
هناك الكثير من يردد عبارة بلاع البيزة، دون معرفتهم بقصتها، فالكثير من هؤلاء يربط بين الفساد وكلمة بلاع البيزة دون دراية بالقصة الحقيقية التي قيلت في شأنها هذه العبارة، والقصة هي أن اولياء الامور كانوا يحضرون في يوم العيد لابنائهم تمثالا مصنوعا من مادة النحاس، مقفلا من كل الجوانب باستثناء فتحة صغيرة في فمه، كان الاطفال يضعون فيها بيزاتهم ليشاهدوا ويستمتعوا بالحركة والصوت والضوء الذي كان يصدرها هذا التمثال النحاسي وبمجرد وقوف التمثال عن إصدار الصوت والضوء والحركة يبدأ الطفل في البكاء على بيزته لعدم تمكنه من استعادتها، ومن هنا اطلقت عبارة بلاع البيزة على كل من يكون همه الحصول على المال بغض النظر عن المقابل.