قال لأحد معاوني القذّافي: دفعنا ثمن اغتيال رفيق الحريري

آصف شوكت اعتبر نفسه الوحيد القادر على ملء الفراغ الذي خلّفه حافظ الأسد

تصغير
تكبير
| كتب خيرالله خيرالله |

لم تكن هناك حدود لطموح آصف شوكت الذي كان يعتبر نفسه الوحيد بين افراد العائلة القادر على ملء الفراغ الذي خلفه رحيل حافظ الأسد في السنة 2000. كان منذ ما قبل رحيل الأسد الاب يعد نفسه للقفز الى الموقع الاوّل، خصوصا انه متزوج من الابنة الوحيدة للرئيس السوري الراحل من جهة، وان الابن الذي كان مهيأ فعلا لان يكون الخليفة، أي باسل الأسد، قتل في حادث سير في 1994 من جهة اخرى.

لم يصدّق آصف شوكت يوما ان زواجه من بشرى الأسد، لا يعني بالضرورة الحصول على الجائزة الكبرى التي تفتح له ابواب الرئاسة في سورية. ظنّ دائما ان الوقت يعمل لمصلحته وان ساعته آتية.

أتت ساعته بالفعل...

كانت العائلة بالمرصاد لآصف، حتى بعد مقتل باسل الذي كان عائقا دون اتمام الزواج. رضخت العائلة، بمن في ذلك حافظ الأسد نفسه، لما تريده بشرى. لكنّها لم تستسلم للصهر الجديد. تزوّجت بشرى بالقوة من آصف. كان ذلك العام 1995 بعد اقدامها على محاولة انتحار فاشلة رافقتها بتهديد وجّهته الى والدها فحواه ان عدم الاستجابة الى رغباتها سيعني «فقدان ولد آخر».

استخف آصف شوكت، السنّي الذي نشأ بين العلويين، بأفراد العائلة الآخرين. اعتقد ان مقتل باسل كفيل بازالة الاعتراضات عليه وانه سيكون الرجل الرقم واحد في البلد بمجرّد رحيل حافظ الأسد عن هذا العالم. فبشرى كانت تمتلك شخصية قوية وكانت تعتبر نفسها الاقرب الى والدها في السنوات العشر الاخيرة التي سبقت وفاته العام 2000.

كانت حسابات آصف شوكت غير دقيقة، بل خاطئة، وذلك لاعتبارات عدة.

اوّل هذه الاعتبارات ان آل مخلوف، على رأسهم محمد مخلوف، شقيق السيدة انيسة ارملة حافظ الأسد، لا يرتاحون اليه. اما ماهر الأسد الساعي الى لعب دور اكبر داخل المؤسسة العسكرية، فلم يكن، اقلّه على الصعيد الشخصي، يقلّ عداء له من باسل الأسد. صحيح انه لم تكن لدى بشّار الأسد تلك الحساسية التي لدى ماهر تجاه آصف، لكن الصحيح ايضا ان عاملين لعبا دورا مهمّا في جعل الرئيس السوري يحافظ على مسافة معيّنة من زوج شقيقته الكبرى.

كان العامل الاول شعور بشّار في الساعات التي تلت مباشرة وفاة والده بخطورة آصف شوكت بسبب شبكة العلاقات الدولية التي كان يمتلكها. تنبّه الى ذلك من خلال الاتصال الذي اجرته معه مادلين اوالبرايت، وزيرة الخارجية الاميركية وقتذاك، التي نقلت اليه تعازي الرئيس بيل كلينتون.

حصل ذلك قبل الاعلان رسميا عن وفاة الأسد الاب. فقد كُلّفت ناهد مصطفى طلاس، ارملة اكرم عجة المقيمة في باريس، ابلاغ نبأ الوفاة الى الديوان الملكي السعودي والرئاسة الفرنسية والبيت الابيض قبل اذاعته. وفي سياق نقلها لتعازي كلينتون الى بشّار، الذي لم يكن اصبح بعد رئيسا، اعربت وزيرة الخارجية الاميركية لبشّار عن «املها» في ان «يكون السيّد شوكت الى جانبه». كان اوّل ما فعله الرئيس السوري الجديد ان راح يطرح على نفسه اسئلة في شأن طبيعة العلاقات التي اقامها آصف شوكت مع الاميركيين وهل كانت هذه العلاقات من خلف ظهره؟ هذا ما باح به بشّار لمجموعة من اصدقائه والقريبين منه من آل مخلوف وغيرهم بعيد اقفال الخطّ بينه وبين أولبرايت.

امّا العامل الآخر الذي لعب دورا في ايجاد نوع من الفتور بين بشّار وآصف، فهو عائد الى العداء الذي قام بين اسماء الأسد زوجة بشار وشقيقته بشرى الساعية الى ان تكون احد مراكز القوى في البلد. فمنذ دخلت قصر الرئاسة في دمشق، راحت اسماء تتصرّف بصفة كونها «السيّدة الاولى» واضعة نفسها فوق زوجة آصف شوكت التي كانت تعتقد انها جزء لا يتجزّأ من مؤسسة الرئاسة وشريكة في السلطة. بلغ الامر ببشرى ان نقلت اولادها الى باريس ثم الى احدى الدول الخليجية بعد تدهور العلاقات الفرنسية - السورية في 2005 اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.

كانت بشرى الأسد التي راحت تمضي معظم وقتها خارج سورية تردد في سياق تبرير تصرفاتها ان «ليس في استطاعتها تربية اولادها في مثل هذه الاجواء» السائدة في البلد.

لم تكن هناك قطيعة تامة بين بشّار وماهر وآل مخلوف من جهة وآصف وبشرى من جهة اخرى. كانت هناك رغبة مستمرة في وضع صهر العائلة في خانة معيّنة بسبب ضرورة الحذر من طموحاته.

لذلك، كان هناك سقوط مستمرّ الى اعلى للضابط آصف شوكت وصولا الى مقتله في عملية تفجير مقر الامن القومي في اثناء اجتماع لافراد ما يسمّى «خلية الازمة»... أو ربّما قتل قبل ذلك في مايو الماضي.

مع مرور الوقت، شعر بشّار الأسد انه في حاجة الى آصف شوكت. لكنه رفض دائما ان يكون الرجل في مركز القرار. كان يريده المساعدة في تغطية القمع والمشاركة في كلّ ما من شأنه انجاح عمليات معيّنة ذات طابع ارهابي تستهدف هذه الشخصية او تلك. لكن لم يحدث في ايّ وقت ان خرج آصف من تحت المراقبة وذلك في غياب اي نوع من الثقة به. الدليل على ذلك انه لم يصبح مسؤولا عن الاستخبارات العسكرية الاّ بعد اغتيال الحريري مباشرة. في تلك المرحلة، التي لم تدم طويلا، كانت هناك محاولة لاستخدام العلاقات العربية والدولية لصهر العائلة من اجل تجاوز النتائج المترتبة على الجريمة والتخلص من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

في احدى المرّات، ذهب آصف شوكت الى ليبيا من اجل الاستفادة من خبرتها في التصالح مع الولايات المتحدة بعد اغلاق ملف قضية لوكربي. من بين ما قاله آصف شوكت لاحد معاوني معمّر القذّافي من الامنيين:» دفعنا ثمن اغتيال رفيق الحريري. سحبنا جيشنا من لبنان. اذا كان ثمن التخلص من المحكمة الدولية ايصال السنّي سعد الحريري الى رئاسة الجمهورية اللبنانية، فاننا على استعداد لذلك». لم يكن لدى المسؤول الامني الليبي الذي عرض عليه آصف شوكت المشاكل السورية ما يقوله للرجل. اكتفى بالاستماع الى طلباته واعدا بدرسها... والردّ لاحقا!

بعد اخراجه من موقع رئيس الاستخبارات العسكرية، وهو أقوى الاجهزة الامنية السورية، استمر السقوط الى أعلى. عيّن آصف نائبا لرئيس الاركان ثم نائبا لوزير الدفاع، وهو منصب فخري لا اكثر. لكن الحاجة لدى آل الأسد وآل مخلوف الى الرجل عادت مع اندلاع الثورة قبل سبعة عشر شهرا. ولعب آصف شوكت دورا في تهدئة الاوضاع في منطقة الزبداني المهمة في مرحلة ما وفي تنظيم الهجمات التي تعرّضت لها حمص وحماة والمناطق المحيطة بهما. وبات آصف عضوا مهما في «خلية الازمة» التي كانت تضع خطط القمع والمواجهة لبشّار الأسد. فرضت الثورة الشعبية على العائلة ان تتوحّد مجددا وان تنسى الخلافات بين اعضائها. كلّ ما في الامر انّ آصف شوكت دفع ثمن استعادة رضا آل الأسد وآل مخلوف عليه.

وتابع آصف شوكت سقوطه الى اعلى... كانت قبل ايام سقطته الاخيرة. انها سقطة تليق برجل طموح اعتقد ان بشرى بشّار الأسد يمكن ان توصله الى الرئاسة!
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي