الثورة الفرنسية ... مازالت تنبض بالحيوية

تصغير
تكبير
| بقلم: ندى يافي |

تحتفل فرنسا اليوم بعيدها الوطني الموافق الذكرى 223 للثورة الفرنسية.

لقد هدأت رياح الثورة منذ زمن بعيد، إلا أن المبادئ العظيمة التي قامت عليها ما زالت تنبض بالحيوية، ولاسيما منها مبادئ حقوق الإنسان، وباتت تضيء اليوم سياسة فرنسا الداخلية والخارجية.

ففي الداخل تسير عملية الديموقراطية الرشيدة بكل هدوء واحترام بين الأطراف السياسية. ولقد كان خطاب الرئيس السابق نيقولا ساركوزي فور الإعلان عن نتائج الانتخابات مثالاً للسلوك الديموقراطي المهيب الذي يعتز به كل مواطن فرنسي. كما كان وصول الرئيس الفرنسي الجديد فرنسوا هولاند إلى سدة الرئاسة عنواناً للتداول السلمي الهادئ للسلطة.

أما في الخارج، فما زالت فرنسا تسير على نهج الجنرال ديغول في احترام الشعوب الأخرى وإرادتها في تقريرها مصيرها بنفسها، وهي اليوم خير سند للشعوب الباحثة عن الحرية والاستقلال والاستقرار الحق.

وبصفتي سفيرة لفرنسا في دولة الكويت، أود في الوقت نفسه أن أحتفل بأكثر من نصف قرن من العلاقات الثنائية مع دولة الكويت، منذ استقلالها، علاقات لم يعكر صفوها يوماً أي سحاب.

هذه الصداقة القوية المتينة ظلت راسخة بين سلطات كلا البلدين على أعلى المستويات بعد التغيير الذي طرأ على الرئاسة في فرنسا، فلقد رد الرئيس الفرنسي الجديد على رسالة التهنئة التي بعث بها صاحب السمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، برسالة أكد فيها على الصداقة المتسمة بالثقة والاحترام. كما أكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مجدداً على التزام فرنسا بأمن واستقرار دولة الكويت.

يمكنني أن اشهد على كثافة هذه العلاقات عبر التشاور السياسي المستمر الذي ألمسه في عملي، ففي سنة 2011 وحدها أتى وزير خارجية فرنسا مرتين إلى دولة الكويت، كما أن معالي الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، وزير خارجية دولة الكويت، كان في فرنسا منذ أيام، بمناسبة مؤتمر أصدقاء سورة. وهذا التشاور طبيعي بين دولتين حريصتين على السلام والأمن الدوليين، بينهما تقارب كبير في وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية.

ولقد نسجت فرنسا مع الكويت أواصر علاقات وثيقة في مجال الدفاع والتعاون العسكري، حيث أبرمت اتفاقية دفاعية، عام 1992، تم تعزيزها في 2009، و تأتي زيارة رئيس الأركان الكويتي، معالي الشيخ خالد الجراح الصباح الأخيرة إلى فرنسا في شهر يونيو الماضي في سياق عملية متواصلة من الزيارات المختلفة والتمارين المشتركة ودورات التدريب وجلسات تبادل الرأي في الخطط الدفاعية.

أما علاقاتنا الاقتصادية فأتمنى لها أن ترتقي إلى المستوى الرفيع الذي تشهده علاقاتنا السياسية. لقد نوه وزير الصناعة الفرنسي خلال زيارته الأخيرة إلى الكويت في شهر مارس الماضي بالعدد المتزايد للشركات الفرنسية المستعدة للمساهمة بمشاريع خطة التنمية الكويتية، والشركات هذه تتمتع بكفاءة عالية وتجربة غنية، وسوف نستقبل عما قريب وفداً منها للاطلاع على الإمكانات المتاحة. ومن ناحية أخرى أسجل بارتياح تعاظم الاستثمارات الكويتية في فرنسا في شتى المجالات.

أما الثقافة والتربية فهما مجالان حيويان بالنسبة لفرنسا، ونعتز بافتتاحنا «المعهد الفرنسي في الكويت» مطلع عام 2012 وهو مركز ثقافي متكامل، لا يكتفي بتوفير دروس اللغة الفرنسية فحسب، بل فيه قسم لتوجيه الطلاب الراغبين بمتابعة دراساتهم العليا في فرنسا، كما أنه ينظم النشاطات الثقافية المختلفة. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر معرض «العصر الذهبي للعلوم العربية» الذي أقمناه بالتعاون مع دار الآثار الإسلامية، وندوة «وسائل الإعلام الحديث والديموقراطية»، بالتعاون مع ثلاث جمعيات من المجتمع المدني، ومعرض رسوم لأحد الرسامين المستشرقين، بالتعاون مع بيت لوذان، وكذلك حفلات موسيقية عديدة، تتناغم فيها الآلات الموسيقية الغربية مع الآلات الشرقية.

وما يزيدني سعادة هو رؤية الكويتيين يتوجهون بإعداد متزايدة إلى فرنسا للسياحة، كما يدل على ذلك عدد التأشيرات الممنوحة هذا العام، مقارنة بالعام الماضي.

العلاقات بين الدول تترسخ بالتواصل بين الشعوب، ولذلك فإنني مطمئنة إلى مستقبل علاقاتنا، لان القواسم المشتركة بين الشعبين الكويتي والفرنسي عديدة لا يستهان بها، كاهتمام المواطنين بالشأن العام والتمسك بالدولة الراعية للمواطن والحرص على الديموقراطية، ويسعدنا أن تكون «جمعية الشفافية» قد توجهت إلى فرنسا أخيرا لتشارك في متابعة الدورة الثانية للانتخابات النيابية الأخيرة عن كثب، ما يزيد من تجاربها ويضفي بعداً جديداً على علاقاتنا.

أتمنى لهذه العلاقات مزيداً من التطور، في كافة المجالات، ومزيداً من الازدهار.

عاشت الصداقة الكويتية-الفرنسية.





سفيرة فرنسا لدى الكويت
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي