سليمان سمع من هولاند إشادة بـ«النأي بالنفس» وبيرنز في بيروت

لبنان: أولوية حماية الحكومة مررت تمويل المحكمة بـ ... صمت

تصغير
تكبير
| بيروت - «الراي» |

رغم الطابع «الملتبس» الذي رافق عملية تمويل الحكومة اللبنانية (اول من امس) لحصة لبنان في موازنة المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري وسائر الجرائم المتصلة، بقرار «شخصي» من رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، فقد اكتسب هذا الاجراء دلالة سياسية مهمة وخصوصاً انه ترافق مع مجموعة تطورات اخرى أوحت بان الوضع الداخلي أعيد مرة اخرى الى دائرة الاحتواء ولو بصعوبات كبيرة.

وتوضح مصادر سياسية واسعة الاطلاع لـ«الراي» ان ضرورات بقاء الحكومة عادت لتفرض نفسها بقوة على مختلف الافرقاء اللبنانيين، ولا سيما القوى المشارِكة في الحكومة نفسها مما يفسر تغاضي قوى 8 آذار بالدرجة الاولى عن الاسلوب الذي اتبعه ميقاتي في تمويل المحكمة الدولية عن سنة2012 . فاذا كان ميقاتي لم يطرح التمويل على مجلس الوزراء واستبق جلسة الاربعاء التي أقرّت موازنة الـ 2012 بتحويل المبلغ الى المحكمة من دون ان يلقى اي اعتراض، فمعنى ذلك ان مشاورات سرية جرت قبل ذلك وحصل معها رئيس الحكومة على الضوء الاخضر للمضي في خطوته، وإلا لَما مرّ هذا الاجراء في مجلس الوزراء بصمت مطبق من 8 آذار ولا سيما «حزب الله».

واذا كان بعض قوى المعارضة وصف الخطوة بانها «تهريبة»، فان المصادر نفسها تقول في المقابل انه لم يكن لدى قوى 14 أذار واقعياً اي اوهام بان خصومها سيعدمون الحيلة لايجاد مخرج التمويل لان عرقلته كانت ستفتح «ابواب الجحيم» الخارجي في وجه الحكومة، وهو امر يدركه افرقاء الحكومة جميعاً وتجنبوا السقوط فيه.

وتشير المصادر الى ان هذه الخطوة تزامنت مع إقرار مجلس الوزراء لمشروع الموازنة لسنة 2012 ، رغم ما يشوبه من علل وثغر ومآخذ لن تلبث ان تظهر تباعاً، ما شكّل مؤشراً اضافياً الى ان اي تغيير حكومي في لبنان لم تنضج ظروفه الداخلية والخارجية بعد، وان هذه الحكومة رغم كل ما تواجهه من اخفاقات وأزمات وتطورات سلبية لا يزال «سرّ» بقائها يكمن في تعذر ايجاد بديل منها حتى اشعار آخر لا يبدو متاحاً في وقت منظور. فطابع التسويات وأنصاف الحلول والخطوات الظرفية العاجلة يطغى على مجمل المعالجات الحكومية سواء في الامن او في الاقتصاد ام في الازمات الخدماتية وسواها، ومع ذلك لا تبدو القوى المشاركة في الحكومة في وارد تقويض السلطة التي تُمسك بها والتي تدرك انها لن تستعيدها ابداً إن هي فقدتها راهناً او على الاقل لن تعود الى الامساك بها منفردة. كما ان قوى المعارضة و14 آذار ليست مستعجلة بدورها على تسديد الضربات القاضية للحكومة وكأنها تنام على رهان واقعي سقفه الانتخابات النيابية المقبلة وتداعي النظام السوري خارجياً وتالياً ترك الحكومة تراكم الاخفاقات.

وتضيف هذه المصادر ان الايام الاخيرة رسمت مرة اخرى معادلة قد تطول لاشهر على الاقل وهي ان لبنان يقف عند توازن سلبي وايجابي في الوقت نفسه. فالجانب السلبي يتمثل في القدرة المتناقصة والمتهالكة تدريجياً للحكومة عن اجتراح اي حلول جذرية لواقع الامن المضطرب والازمات المعيشية والاجتماعية والاقتصادية، فلا يبقى امامها سوى تسويات بالكاد تتيح احتواءً بالحد الادنى لمجمل المآزق والازمات الداخلية. اما الجانب الايجابي فيُبرز وجود «خطوط حمر» حقيقية وقرار سياسي كبير يساهم فيه مختلف الافرقاء اللبنانيين لمنع تجاوز الوضع القائم بما يمنع دائما السقوط في حسابات خاطئة من شأنها ان تدفع البلاد الى منزلق حريق امني واسع. وهي معادلة يرجح ان تصمد طويلاً ما لم تطرأ تطورات أمنية خطيرة على غرار الاغتيالات ومحاولات الاغتيال او تجاوز الوضع القائم على الحدود مع سورية الاطر المعقولة لاحتوائه في حال حصول انهيارات أوسع في سورية، وهي احتمالات لا يجوز إسقاطها من الحسبان.

وانطلاقاً من هذا الواقع، اكتسبت الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية ميشال سليمان لباريس حيث التقى امس نظيره الفرنسي فرانسوا هولاند اهميتها ولا سيما لجهة طبيعة الملفات التي جرى عرضها.

وبدا ان قرار تمويل المحكمة الذي سبق وصول الرئيس اللبناني الى باريس ساهم في إعطاء دفْع للقاء هولاند ـ سليمان وساعد الاخير في تظهير صورة لبنان الملتزم بالشرعية الدولية وبالعدالة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، علماً ان باريس رحّبت امس في بيان صدر عن خارجيتها «بتسديد السلطات اللبنانية حصتها لسنة 2012 من تمويل المحكمة الدولية المكلفة النظر في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وفقاً لنص القرار 1757 لمجلس الأمن»، مجددة دعم فرنسا للمحكمة «التي تتصرف باستقلالية تامة بخدمة العدالة ولوقف حالة الإفلات من العقاب».

وشكّلت «الأزمة السورية الخطيرة ونتائجها المقلقة على المنطقة»، حوراص اساسياً في مباحثات الرئيسين الفرنسي واللبناني حيث يجدد هولاند تأكيد الاهمية التي توليها فرنسا للاستقرار والامن في لبنان في ظل الازمة السورية مجدداً دعم فرنسا لمبادرة سليمان المتعلقة بالحوار الوطني في لبنان ودعم فرنسا لمهمة «اليونيفيل».

وقد اعلن سليمان من باريس ان زيارته «تهدف الى تعزيز العلاقات الثنائية بين لبنان وفرنسا المعروفة على كل الصعد، بالاضافة الى تعزيز دور فرنسا بـ «اليونيفيل» التي أدت إلى إرساء حالة سلام من الـ 2006 حتى الآن». وأضاف: «هذه الزيارة هي أيضاً لدعم لبنان في التطورات التي تحصل في الشرق الأوسط ومساعدة البلاد للحفاظ على استقراره الأمني وبقائه على موقف الحياد في ظل الانعكاسات في الدول العربية بانتظار التحول إلى الديموقراطية».

وأكد «دعم فرنسا للبنان بسياسية «النأي بالنفس»، مثنياً على «العلاقات الثنائية التاريخية بين البلدين».

وكان ملف المحكمة شهد تطوراً مفاجئاً باعلان ميقاتي تمويلها، في تطور مباغت جاء عشية وصول نائب وزيرة الخارجية الاميركية وليم بيرنز الى بيروت امس لإجراء محادثات ستتناول عناوين اقليمية عدة، الامر الذي أكسل ميقاتي المزيد «من النقاط» في رصيده الدولي.

واشارت معلومات الى أن تمويل المحكمة من خارج موازنة سنة 2012 لم يعتمد على المصارف اللبنانية كما حصل العام الماضي، بل اعتمد على موازنة رئاسة الحكومة والاحتياط في الموازنة اذ حُول من الاحتياط المبلغ المطلوب وهو 26 مليونا و927 الف يورو لحساب في مصرف لبنان جرى تحويله الى صندوق المحكمة الخاصة بلبنان.

وقد أكدت المحكمة أنها تسلّمت «مساهمة لبنان في ميزانية العام 2012 من الحكومة اللبنانية التي حوّلت ما يعادل نسبة 49 في المئة من ميزانية المحكمة، لحساب المحكمة المصرفي».

وكان لافتاً تأكيد «حزب الله» عبر وزيره محمد فنيش ان الحزب لم يكن ليسمح بان يكون تمويل المحكمة الدولية جزءا من موازنة 2012»، مضيفا: «موقفنا من المحكمة واضح والايام الماضية اثبتت صوابية مواقفنا وملتزمون بهذا الموقف، كما التزمنا بألا يتكلف اللبناني عبء تمويل المحكمة».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي