رأي / خفض الفائدة عالمياً: حالة يأس

تصغير
تكبير
| بقلم حيدر توفيق |

شهد الأسبوع الماضي ما يمكن أن نسمّيه عملية «خفض معدلات الفائدة»، التي تمثلت في القرارات التي اتخذها العديد من المصارف المركزية حول العالم في إطار إجراء كان، ومن دون أدنى شك، نتيجةً واضحةً لعملية منسقة للغاية في ما بينها، وهو ما يدفع للتساؤل عمّا إذا كان صناع القرار بالمصارف المركزية في العالم قادرين على رؤية الأمور بطريقة أوضح، مقارنة بالمستثمرين في مختلف أنحاء العالم؟.

لقد بدأت فصول هذه العملية مع البنك المركزي الصيني الذي اتخذ قراراً بخفض سعر الفائدة للمرة الثانية خلال شهرين، وذلك في أحدث محاولة لتعزيز النمو المتباطئ في ثاني أكبر اقتصاد في العالم. أمّا الفصل الثاني فقد بدأ بمبادرة من بنك إنكلترا الذي قام برفع حجم برنامج شراء السندات من السوق، وبعد تأخر دام 3 سنوات، استيقظ البنك المركزي الأوروبي أخيرا، وقرر خفض سعر الفائدة الرئيسية إلى مستوى قياسي وبـ 25 نقطة أساس ليصل إلى 0.75 في المئة كما تم تخفيض الفائدة على الودائع إلى الصفر.

وعلى المدى القصير، ستساهم هذه القرارات بالتأكيد في استقرار الأسواق المالية، كما أنها سوف تساهم في دفع الاقتصاد العالمي، ولكن الهدف الحقيقي لخفض نسب الفائدة إلى ما يقرب الصفر في المئة هو تشجيع المدخّرين والمودعين على الاستثمار في الأسواق المالية أو إجبارهم على إنفاق مدخرات حياتهم لإنقاذ الاقتصاد العالمي.

شخصياً، أعتقد أن المصارف المركزية في جميع أنحاء العالم قد ضاقت ذرعاً بالبنوك، وباتخاذها هذه القرارات بتخفيض أسعار الفائدة على الودائع إلى ما يقرب الصفر، فهي تضر بأرباح البنوك من خلال خفض معدلات سوق النقد واحتمال وقف خطوط الائتمان للشركات والمستهلكين بالإضافة إلى إجبار البنوك على وقف الإقراض إلى المؤسسات المالية الأخرى.

بالإمكان القول إن رسالة المصارف المركزية العالمية البسيطة إلى البنوك تتلخص في ما يلي: «يتمثل واجبكم الرئيسي في جذب المدخرين وإقراض المال»، وباتخاذ قرارات خفض معدلات الفائدة على الودائع إلى ما يقرب الصفر فإنه يجب على البنوك أن تعمل جاهدة ليس فقط على جذب المدخرين ولكن على استعادة ثقتهم المفقودة أيضاً.

وإذا شاءت الظروف أن نشهد تكراراً للتجربة اليابانية، فإن العالم سيشهد اختفاء بعض أكبر البنوك أو اندماجها، وما المقامرة الأخيرة التي قام بها «جي بي مورغان»، وبنك «باركلي» إلاّ دليل آخر على الحاجة الماسة لبعض البنوك لتعويض خسائرها في الأرباح، وذلك بالتزامن مع قيام بعض البنوك الكبرى الأخرى بزيادة ممتلكاتها من السندات، وهو ما يُعرّضها إلى مخاطر غير مضمونة في وقت وصلت فيه معدلات الفائدة إلى ما يقرب الصفر في المئة، ستكون الحكومات التي تتمتع بتصنيف ائتماني عال سعيدة جداً برؤية تكاليف اقتراضها تنخفض بشكل حاد، ومع ذلك، سيؤدي هذا الأمر إلى دقّ ناقوس الخطر مجدداً بالنسبة للمصارف المركزية، بما أن انخفاض العائد على السندات قد يؤدّي إلى المزيد من المشاكل في المستقبل. وتشهد التوقعات بارتفاع العائد على السندات تراجعا أكثر فأكثر مع مرور الأيام وهو ما يشكل أخباراً سيئة جداً بالنسبة للجميع.

أعتقد أن حجم الأزمة المالية والاقتصادية التي تواجهها أوروبا وبقية العالم، يتطلب سياسات جديدة أكثر جرأة تتجاوز عملية تخفيض معدلات الفائدة، كما أعتقد أنه إذا لم يأخذ صنّاع القرار في العالم هذه الأزمات على محمل الجدّ، فسوف تتحوّل إلى كرة ثلج ضخمة جداً وسوف تُطرح في نهاية المطاف الحاجة إلى وضع خطة كبيرة جداً للتعامل مع هذه الأزمة ومعالجتها.

أما عن سبب طرحي لهذا الاحتمال، فهو قلقي الكبير من معدلات البطالة المرتفعة جداً لدى الشباب الذي سيشعر في مرحلة ما بأن حكوماته تخلت عنه، أما خوفي الآخر فينبع من خطر تصدير الانكماش العالمي إلى الصين والأسواق الناشئة، ولذلك ينبغي على المصارف المركزية القيام بكل ما في وسعها لمحاربة الانكماش المقبل حتى لو كان ذلك يعني طبعَ النقود وتوزيعَها.

إنّ المصرفين المركزيّين الوحيدين اللذين يأخذان خطر الانكماش على محمل الجد ولا يتحدثان عنه هما الاحتياطي الفيديرالي الأميركي وبنك إنكلترا، بينما لم تتعلم المصارف المركزية الأخرى من مرحلة الأزمة المالية اليابانية التي شهدها العالم.

نحن في «ديمة كابيتال» نعتقد أن دورة الاقتصاد العالمي قد انهارت، وأنّ الاعتماد على كتلة اقتصادية واحدة لإنقاذ ما تبقى لم يعد ممكناً. لقد لعبت العولمة الاقتصادية دوراً كبيراً في هذا الانهيار، ولم يعد الإيمانُ بإمكانية عكس هذه الحقيقة أمراً واقعياً.

إنّنا نعتقد أن الحكومات ستصبح هي المستهلك في المستقبل ومن الأفضل لها أن تبدأ الإنفاق من الآن والقلق من التضخم أو تراكم الديون، كما نعتقد أن معدلات البطالة ستنخفض في مرحلة معينة، ولكنها لن تعود إلى مستوياتها المنخفضة التي عرفتها في الماضي. ونرى أنّ المستهلكين سيواصلون الإنفاق على شؤون حياتهم اليومية وسيؤخرون أو يلغون نهائياً الإنفاق على السلع غالية الثمن حتى يشعروا بالراحة والأمان.



* نائب الرئيس لإدارة الأصول في شركة ديمة كابيتال للاستثمار
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي