تراجع الأرباح النصفية... وحائط تشغيلي مسدود
البنوك يلفّها التشاؤم

البورصة مرآة لوضع البنوك (تصوير طارق عز الدين)


| كتب المحرر المصرفي |
يلف القطاع المصرفي تشاؤم شديد إزاء نتائج النصف الأول من العام الحالي، وتصب معظم التوقعات في اتجاه تراجع الأرباح عما كانت عليه في الفترة المقارنة العام الماضي، نتيجة ما يصفه أحد المصرفيين بـ «الحائط التشغيلي المسدود».
أسوأ ما في الأمر أن التشاؤم المصرفي ليس ناجماً عن حالة عابرة، بل عن أزمة تبدو وكأنها باتت مستدامة، تطول البيئة التشغيلية، وأسعار الأصول، والتوقعات المستقبلية للنمو الاقتصادي، وحتى البيئة السياسية التي تعتمد عليها السياسة المالية والاقتصادية للدولة.
وقد أعلنت وكالة «موديز» أخيراً أنها تحتفظ بنظرتها السلبية لجودة الأصول في الجهاز المصرفي الكويتي، انعكاساً لمخاطر الائتمان الكامنة. وتوقع أن تبقى مستويات القروض غير المنتظمة قريبة مما كانت عليها في 2011، أي نحو 6 في المئة. لكن مصرفياً محلياً حذر من أن البنوك ربما تحتاج إلى تجنيب المزيد من المخصصات، لمواجهة تراجع أسعار الرهونات.
وإذا كانت أرباح البنوك في الربع الأول قد تراجعت 1.4 في المئة عن الفترة المقارنة من العام الماضي، فإن التوقعات تشير إلى تراجع أكبر في نتائج الربع الثاني، أقله في النتائج التشغيلية، ما لم تغطّ على ذلك بالأرباح غير المتكررة التي ستعلنها بعض البنوك نتيجة عمليات تخارج من بعض الاستثمارات.
وتبدو التوقعات المستقبلية أسوأ من أي وقت مضى سواء لدى المصرفيين المحليين
الواقع المرير للبنوك يلخصه مصرفيون ببضع حقائق:
1 - انخفاض السوق... وأسعار الأصول
شكلت إقفالات النصف الأول في سوق الكويت للأوراق المالية ضربة إضافية قاسية لمحافظ الشركات، ومحافظ الرهونات، والبنوك الراهنة. فخلال الربع الثاني تبددت كامل المكاسب التي حققها السوق في الربع الأول، وباتت حصيلة الأشهر الستة الأولى من العام سلبية.
وكان الشهران الماضيان (مايو ويونيو)، بشكل خاص، قاسيين على البورصة. فخلالهما تراجعت الأسعار كثيراً، وبدا ذلك على حركة المؤشرات. فمثلاً، أنهى المؤشر السعري النصف الأول بخسارة 703 نقاط مقارنة بأعلى مستوى له في 9 مايو الماضي، أي نحو 11 في المئة. وكذلك خسر المؤشر الوزني 5 في المئة تقريباً من أعلى مستوى سجله هذا العام في 21 مارس الماضي.
وبدلاً من أن تكون أسهم الشركات التشغيلية القيادية (Blue chips) الداعم للسوق، كانت هي الأخرى ضحية التراجع، بدليل الخسائر التي يسجلها مؤشر «كويت 15» لأفضل 15 سهماً في السوق، منذ أن أطلق في 13 مايو.
2 - عودة المخصصات
... وبما أن هذه الأسهم القيادية تشكل عماد الرهونات التي تقبلها البنوك من عملائها، فإن من المنطقي أن تضطر البنوك إلى تعزيز المخصصات لتغطية هذا الانخفاض، خصوصاً وأن أوضاع معظم العملاء لا تسمح بتعزيز برهوناتهم.
معلوم أن نمو أرباح البنوك ارتكز في العامين الماضين، بشكل رئيسي، على تراجع المخصصات مقابل القروض المتعثرة. وغطّى ذلك في كثير من الأحيان على ضعف النمو التشغيلي. والشاهد على ذلك أن أكثر البنوك نمواً في صافي الربح لم تكن إلا البنوك الأكثر تجنيباً للمخصصات في العامين الأولين من الأزمة.
لكن هذا الهامش الذي كان متاحاً للنمو تم استنفاده، إما بفعل الوصول إلى مستويات المخصصات المطلوبة لدى بعض البنوك، وإما بسبب اضطرار بنوك أخرى إلى العودة إلى تجنيب المزيد من المخصصات بفعل التراجعات الأخيرة لأسعار الأصول. وظهر ذلك من خلال ارتفاع منسوب المخصصات لدى عدد من البنوك خلال الربع الأول.
يشار إلى أن «موديز» تقدر الاحتياطات العامة لخسائر القروض لدى البنوك بأكثر من 90 في المئة، كما في نهاية 2011. لكنها تشير إلى أن احتياطات المخصصات المحددة لا تتجاوز 50 في المئة من إجمالي القروض المتعثرة في الجهاز المصرفي.
وبالطبع، فإن انخفاض قيمة الضمانات يحتّم على البنوك زيادة المخصصات المحددة.
3 - البيئة التشغيلية
ضغوط كهذه في سوق السهم تعني مزيداً من المشكلات في البيئة التشغيلية المتضررة أصلاً من سوق حال قطاعي شركات الاستثمار والعقار، اللذين كانا يشكلان دعامتين أساسيتين لنمو أعمال البنوك في الأعوام السابقة للأزمة المالية العالمية.
فشركات الاستثمار مازالت بعيدة عن التعافي، بل إن بعضها يبدو في حال ميؤوس منها، وبعضها الآخر يجاهد للتخلص من أصوله لسداد الديون، لا للتوسع. وتكفي الإشارة إلى أن قروض شركات الاستثمار انخفضت بنسبة تزيد على 20 في المئة منذ بداية العام الحالي، أي بنحو 545 مليون دينار.
وليس الحال بأفضل في قطاع العقار، إذ ترجح «موديز» ألّا تزيد البنوك انكشافاتها على هذا القطاع كثيراً، بما أنه يشكل مع قطاع الإنشاءات 26 في المئة من إجمالي القروض المصرفية.
4 - ضعف الائتمان
يشكل ضعف النمو الائتماني أوضح المؤشرات إلى قلّة الفرص المتاحة أمام البنوك للنمو في مجال عملها الرئيسي. فمحفظة التسهيلات الائتمانية نمت بنسبة 2 في المئة فقط خلال النصف الأول من العام، أي بنحو 513 مليون دينار فقط. وهذه النسبة تقل كثيراً عن توقعات «موديز» بأن يتراوح بين 5 و8 في المئة هذا العام.
وما يؤكد عمق المأزق أن 78 في المئة من نمو الائتمان خلال هذه الفترة تركّز في قطاع القروض للأفراد (ارتفعت 4.5 في المئة، أي أكثر من ضعف نسبة النمو العامة للسوق الائتماني)، التي تتحسّن فقط بفعل زيادات الرواتب في القطاع الحكومي فضلاً عن عوامل النمو السكاني، ولذلك ربما تكون قد استنفدت المجال المتاح لها للنمو لتبدأ بالتباطؤ قريباً.
أما القروض للشركات والقطاعات الإنتاجية، فإما أنها تنمو بنسب ضئيلة وإما أنها تنكمش. يقول أحد المصرفيين إن طلبات الإقراض من قبل الشركات تكاد تكون معدومة في الأشهر الأخيرة، وإذ وجدت فإنها لا تكون في الغالب إلا لإعادة تمويل دين قديم أو لإعادة هيكلة المطلوبات. أما تمويل العمليات التشغيلية فيكاد يكون محصوراً بالقليل من الاعتمادات لتنفيذ مشاريع البنية التحتية الحكومية.
5 - سراب «التنمية»... والنمو
كانت خطة التنمية الحكومية مربط التفاؤل للبنوك وشركات القطاع الخاص قبل عامين، لكن التفاؤل تبدد تماماً في ظل مؤشرات التنفيذ الهزيلة. فقد تغيرت لهجة التقارير الاقتصادية الصادرة عن الجهات البحثية العالمية، وباتت تميل نحو التشاؤم بإمكان انطلاق المشاريع.
وتقدر جهات اقتصادية ألا تكون نسبة الإنفاق على مشاريع خطة التنمية الحكومية في العامين الأولين (نصف مدة السنوات الأربع) قد تجاوزت 17 في المئة من القيمة المرصودة لها، والتي تزيد على 30 مليار دينار.
وقد أضاف إبطال مجلس الأمة، والاتجاه نحو انتخابات جديدة المزيد من الضبابية حول الوضع السياسي ومستقبل العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، مع ما لذلك من آثار سلبية على خطط الإنفاق الحكومي. ومن شأن ذلك أن يبدد أي أمل بالتدخل الحكومي في المدى المنظور لدعم السوق.
يلف القطاع المصرفي تشاؤم شديد إزاء نتائج النصف الأول من العام الحالي، وتصب معظم التوقعات في اتجاه تراجع الأرباح عما كانت عليه في الفترة المقارنة العام الماضي، نتيجة ما يصفه أحد المصرفيين بـ «الحائط التشغيلي المسدود».
أسوأ ما في الأمر أن التشاؤم المصرفي ليس ناجماً عن حالة عابرة، بل عن أزمة تبدو وكأنها باتت مستدامة، تطول البيئة التشغيلية، وأسعار الأصول، والتوقعات المستقبلية للنمو الاقتصادي، وحتى البيئة السياسية التي تعتمد عليها السياسة المالية والاقتصادية للدولة.
وقد أعلنت وكالة «موديز» أخيراً أنها تحتفظ بنظرتها السلبية لجودة الأصول في الجهاز المصرفي الكويتي، انعكاساً لمخاطر الائتمان الكامنة. وتوقع أن تبقى مستويات القروض غير المنتظمة قريبة مما كانت عليها في 2011، أي نحو 6 في المئة. لكن مصرفياً محلياً حذر من أن البنوك ربما تحتاج إلى تجنيب المزيد من المخصصات، لمواجهة تراجع أسعار الرهونات.
وإذا كانت أرباح البنوك في الربع الأول قد تراجعت 1.4 في المئة عن الفترة المقارنة من العام الماضي، فإن التوقعات تشير إلى تراجع أكبر في نتائج الربع الثاني، أقله في النتائج التشغيلية، ما لم تغطّ على ذلك بالأرباح غير المتكررة التي ستعلنها بعض البنوك نتيجة عمليات تخارج من بعض الاستثمارات.
وتبدو التوقعات المستقبلية أسوأ من أي وقت مضى سواء لدى المصرفيين المحليين
الواقع المرير للبنوك يلخصه مصرفيون ببضع حقائق:
1 - انخفاض السوق... وأسعار الأصول
شكلت إقفالات النصف الأول في سوق الكويت للأوراق المالية ضربة إضافية قاسية لمحافظ الشركات، ومحافظ الرهونات، والبنوك الراهنة. فخلال الربع الثاني تبددت كامل المكاسب التي حققها السوق في الربع الأول، وباتت حصيلة الأشهر الستة الأولى من العام سلبية.
وكان الشهران الماضيان (مايو ويونيو)، بشكل خاص، قاسيين على البورصة. فخلالهما تراجعت الأسعار كثيراً، وبدا ذلك على حركة المؤشرات. فمثلاً، أنهى المؤشر السعري النصف الأول بخسارة 703 نقاط مقارنة بأعلى مستوى له في 9 مايو الماضي، أي نحو 11 في المئة. وكذلك خسر المؤشر الوزني 5 في المئة تقريباً من أعلى مستوى سجله هذا العام في 21 مارس الماضي.
وبدلاً من أن تكون أسهم الشركات التشغيلية القيادية (Blue chips) الداعم للسوق، كانت هي الأخرى ضحية التراجع، بدليل الخسائر التي يسجلها مؤشر «كويت 15» لأفضل 15 سهماً في السوق، منذ أن أطلق في 13 مايو.
2 - عودة المخصصات
... وبما أن هذه الأسهم القيادية تشكل عماد الرهونات التي تقبلها البنوك من عملائها، فإن من المنطقي أن تضطر البنوك إلى تعزيز المخصصات لتغطية هذا الانخفاض، خصوصاً وأن أوضاع معظم العملاء لا تسمح بتعزيز برهوناتهم.
معلوم أن نمو أرباح البنوك ارتكز في العامين الماضين، بشكل رئيسي، على تراجع المخصصات مقابل القروض المتعثرة. وغطّى ذلك في كثير من الأحيان على ضعف النمو التشغيلي. والشاهد على ذلك أن أكثر البنوك نمواً في صافي الربح لم تكن إلا البنوك الأكثر تجنيباً للمخصصات في العامين الأولين من الأزمة.
لكن هذا الهامش الذي كان متاحاً للنمو تم استنفاده، إما بفعل الوصول إلى مستويات المخصصات المطلوبة لدى بعض البنوك، وإما بسبب اضطرار بنوك أخرى إلى العودة إلى تجنيب المزيد من المخصصات بفعل التراجعات الأخيرة لأسعار الأصول. وظهر ذلك من خلال ارتفاع منسوب المخصصات لدى عدد من البنوك خلال الربع الأول.
يشار إلى أن «موديز» تقدر الاحتياطات العامة لخسائر القروض لدى البنوك بأكثر من 90 في المئة، كما في نهاية 2011. لكنها تشير إلى أن احتياطات المخصصات المحددة لا تتجاوز 50 في المئة من إجمالي القروض المتعثرة في الجهاز المصرفي.
وبالطبع، فإن انخفاض قيمة الضمانات يحتّم على البنوك زيادة المخصصات المحددة.
3 - البيئة التشغيلية
ضغوط كهذه في سوق السهم تعني مزيداً من المشكلات في البيئة التشغيلية المتضررة أصلاً من سوق حال قطاعي شركات الاستثمار والعقار، اللذين كانا يشكلان دعامتين أساسيتين لنمو أعمال البنوك في الأعوام السابقة للأزمة المالية العالمية.
فشركات الاستثمار مازالت بعيدة عن التعافي، بل إن بعضها يبدو في حال ميؤوس منها، وبعضها الآخر يجاهد للتخلص من أصوله لسداد الديون، لا للتوسع. وتكفي الإشارة إلى أن قروض شركات الاستثمار انخفضت بنسبة تزيد على 20 في المئة منذ بداية العام الحالي، أي بنحو 545 مليون دينار.
وليس الحال بأفضل في قطاع العقار، إذ ترجح «موديز» ألّا تزيد البنوك انكشافاتها على هذا القطاع كثيراً، بما أنه يشكل مع قطاع الإنشاءات 26 في المئة من إجمالي القروض المصرفية.
4 - ضعف الائتمان
يشكل ضعف النمو الائتماني أوضح المؤشرات إلى قلّة الفرص المتاحة أمام البنوك للنمو في مجال عملها الرئيسي. فمحفظة التسهيلات الائتمانية نمت بنسبة 2 في المئة فقط خلال النصف الأول من العام، أي بنحو 513 مليون دينار فقط. وهذه النسبة تقل كثيراً عن توقعات «موديز» بأن يتراوح بين 5 و8 في المئة هذا العام.
وما يؤكد عمق المأزق أن 78 في المئة من نمو الائتمان خلال هذه الفترة تركّز في قطاع القروض للأفراد (ارتفعت 4.5 في المئة، أي أكثر من ضعف نسبة النمو العامة للسوق الائتماني)، التي تتحسّن فقط بفعل زيادات الرواتب في القطاع الحكومي فضلاً عن عوامل النمو السكاني، ولذلك ربما تكون قد استنفدت المجال المتاح لها للنمو لتبدأ بالتباطؤ قريباً.
أما القروض للشركات والقطاعات الإنتاجية، فإما أنها تنمو بنسب ضئيلة وإما أنها تنكمش. يقول أحد المصرفيين إن طلبات الإقراض من قبل الشركات تكاد تكون معدومة في الأشهر الأخيرة، وإذ وجدت فإنها لا تكون في الغالب إلا لإعادة تمويل دين قديم أو لإعادة هيكلة المطلوبات. أما تمويل العمليات التشغيلية فيكاد يكون محصوراً بالقليل من الاعتمادات لتنفيذ مشاريع البنية التحتية الحكومية.
5 - سراب «التنمية»... والنمو
كانت خطة التنمية الحكومية مربط التفاؤل للبنوك وشركات القطاع الخاص قبل عامين، لكن التفاؤل تبدد تماماً في ظل مؤشرات التنفيذ الهزيلة. فقد تغيرت لهجة التقارير الاقتصادية الصادرة عن الجهات البحثية العالمية، وباتت تميل نحو التشاؤم بإمكان انطلاق المشاريع.
وتقدر جهات اقتصادية ألا تكون نسبة الإنفاق على مشاريع خطة التنمية الحكومية في العامين الأولين (نصف مدة السنوات الأربع) قد تجاوزت 17 في المئة من القيمة المرصودة لها، والتي تزيد على 30 مليار دينار.
وقد أضاف إبطال مجلس الأمة، والاتجاه نحو انتخابات جديدة المزيد من الضبابية حول الوضع السياسي ومستقبل العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، مع ما لذلك من آثار سلبية على خطط الإنفاق الحكومي. ومن شأن ذلك أن يبدد أي أمل بالتدخل الحكومي في المدى المنظور لدعم السوق.