مجدي طلبة / «لو لم أكن مصرياً.....!»

تصغير
تكبير
| مجدي طلبة |
«لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً» - عبارة شهيرة أطلقها الزعيم الوطني الراحل مصطفى كامل منذ أكثر من مئة عام للدلالة على الوطنية والانتماء وحب الوطن وظل الشعب المصري يرددها لفترة من الزمن ثم توقف عن ترديدها على مدار العقود الماضية معتبراً إياها مدعاة للتهكم والسخرية في ظل تدهور الظروف والأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية في البلاد، حتى جاءت ثورة 25 يناير 2011 لتعيد للمصريين كرامتهم وانتماءهم وحبهم الشديد لوطنهم العزيز، وعادوا يرددون هذه العبارة الشهيرة من جديد بل وأضافوا عبارات جديدة تضاهيها في التعبير عن العشق للوطن مثل «ارفع رأسك فوق أنت مصري»، و«حمداً لله على سلامتك يا مصر» و«آسفين يا مصر تأخرنا عليك» إلى آخره من تلك العبارات الرنانة التي ستظل عالقة في أذهان المصريين لعقود طويلة.
بغض النظر عن كافة تجليات الفترة الانتقالية التي عاشتها مصر منذ تنحي حسني مبارك والغموض البشع الذي اكتنف الكثير من الأحداث والقرارات التي شهدتها البلاد خلال هذه المرحلة، والأخطاء التي ارتكبت من جميع الأطراف واللاعبين الرئيسيين على الساحة السياسية، والتضليل والتدليس الإعلامي و"النخباوي"، وحالة الاستقطاب السياسي الحاد، وبغض النظر عن الفائز في السباق الرئاسي، فإنه من حق الشعب المصري أن يفرح ويتباهى أمام كافة شعوب العالم بالانتخابات الرئاسية التاريخية في مجملها من حيث التنظيم والإشراف القضائي والنزاهة وترقب إعلان النتائج، وهذا يرجع إلى ستة أمور مهمة.
أولاً: لا جدال في أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة هي انتخابات تاريخية بكل المقاييس بالنظر إلى أنها أول انتخابات رئاسية نزيهة حرة بمعنى الكلمة ليس فقط في مصر ولكن في المنطقة العربية بأسرها حيث خلت تماماً وبشهادة المنظمات المحلية والإقليمية والدولية من أي تدخل من جانب سلطات الدولة للتأثير على العملية الانتخابية أو تزوير إرادة الشعب المصري.
ثانياً: قدم الناخبون المصريون في الداخل والخارج صورة في غاية الرقي والتحضر من خلال الاصطفاف في طوابير طويلة والانتظار لساعات وساعات أمام اللجان الانتخابية بغية الإدلاء بأصواتهم استشعاراً منهم بحساسية الوضع والمسؤولية الكبيرة تجاه وطنهم وفي الوقت ذاته ابتهاجاً وفرحاً بالفرصة التي أتيحت لهم ولأول مرة في حياتهم للمشاركة في اختيار رئيسهم بحرية تامة.
ثالثاً: التزمت قوات الشرطة ورجال القوات المسلحة بالحيادية التامة خلال العملية الانتخابية، بل وقدموا نموذجاً رائعاً أبهر شعوب العالم بأسره في كيفية حماية وضمان نزاهة كافة مراحل العملية الانتخابية ومنع وقوع أحداث عنف على الإطلاق، وكذا التعامل الراقي و«الرقيق» مع الناخبين وخصوصاً كبار السن.
رابعاً: على الرغم من كافة الأخطاء التي وقعت خلال الفترة الانتقالية، إلا أن التاريخ لن ينسى أبداً أن أول رئيس مدني يحكم مصر قد وصل للسلطة في ظل إدارة المجلس العسكري للقوات المسلحة لشؤون البلاد، بل وسيسجل التاريخ أيضاً أن الدكتور محمد مرسي الذي انتخب في ظل قيادة المجلس العسكري ينتمي أصلاً إلى جماعة الإخوان المسلمين التي ظلت "محظورة" منذ عام 1954.
خامساً: أثبتت مؤسسة القضاء المصري الشامخة جدارتها باحترام كل المصريين بمختلف أطيافهم، كما أدت اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات الرئاسية عملاً احترافياً ومهنياً أبهر القاصي والداني وضربت أروع الأمثلة في الصبر والتحمل والمثابرة وسط أجواء عاصفة ووضع ملتبس للغاية غير مكترثة بالصخب المحيط والاتهامات والشائعات من هنا وهناك، «مراهنة على كفاءة ونزاهة قضاة مصر، سدنة العدل»، وجاءت نتائج الانتخابات لتؤكد على مصداقية ونزاهة قضاة مصر و تدحض وتفند كل المزاعم التي تم ترويجها ضد قضاة اللجنة العليا.
سادساً: اكتمل هذا المشهد الرائع بقيام المرشح الذي لم يحالفه الحظ الفريق أحمد شفيق بتهنئة الدكتور محمد مرسي على فوزه بمنصب رئيس الجمهورية، ودعا إلى نسيان الخلافات لأنها لحظية متعلقة فقط بالمنافسة والانتخابات، بل وطلب من مؤيديه ومن كافة طوائف الشعب المصري الالتفاف حوله ومساعدته لقيادة الوطن. هذا المشهد الرائع لم نشهده من قبل في جميع الدول العربية بل كنا فقط نسمع عنه ونشاهده على شاشات التلفزيون عقب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وغيرها من الدول الأوربية الأخرى.
وختاماً فإن فرحة الشعب المصري باختياره، سواء من انتخب مرسي أو شفيق، هي فرحة مستحقة يعود الفضل فيها أولاً وأخيراً إلى شهداء ثورة 25 يناير، وعلى الجميع أن يعي أنه في كل الديموقراطيات الكبرى يلاحظ أن فوز أحد المرشحين على الآخر يكون بفارق ضئيل، وعلى الأقلية أن أن تحترم اختيار الأغلبية، و على الرئيس، أن يثبت قولاً وفعلاً أنه بحق رئيس لكل المصريين يعمل على تلبية رغبات كافة المواطنين دون تمييز أو تفرقة.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي