| زين الشامي |
أصبح جليا لغالبية من السوريين والعرب بعد سقوط نحو عشرين الف شخص برصاص ونيران قوات الأمن والجيش وعناصر الشبيحة الموالين للرئيس بشار الاسد، وبعد فشل كل الاجتماعات واللقاءات الديبلوماسية بين القوى الكبرى المتعلقة بالأزمة السورية لوضع حد لإراقة الدماء وللنظام المتمادي في القتل والوحشية ضد شعبه، اصبح واضحا ان السوريين سيبقون لوحدهم لفترة من الزمن قد تكون طويلة، بانتظار ان تحسم الامور على الارض اما لصالح الشعب الذي خرج هاتفا «الموت ولا المذلة» او للنظام الذي رفع شبيحته شعار «الاسد او نحرق البلد»... حقا لا يوجد في سورية اليوم سوى هذين الطريقين في ظل عالم وقوى كبرى عاجزة عن المساعدة في التوصل الى حل حاسم يوقف إراقة الدماء.
مع بدء موجة الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن، كان السوريون قد تأخروا قليلا وسط استغراب الكثير من المراقبين، ووقتها قال البعض انه من شبه المستحيل ان ينتفض السوريون على نظام شبه حديدي يراقب مواطنيه في غرف نومهم ويعد عليهم أنفاسهم، لكن ما هي الا اشهر قليلة حتى بدأت الهتافات تعلو هنا وهناك، في سوق الحميدية وسط دمشق ثم درعا فبانياس واللاذقية ثم إدلب وحمص وجسر الشغور وداريا ودوما وصولا الى غالبية المناطق والبلدات السورية، طبعا كان يترافق مع خروج السوريين السلمي الى الشوارع عمليات بطش وتنكيل رهيبة بحق المتظاهرين الذين قرروا رغم كل ذلك البطش والقتل ان يستمروا في خيارهم السلمي.
وما هو محزن ان الرئيس الاميركي باراك اوباما احتاج الى اكثر من خمسة اشهر ليطلب من الرئيس السوري التنحي رغم مقتل الآلاف من المنتفضين، ومنذ تلك اللحظات التي طالب بها أوباما الاسد بالتنحي، لم تقم الولايات المتحدة بخطوة جدية او حاسمة تساعد في التخلص من النظام السوري او تعجل في إسقاطه، وبدت روسيا تلعب دورا يفوق دور وقوة الولايات المتحدة، وبدت ايضا انها تتحكم في مجلس الأمن الدولي وتفرض رأيها وتقرر ما تريد في الشأن السوري، وسط ذهول كثير من المراقبين الذين عادوا واستذكروا كيف ان الولايات المتحدة قادت الحملة الدولية لوقف حرب الإبادة الصربية ضد البوسنيين في اوائل ومنتصف التسعينات ووقتها لم يكن من بد امام روسيا سوى القبول والإذعان لما يحصل على مقربة من حدودها وضد حليف اقرب اليها من بشار الاسد ونظامه بكثير.
قد يقول قائل ان الولايات المتحدة فرضت كثيرا من العقوبات الاقتصادية ضد النظام السوري ومسؤولين كبار فيه، نعم هذا صحيح، لكن علينا ان نعرف انه لا توجد علاقات اقتصادية ثنائية بين الولايات المتحدة وسورية ولا يفضل المسؤولون السوريون وضع أموالهم وارصدتهم في بنوك أميركية، لا بل تكاد تكون العلاقة بين البلدين شبه مقطوعة.
اما بالنسبة للدول الاوروبية وغير الاوروبية التي فرضت مثل تلك العقوبات، فيمكن القول انها لم تؤثر ولن تؤثر كثيرا على النظام الذي يوجد من الدول الحليفة والمجاورة ما يجعله يتجاوز تلك العقوبات ويلتف عليها، بدءا من الحكومة والسوق العراقية ومرورا بالمصارف اللبنانية وانتهاء بالتمويل الإيراني والتسليح الروسي. وعليه فإنه وان كان هناك متضرر من تلك العقوبات فهو الشعب السوري نفسه الذي كان يعتمد على بعض المنتجات الغربية التقنية والطبية ربما.
لقد كان لافتاً للنظر كما اسلفنا ان الرئيس الاميركي باراك أوباما احتاج اكثر من خمسة اشهر ليطلب من الرئيس بشار الاسد التنحي رغم قتله للآلاف من السوريين، وقد كان لافتاً اكثر تلك العبارات الديبلوماسية الأنيقة والمحسوبة جيدا للمسؤولين الأميركيين حين تناولهم للمسألة السورية وقضية الحرية في سورية، لقد كانوا يتحدثون عن التعقيد والخطر الاقليمي الذي يلقي بظلاله على التدخل لصالح المنتفضين بعكس ليبيا حيث كانت جميع الدول الغربية متحمسة لمساعدة الثائرين فيها ضد نظام القذافي، ثم من ناحية اخرى كانوا يتحدثون عن ضعف المعارضة السورية وعدم وحدتها وعن ضمانات يجب ان تعطى للأقليات وعن الفراغ الذي سينجم عن مرحلة ما بعد سقوط النظام السوري، وايضا كانوا يتحدثون عن قوة الجيش ودفاعاته الجوية وعن الديموغرافية السورية والحدود الاسرائيلية والاستقرار الاقليمي وغيرها الكثير من الحجج والذرائع في وقت كان فيه النظام يفتك بمعارضيه ويقتلهم بوحشية.
واليوم وعلى الرغم من ان المحتجين تخلوا عن سلميتهم والتفتوا لحمل السلاح لحماية انفسهم من قوات وشبيحة النظام ودباباته ومدفعيته ومروحياته، فإن الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية لم تفعل شيئا سوى التأكيد على ان نظــــام الاســــد «ســيــسقط عاجلا ام آجـــلا» او انـــها «مسألة وقت»...
حتى تركيا التي اسقط لها النظام السوري طائرة حربية لم تفعل شيئا سوى التلويح والتهديد والتحذير...
حلف الناتو أيضا، ورغم ان تركيا تعتبر عضوا أساسيا فيه، الا انه لم يفعل ولم يرد على ما حصل الا بالشجب والاستنكار والإدانة.
ومنذ صرخة «الموت ولا المذلة» وحتى مؤتمر جنيف للقوى الكبرى، ما زال الشعب السوري وحيدا لكنه مصمم على المضي الى نهاية الطريق رغم فداحة الثمن ورغم صمت وعجز الولايات المتحدة والعالم الغربي الذي لطالما تشدق وتغنى بدعمه لقضايا الحريات وثورات الربيع العربي.
لقد صدق من قال ان الولايات المتحدة غير مستعجلة للهرولة الى سورية طالما لا توجد فيها حقول نفط تُسِيل لعاب الادارة الاميركية والدول الغربية.