| منى فهد عبدالرزاق الوهيب |
إن صدى مجموعة القرارات المتتابعة التي يتلقاها الإنسان، هي من تشكل سلوكه اليومي، وإذا تأملنا دوافع ذلك السلوك، نجدها محصورة بين دافع المبادئ والقيم ودافع المصالح والحاجات، وقد يظن كثير من الناس أن هناك نوعاً من التعارض أو التضاد بين القيم التي نؤمن بها وبين المصالح التي نسعى إلى تحقيقها، ولهذا فإن الجمع بينها يحتاج إلى إدراك ووعي وجهد وصبر، لأن القلة القليلة من الناس تستطيع أن تنتبه لهذا الشيء، وتمتلك الإمكانات التي تمكنها من ممارسة الجمع بين القيم والمصالح.
إن المرء إذا أراد أن يحقق شيئاً من مصالحه الخاصة مع التمسك بالقيم والمبادئ التي يؤمن بها، فإنه يعمل جاهدا للجمع بين نقيضين، وقد يتخلى عن شيء من هذه أو تلك، مع مراعاة ما نظنه مصلحة قد لا يكون محدوداً بأي حدود، حتى لا نتجاوز حدود المباح والمشروع إلى المختلف فيه والمشبوه.
إن القيم المعنوية هي تلك المعاني والسلوكيات التي نقدّرها، وننظر إليها باحترام وإجلال، والمصالح هي كل ما يظن الإنسان أنه يحقق له نفعاً، أو يدفع عنه ضراً، سواء أكان النفع مادياً أو معنوياً، وحينما نتحدث عن القيم بمجموعها فنحن نقصد ونشير إلى القيم المتفق عليها عرفاً وشرعاً، والمصالح أحد الأمور الضرورية لعمارة الكون واستمرار الحياة، ولكن! يبقى أن ننظر لها بالمنظور الإيجابي، وتعريتها من وشاح السلبية، حتى تكون باعثا ودافعا يدفعنا للطموح والنشاط والنظام، لأن إن نظرنا للمصالح بالمنظار المذموم لشاعت الفوضى وانتشر الخمول وأصبحنا معدومين محرومين من الطموح.
قد تنتهك القيم في الواقع العملي مع زعم احترامها، وذلك بسبب شوائب الممارسة، أي عندما ترتكب خطأً وفيه ضرر لغيرك، أنت تكابر وتدّعي التزامك بتلك القيم، مثلما نرى من يدخن بين الجمع أو يقود مركبته برعونة فقد انتهك قيمة الاحترام في واقعه العملي مع تمسكه النظري بتلك القيمة، ويطالب الآخرين باحترامه واحترام حريته وهو أول من تعدى وانتهك ذاته وحريته بعدم احترامه للآخرين.
إن الالتزام بالقيم وتجانسها مع المصالح تشعرنا بالألفة والوحدة، وأننا نقف على أرضية واحدة، كما تشعرنا عند التعامل مع بعضنا بمقتضى القيم التي نؤمن بها بوحدة الاتجاه، وهذا يلبي كثير من الحاجات النفسية والاجتماعية، كذلك الالتزام بالقيم يجعلنا نشعر بأننا جزء من العالم، وأننا مواكبون لعصرنا على صعيد الاهتمامات والمعايير والآداب، كما يشعرنا أننا مساهمين ببناء وعمارة المجتمع.
الناس لا يستطيعون العيش مع بعضهم من غير قيم توجّه سلوكهم ومن غير شرائع ونظم تعاقب من يخرج عن الطريق الصحيح، وهذا دافع يدفعنا باستمرار إلى التماس ما هو مشترك من القيم وإلى العمل على تعزيزه، وحتى لا نقع بالحيرة والارتباك أثر العلاقة بين الخاص والعام والمبدأ والمصلحة فنسيء التفسير والفهم، علينا أن نعترف بمشروعية تعارض المصالح والمبادئ، فهذا من جملة ابتلاء الله تعالى- لنا في هذه الحياة، كذلك علينا أن نعترف بأن من حق كل إنسان أن يحدد بنفسه مصالحه، فهو أدرى بها ما لم يكن فيما يراه مخالفة صريحة لحكم شرعي أو نظام سارٍ أو عرف صالح.
twitter: @mona_alwohaib
m.alwohaib@gmail.com