12 عنصرا جامعا يؤكد سير دول الخليج في هذا الطريق وينفي أي حجة لمن ينتقد الاتحاد
الانتقال من «مجلس التعاون» إلى «الاتحاد الخليجي» ... تسلسل طبيعي ونتيجة حتمية ومطلب مصيري

وليد المنيس





| بقلم د. وليد عبدالله المنيس- جامعة الكويت |
عقب مرحلة «مجلس التعاون» التي نادى بها سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد رحمه الله في بداية الثمانينات وبعد ثلاثة عقود أصبح الانتقال الى مرحلة «الاتحاد الخليجي» التي نادى بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله أمراً حتمياً وضرورياً وتسلسلاً منطقياً غير مســـــتغرب بل ومطلوب.
لقد حقق مجلس التعاون كثيراً من الانسجام والتقارب بين دول المجلس وأبنائه وهذه طبيعة الاتحادات خطواتها ثابتة حتى اذا ما عبرت استقرت وان أخذت وقتاً طويلاً. لقد أثر هذا المجلس ايجابيا في العلاقات بين دوله وأزيلت أكثر المعوقات، وبات التقارب يفرض نفسه، وأصبح هو اللغة السائدة التي صار ينادي بها كل مواطن خليجي ويستشعرها ويفخر بها، فقد جمعت القلوب وترتبت الأدوار وانتظمت الحلقات في عقد متين بعون الله.
عناصر الاتحاد الخليجي:
ان عناصر الاتحاد الخليجي لا تحتاج الى فاحص دقيق أو متمرس مجرب لكي ينتقيها أو ينتزعها فهي موجودة يراها ويستشعرها العامي والمثقف والمتخصص والصغير والكبير، وسنتقصى أبرزها على ما يأتي:
1 - وحدة اللغة والدين:
وهو أرحب وعاء، وأقوى رابط بين دول الخليج بحمد الله، فرابطة الدين واللغة كانت ولا تزال من أقوى روابط حضارة هذه المنطقة، فالدين الاسلامي واللغة العربية تربطان دول المجلس، فلا تجد فروقا في اللغة الرسمية أو المستعملة بين أفراد المجلس، ويتجلى ذلك في أن دول المجلس بحمد الله تحتضن مكة المكرمة قبلة المسلمين وملتقى الأمة الاسلامية. ولو قارنا ذلك مع كثير من الاتحادات القائمة كاتحادات شرق آسيا، أو الاتحاد الأوروبي الذي يضم تباينا لغويا ودينيا، فضلا عن تاريخها السياسي المتضارب الذي نتجت عنه حروب ونزاعات قريبة العهد.
2 - وحدة المكان:
ان الامتداد الاقليمي المكاني لدول المجلس من الكويت الى عمان، وغربا في عمق السعودية يضم اقليما ضخما تصل مساحته الى حوالي 2.5 مليون كم مربع، وهو بحجم قارة مصغرة، وبمثابة وحدة مكانية جغرافية متصلة.
ان دول المجلس اذا جمعت مساحاتها بين أصغر دولة وأكبر دولة لأعطتنا هذه المساحة الشاسعة القادرة على استيعاب النشاط الاقتصادي والحراك الحضري والسياسي المتعلق به، كما ان الامتداد الشرقي لهذا الاقليم من الكويت الى عمان يصل الى مسافة 1500كم تقريبا يقطعها المسافر ولا يستشعر فروقا كبيرة، تعرف بالرَّف القاري فلا يقطعها تضاريس وعرة أو أودية سحيقة أو جبال متضرسة، يشاهد ذلك ويستشعر فيما لو قارنا ذلك بالاتحاد الأوروبي الذي تقطعه جبال الألب وأودية الأنهار وجبال الجليد والمسافات الطويلة غير المنسجمة، فلك أن تتصور مثلا العلاقة بين الدول الاسكندنافية في الشمال وأقصى الجنوب الايطالي، أو فرنسا في الغرب من جهـــــة ودول شـــــرق أوروبا من جهة أخــــرى، والــــدول المنغـــــلقة بالجبال كســـــويسرا والمنفتحة كالجزر البريطانية.
3 - التماثل الاقتصادي:
تتقارب دول المجلس الى حد التطابق في البنية الاقتصادية فهي في غالبها دول تعتمد على تصدير النفط والاستفادة من العوائد في أحداث التنمية المطلوبة. ويتخلل ذلك تنوع في الصناعة الخفيفة والمتوسطة الرديفة التي تحرك التنمية الداخلية والبيئية. وقد تتكرر بعض الأنشطة فتجد أحياناً اقتصاداً نمطيا يظهر المنطقة كوحدة واحدة، ويظهر كذلك تباين لا يخرج عن مجمل الانسجام الاقتصادي فبعضها يتبنى سياسة الباب المفتوح وجعل البلد وعاءً للحراك الاقتصادي التنافسي وبعضها يقدم مشاريع التنمية الخمسية المعتادة مع اقتصاد مستقر متطلع وبعضها يتبع سياسة مرحلية، ويصل الدخل القومي الداخلي لدول المجلس الى 1.4 ترليون دولار، وينتج عنه أن 55 في المئة من الحراك الاقتصادي في دول العالم العربي كله تغطيه دول المجلس.
4 - تماثل الأنظمة السياسية:
الأنظمة السياسية التي على سدة الحكم في دول المجلس متقاربة في ادارتها السياسية في الجوهر وتتباين أحيانا في التطبيق وفي أولويات ولا تختلف إلاّ في بعض الرؤى التي يرى البعض ضرورة التوسع بها في مقابل من يدعو الى التأني بها كل بحسب ظروفه المحلية. فهذه دول حكمها وراثي في أسر مالكة عريقة تتوارث الحكم بانسياب وانسجام وتتشاطر ادارة البلاد مع رعاياها بلغة مباشرة وانفتاح عام وكل دولة لها قناعاتها الخاصة في التواصل مع شعوبها، مثلما تتباين الرؤى في أولويات التنمية.
5 - وجود تجربة اتحاد ناجحة:
ولعل من أبرز ما يمكن أن يثبت أن هذا الاتحاد سيلاقي النجاح (باذن الله) أن أمامه تجربة ناجحة بكل المقاييس وهي تجربة دولة الامارات العربية المتحدة التي تضم سبع امارات متحدة فيما بينها اتحاداً كلياً تحت علم واحد مع احترام خصوصية كل امارة في قوانينها ولوائحها الداخلية وهذا يرد على كل من يزعم أن تجربة الاتحاد بين دول مجلس التعاون أمامها معوقات أو شيء من هذا القبيل والحمدلله.
6 - وحدة الأعراق والقرابات:
يضم الاتحاد الخليجي أعراقاً منسجمة وقرابات قوية متصلة، فالمنطقة كانت ولا تزال مهداً لقبائل وأسر عربية استوطنت هذا المكان منذ القدم.
ان هذا الأمر مشاهد ومحسوس في الانسجام العرقي والتقارب الأسري فتجد أن الأسماء سواء أسماء الأفراد أو الأسر تتكرر هنا وهناك حتى أنه يصعب التمييز الى أي دولة خليجية تنتمي اذا لم يفصح صاحبها عن دولته، هذا في مقابل مثلاً كثير من الاتحادات كالاتحاد الأوروبي الذي يضم أجناساً وأعراقاً ولغاتا متباينة أشد التباين فلك أن تتصور كيف يستشعر الفرنسي اللاتيني بقراباته مع العناصر الأنغلوساكسونية، أو الأعراق المجرية أو الجرمانية.
7 - العادات والتقاليد:
تتقارب العادات والتقاليد في هذا الاقليم الى حد التماثل التام بدءا من الزي الوطني وانتهاء بالعادات الموروثة التي هي من خصائص المجتمعات، وهي أقرب وألصق من مجرد العرف العام. لهذا فان هذا الجانب يعد من أقوى دواعي الانسجام في الظاهر والباطن ان صحت العبارة باعتبار أن العادات والتقاليد غالباً ما تكون خاصة جداً ولا يعرفها الا أهلها ولا يعرفها الا المجتمع الواحد.
8 - التماثل الديموغرافي:
تتماثل دول المجلس في تركيبها الديموغرافي ونقصد بذلك النمو السكاني، والخصوبة وسنوات التضاعف، وحجم السكان، وشرائح السكان العمرية، فالنمو السكاني في هذه الدول في مجملها يتراوح بين 3 - 3.5 في المئة سنويا، كما أن الخصوبة وحجم الأسرة متقاربان فحجم الأسرة يزيد على الخمسة أفراد مما يدل على خصوبة المجتمع، وسنوات التضاعف تتراوح بين 19-22 سنة أي أن المجتمع الخليجي يتضاعف كل 20 سنة تقريبا، وهو نمو سريع وحيوي يدل على فتوة المجتمع الخليجي، اما شرائح السكان العمرية فمجتمع دول المجلس مجتمع شاب نسبة من عمرهم أقل من 20 سنة يصل الى 60 في المئة من السكان فهي مجتمعات شابة ذات هرم سكاني طبيعي عريض القاعدة يدل على تجدد الاجيال مقارنة بالمجتمعات الكبيرة السن كالمجتمع الاوروبي والمجتمع الياباني حيث تصل نسبة كبار السن الى ثلث السكان مما جعل اهرامها السكانية مقلوبة وذات قاعدة غير عريضة ومجتمعاتهما معمرة. كما أن معدلات المواليد مرتفعة في دول المجلس بين 30-36 في الألف كما تتقارب في متوسط امد الحياة الى أكثر من 72 سنة وتصل الى 75 سنة فهو باختصار اقليم يتماثل ديموغرافيا وهو من أقوى عناصر البناء اذ ان الموارد المعدنية ناضبة بعكس الموارد البـــــشرية فــــهي متــــجددة وهي المورد النفيس.
9 - التماثل في نسبة التحضر:
تتقارب دول مجلس في نسبة التحضر ونعني بها نسبة سكان المدن بالمقارنة مع أهل الريف والبادية اذ يغلب الطابع الحضري على دول المجلس حيث تتفوق نسبة سكان المدن والحواضر على الريف والبادية مما يدل على نزعة المجتمع الخليجي عموما نحو التحضر وتصل نسبة التحضر في دول المجلس ما بين 60 في المئة الى 96 في المئة، مما يجعل أفراد وجماعات هذا الاقليم تتقبل الانسجام الحضري ولا تأباه.
كما تتقارب هذه الدول في حجم السكان عموما فهي مجتمعات صغيرة ومتوسطة الحجم عموما لكنها في مجملها تعطى كتلة بشرية تصل الى حوالي 40 مليون نسمة ويتراوح حجم السكان بين مليون لأصغرها و27 مليونا لأكبرها وهي السعودية مما يعطي عمقا بشريا تنمويا وسياسيا وحــــجماً ســـــكانياً محفــــزاً على العمل والانتاج.
10 - التماثل في مستوى التعليم والتطلع الثقافي:
كذلك تتقارب دول مجلس في مستوى التعليم والدرجات العلمية المرحلية الى حد كبير. ويتقارب الفارق الآن مع تبني دول المجلس انشاء الجامعات الحكومية والخاصة والتعليم العام المستمر مما رفع معدل التعليم الى حوالى 65 في المئة من السكان مع وجود الفروق المحلية لكل دولة فوق ذلك بكثير التى تصل الى 95 في المئة، كما انها تستشرف المستقبل بتنوع علمي ثقافي يستفيد من الحضارات ان المجتمع المتعلم بلا شك أقدر على فهم الانسجام والاتحاد و التنمية واحداث التطور من غيره.
11 - التقارب في الدخول والمقاييس العصرية:
يتقارب سكان هذا المجلس في مداخيلهم، ولهذا فان مجمل المداخيل في هذا الاقليم لا تحمل المعاني التي تشاهد في الاتحاد الأوروبي من جهة اعتماد بعض الدول على غيرها نظراً لتباين الدخل بين دوله، فدول المجلس يصل معدل الدخل فيها من 10-22 الف دولار بصفة عامة. كما يتقارب ابناؤه في المقاييس العصرية مثل طبيب لكل مريض، مدرس لكل طالب، وعدد المدارس، ومعدل السيارات بالنسبة للأفراد، ونمط الاسكان، والخدمات الاسكانية. ان هذه الخدمات العصرية تجعل طابع السكان متقارباً في الاستفادة منها وترفع من مستوى الصحة العامة والتعليم العام ولا تعمل فجوات بين مجتمع وآخر، فالكل يعرف هذه الخدمة او تلك وينسجم معها وبالتالي يؤثر على حجم ابداعه وانتاجه والمعنى أن هذا التقارب يجعل قبول التنمية والاتحاد عاليا ومسلما به نظرا لتقارب القدرات والأولويات.
12 - التشابه المناخي:
تتشابه دول هذا المجلس في الطقس والمناخ بحيث لا يشعر المار في هذا الاقليم بفروقات كبيرة ملحوظة في المناخ بين دولة وأخرى فيبلغ متوسط الحرارة في الصيف +45 درجة وتنخفض في الشتاء الى 15 درجة وقد تزيد أو تنقص عن ذلك أحيانا، مع تباين فى الرطوبة لكنها في المجمل وحدة مناخية أقليمية متماثلة. ان هذه الوحدة المناخية تجعل الطابع المعيشي في كل الاقليم منسجاً ومعتاداً ويجعل طابع النشاط البشري متأقلماً معه ويساعد على ابتكار ما يناسب هذا المناخ سواء في المظهر العام العمراني أو سمات التنمية العامة.
الخلاصة:
ان هذه العناصر وغيرها من العناصر المستجدة مما هو آت بعون الله كالغاء التأشيرات ووحدة العملة ووحدة التشريعات والقوانين، ووحدة الاسابيع الثقافية والتراثية كلها تزيد وتضاعف من قوة وتماسك هذا الاقليم.
لقد ظهرت أواصر هذا الانسجام في حل كثير من مشاكل دول المجلس سواء مع العالم أو في ما بين اعضائه مما قد يطرأ وهو أمر طبيعي يدل على حيوية واستمرار العطاء.
ولا حجة معتبرة لمن ينقد الدعوة لهذا الاتحاد فان الدول كانت ولا تزال تنشد الاتحاد والاجتماع حتى لو كان في الظاهر لأن فيه قوة ومنعة ولدوام بقائها. ان المتأمل للاتحاد الأوروبي رغم شدة التناقض والبعد عن الانسجام بين أعضائه في اللغة والدين والتاريخ والاعراق والعادات والأولويات والسياسات وخطط التنمية الى غير ذلك، ورغم ذلك كله اصبح للاتحاد وجود وحضور قوي في السياسة والاقتصاد العالمي رغم ترنحه واضطرابه.
كما أنه لا حجة لمن يعترض على طبيعة العلاقة بين السكان والنظم السياسية وطرق الحوار البيني، فان هذا من أيسر الأمور علاجا بعد انفتاح النظم السياسية على سكانها سواء في المجالس أو الصحافة او اللقاءات المباشرة، ولا يمكن الحكم على نمط العلاقة في دولة لتكون نموذجا للبقية، اذ ليس كل ما يصلح لمجتمع بالضرورة أن يكون صالحا لمجتمع آخر.
كما أنه لا يعني أيضا أن لغة الحوار لا تتم الا بهذه الطريقة دون غيرها فلكل مجتمع طرقة واساليبه ولا يمنع ذلك من الانسجام العام ثم ان مجتمعات الخليج معروفة منذ القدم بانفتاحها أمام حكامها كما هي عادات مجتمع الجزيرة العربية.
عقب مرحلة «مجلس التعاون» التي نادى بها سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد رحمه الله في بداية الثمانينات وبعد ثلاثة عقود أصبح الانتقال الى مرحلة «الاتحاد الخليجي» التي نادى بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله أمراً حتمياً وضرورياً وتسلسلاً منطقياً غير مســـــتغرب بل ومطلوب.
لقد حقق مجلس التعاون كثيراً من الانسجام والتقارب بين دول المجلس وأبنائه وهذه طبيعة الاتحادات خطواتها ثابتة حتى اذا ما عبرت استقرت وان أخذت وقتاً طويلاً. لقد أثر هذا المجلس ايجابيا في العلاقات بين دوله وأزيلت أكثر المعوقات، وبات التقارب يفرض نفسه، وأصبح هو اللغة السائدة التي صار ينادي بها كل مواطن خليجي ويستشعرها ويفخر بها، فقد جمعت القلوب وترتبت الأدوار وانتظمت الحلقات في عقد متين بعون الله.
عناصر الاتحاد الخليجي:
ان عناصر الاتحاد الخليجي لا تحتاج الى فاحص دقيق أو متمرس مجرب لكي ينتقيها أو ينتزعها فهي موجودة يراها ويستشعرها العامي والمثقف والمتخصص والصغير والكبير، وسنتقصى أبرزها على ما يأتي:
1 - وحدة اللغة والدين:
وهو أرحب وعاء، وأقوى رابط بين دول الخليج بحمد الله، فرابطة الدين واللغة كانت ولا تزال من أقوى روابط حضارة هذه المنطقة، فالدين الاسلامي واللغة العربية تربطان دول المجلس، فلا تجد فروقا في اللغة الرسمية أو المستعملة بين أفراد المجلس، ويتجلى ذلك في أن دول المجلس بحمد الله تحتضن مكة المكرمة قبلة المسلمين وملتقى الأمة الاسلامية. ولو قارنا ذلك مع كثير من الاتحادات القائمة كاتحادات شرق آسيا، أو الاتحاد الأوروبي الذي يضم تباينا لغويا ودينيا، فضلا عن تاريخها السياسي المتضارب الذي نتجت عنه حروب ونزاعات قريبة العهد.
2 - وحدة المكان:
ان الامتداد الاقليمي المكاني لدول المجلس من الكويت الى عمان، وغربا في عمق السعودية يضم اقليما ضخما تصل مساحته الى حوالي 2.5 مليون كم مربع، وهو بحجم قارة مصغرة، وبمثابة وحدة مكانية جغرافية متصلة.
ان دول المجلس اذا جمعت مساحاتها بين أصغر دولة وأكبر دولة لأعطتنا هذه المساحة الشاسعة القادرة على استيعاب النشاط الاقتصادي والحراك الحضري والسياسي المتعلق به، كما ان الامتداد الشرقي لهذا الاقليم من الكويت الى عمان يصل الى مسافة 1500كم تقريبا يقطعها المسافر ولا يستشعر فروقا كبيرة، تعرف بالرَّف القاري فلا يقطعها تضاريس وعرة أو أودية سحيقة أو جبال متضرسة، يشاهد ذلك ويستشعر فيما لو قارنا ذلك بالاتحاد الأوروبي الذي تقطعه جبال الألب وأودية الأنهار وجبال الجليد والمسافات الطويلة غير المنسجمة، فلك أن تتصور مثلا العلاقة بين الدول الاسكندنافية في الشمال وأقصى الجنوب الايطالي، أو فرنسا في الغرب من جهـــــة ودول شـــــرق أوروبا من جهة أخــــرى، والــــدول المنغـــــلقة بالجبال كســـــويسرا والمنفتحة كالجزر البريطانية.
3 - التماثل الاقتصادي:
تتقارب دول المجلس الى حد التطابق في البنية الاقتصادية فهي في غالبها دول تعتمد على تصدير النفط والاستفادة من العوائد في أحداث التنمية المطلوبة. ويتخلل ذلك تنوع في الصناعة الخفيفة والمتوسطة الرديفة التي تحرك التنمية الداخلية والبيئية. وقد تتكرر بعض الأنشطة فتجد أحياناً اقتصاداً نمطيا يظهر المنطقة كوحدة واحدة، ويظهر كذلك تباين لا يخرج عن مجمل الانسجام الاقتصادي فبعضها يتبنى سياسة الباب المفتوح وجعل البلد وعاءً للحراك الاقتصادي التنافسي وبعضها يقدم مشاريع التنمية الخمسية المعتادة مع اقتصاد مستقر متطلع وبعضها يتبع سياسة مرحلية، ويصل الدخل القومي الداخلي لدول المجلس الى 1.4 ترليون دولار، وينتج عنه أن 55 في المئة من الحراك الاقتصادي في دول العالم العربي كله تغطيه دول المجلس.
4 - تماثل الأنظمة السياسية:
الأنظمة السياسية التي على سدة الحكم في دول المجلس متقاربة في ادارتها السياسية في الجوهر وتتباين أحيانا في التطبيق وفي أولويات ولا تختلف إلاّ في بعض الرؤى التي يرى البعض ضرورة التوسع بها في مقابل من يدعو الى التأني بها كل بحسب ظروفه المحلية. فهذه دول حكمها وراثي في أسر مالكة عريقة تتوارث الحكم بانسياب وانسجام وتتشاطر ادارة البلاد مع رعاياها بلغة مباشرة وانفتاح عام وكل دولة لها قناعاتها الخاصة في التواصل مع شعوبها، مثلما تتباين الرؤى في أولويات التنمية.
5 - وجود تجربة اتحاد ناجحة:
ولعل من أبرز ما يمكن أن يثبت أن هذا الاتحاد سيلاقي النجاح (باذن الله) أن أمامه تجربة ناجحة بكل المقاييس وهي تجربة دولة الامارات العربية المتحدة التي تضم سبع امارات متحدة فيما بينها اتحاداً كلياً تحت علم واحد مع احترام خصوصية كل امارة في قوانينها ولوائحها الداخلية وهذا يرد على كل من يزعم أن تجربة الاتحاد بين دول مجلس التعاون أمامها معوقات أو شيء من هذا القبيل والحمدلله.
6 - وحدة الأعراق والقرابات:
يضم الاتحاد الخليجي أعراقاً منسجمة وقرابات قوية متصلة، فالمنطقة كانت ولا تزال مهداً لقبائل وأسر عربية استوطنت هذا المكان منذ القدم.
ان هذا الأمر مشاهد ومحسوس في الانسجام العرقي والتقارب الأسري فتجد أن الأسماء سواء أسماء الأفراد أو الأسر تتكرر هنا وهناك حتى أنه يصعب التمييز الى أي دولة خليجية تنتمي اذا لم يفصح صاحبها عن دولته، هذا في مقابل مثلاً كثير من الاتحادات كالاتحاد الأوروبي الذي يضم أجناساً وأعراقاً ولغاتا متباينة أشد التباين فلك أن تتصور كيف يستشعر الفرنسي اللاتيني بقراباته مع العناصر الأنغلوساكسونية، أو الأعراق المجرية أو الجرمانية.
7 - العادات والتقاليد:
تتقارب العادات والتقاليد في هذا الاقليم الى حد التماثل التام بدءا من الزي الوطني وانتهاء بالعادات الموروثة التي هي من خصائص المجتمعات، وهي أقرب وألصق من مجرد العرف العام. لهذا فان هذا الجانب يعد من أقوى دواعي الانسجام في الظاهر والباطن ان صحت العبارة باعتبار أن العادات والتقاليد غالباً ما تكون خاصة جداً ولا يعرفها الا أهلها ولا يعرفها الا المجتمع الواحد.
8 - التماثل الديموغرافي:
تتماثل دول المجلس في تركيبها الديموغرافي ونقصد بذلك النمو السكاني، والخصوبة وسنوات التضاعف، وحجم السكان، وشرائح السكان العمرية، فالنمو السكاني في هذه الدول في مجملها يتراوح بين 3 - 3.5 في المئة سنويا، كما أن الخصوبة وحجم الأسرة متقاربان فحجم الأسرة يزيد على الخمسة أفراد مما يدل على خصوبة المجتمع، وسنوات التضاعف تتراوح بين 19-22 سنة أي أن المجتمع الخليجي يتضاعف كل 20 سنة تقريبا، وهو نمو سريع وحيوي يدل على فتوة المجتمع الخليجي، اما شرائح السكان العمرية فمجتمع دول المجلس مجتمع شاب نسبة من عمرهم أقل من 20 سنة يصل الى 60 في المئة من السكان فهي مجتمعات شابة ذات هرم سكاني طبيعي عريض القاعدة يدل على تجدد الاجيال مقارنة بالمجتمعات الكبيرة السن كالمجتمع الاوروبي والمجتمع الياباني حيث تصل نسبة كبار السن الى ثلث السكان مما جعل اهرامها السكانية مقلوبة وذات قاعدة غير عريضة ومجتمعاتهما معمرة. كما أن معدلات المواليد مرتفعة في دول المجلس بين 30-36 في الألف كما تتقارب في متوسط امد الحياة الى أكثر من 72 سنة وتصل الى 75 سنة فهو باختصار اقليم يتماثل ديموغرافيا وهو من أقوى عناصر البناء اذ ان الموارد المعدنية ناضبة بعكس الموارد البـــــشرية فــــهي متــــجددة وهي المورد النفيس.
9 - التماثل في نسبة التحضر:
تتقارب دول مجلس في نسبة التحضر ونعني بها نسبة سكان المدن بالمقارنة مع أهل الريف والبادية اذ يغلب الطابع الحضري على دول المجلس حيث تتفوق نسبة سكان المدن والحواضر على الريف والبادية مما يدل على نزعة المجتمع الخليجي عموما نحو التحضر وتصل نسبة التحضر في دول المجلس ما بين 60 في المئة الى 96 في المئة، مما يجعل أفراد وجماعات هذا الاقليم تتقبل الانسجام الحضري ولا تأباه.
كما تتقارب هذه الدول في حجم السكان عموما فهي مجتمعات صغيرة ومتوسطة الحجم عموما لكنها في مجملها تعطى كتلة بشرية تصل الى حوالي 40 مليون نسمة ويتراوح حجم السكان بين مليون لأصغرها و27 مليونا لأكبرها وهي السعودية مما يعطي عمقا بشريا تنمويا وسياسيا وحــــجماً ســـــكانياً محفــــزاً على العمل والانتاج.
10 - التماثل في مستوى التعليم والتطلع الثقافي:
كذلك تتقارب دول مجلس في مستوى التعليم والدرجات العلمية المرحلية الى حد كبير. ويتقارب الفارق الآن مع تبني دول المجلس انشاء الجامعات الحكومية والخاصة والتعليم العام المستمر مما رفع معدل التعليم الى حوالى 65 في المئة من السكان مع وجود الفروق المحلية لكل دولة فوق ذلك بكثير التى تصل الى 95 في المئة، كما انها تستشرف المستقبل بتنوع علمي ثقافي يستفيد من الحضارات ان المجتمع المتعلم بلا شك أقدر على فهم الانسجام والاتحاد و التنمية واحداث التطور من غيره.
11 - التقارب في الدخول والمقاييس العصرية:
يتقارب سكان هذا المجلس في مداخيلهم، ولهذا فان مجمل المداخيل في هذا الاقليم لا تحمل المعاني التي تشاهد في الاتحاد الأوروبي من جهة اعتماد بعض الدول على غيرها نظراً لتباين الدخل بين دوله، فدول المجلس يصل معدل الدخل فيها من 10-22 الف دولار بصفة عامة. كما يتقارب ابناؤه في المقاييس العصرية مثل طبيب لكل مريض، مدرس لكل طالب، وعدد المدارس، ومعدل السيارات بالنسبة للأفراد، ونمط الاسكان، والخدمات الاسكانية. ان هذه الخدمات العصرية تجعل طابع السكان متقارباً في الاستفادة منها وترفع من مستوى الصحة العامة والتعليم العام ولا تعمل فجوات بين مجتمع وآخر، فالكل يعرف هذه الخدمة او تلك وينسجم معها وبالتالي يؤثر على حجم ابداعه وانتاجه والمعنى أن هذا التقارب يجعل قبول التنمية والاتحاد عاليا ومسلما به نظرا لتقارب القدرات والأولويات.
12 - التشابه المناخي:
تتشابه دول هذا المجلس في الطقس والمناخ بحيث لا يشعر المار في هذا الاقليم بفروقات كبيرة ملحوظة في المناخ بين دولة وأخرى فيبلغ متوسط الحرارة في الصيف +45 درجة وتنخفض في الشتاء الى 15 درجة وقد تزيد أو تنقص عن ذلك أحيانا، مع تباين فى الرطوبة لكنها في المجمل وحدة مناخية أقليمية متماثلة. ان هذه الوحدة المناخية تجعل الطابع المعيشي في كل الاقليم منسجاً ومعتاداً ويجعل طابع النشاط البشري متأقلماً معه ويساعد على ابتكار ما يناسب هذا المناخ سواء في المظهر العام العمراني أو سمات التنمية العامة.
الخلاصة:
ان هذه العناصر وغيرها من العناصر المستجدة مما هو آت بعون الله كالغاء التأشيرات ووحدة العملة ووحدة التشريعات والقوانين، ووحدة الاسابيع الثقافية والتراثية كلها تزيد وتضاعف من قوة وتماسك هذا الاقليم.
لقد ظهرت أواصر هذا الانسجام في حل كثير من مشاكل دول المجلس سواء مع العالم أو في ما بين اعضائه مما قد يطرأ وهو أمر طبيعي يدل على حيوية واستمرار العطاء.
ولا حجة معتبرة لمن ينقد الدعوة لهذا الاتحاد فان الدول كانت ولا تزال تنشد الاتحاد والاجتماع حتى لو كان في الظاهر لأن فيه قوة ومنعة ولدوام بقائها. ان المتأمل للاتحاد الأوروبي رغم شدة التناقض والبعد عن الانسجام بين أعضائه في اللغة والدين والتاريخ والاعراق والعادات والأولويات والسياسات وخطط التنمية الى غير ذلك، ورغم ذلك كله اصبح للاتحاد وجود وحضور قوي في السياسة والاقتصاد العالمي رغم ترنحه واضطرابه.
كما أنه لا حجة لمن يعترض على طبيعة العلاقة بين السكان والنظم السياسية وطرق الحوار البيني، فان هذا من أيسر الأمور علاجا بعد انفتاح النظم السياسية على سكانها سواء في المجالس أو الصحافة او اللقاءات المباشرة، ولا يمكن الحكم على نمط العلاقة في دولة لتكون نموذجا للبقية، اذ ليس كل ما يصلح لمجتمع بالضرورة أن يكون صالحا لمجتمع آخر.
كما أنه لا يعني أيضا أن لغة الحوار لا تتم الا بهذه الطريقة دون غيرها فلكل مجتمع طرقة واساليبه ولا يمنع ذلك من الانسجام العام ثم ان مجتمعات الخليج معروفة منذ القدم بانفتاحها أمام حكامها كما هي عادات مجتمع الجزيرة العربية.