«ماراثون» الأيام

تصغير
تكبير
|بقلم: فاطمة إحسان|

 «الأيام تركض» عبارة اعتدت سماعها من والدتي، وكنت أضحك في سرّي وأنا أتخيل الأيام تجري في مضمار سباق منتعلة أحذية رياضية.

لم أكن أتصور أنه سيأتي اليوم الذي تتبدل فيه هذه الصورة الطريفة في ذهني لتأخذ شكل الأحداث و الأشخاص والأماكن التي مررت بها، لأشعر كأنها لم تكن، حيث مرت بي راكضة، وحين أفقت من دوار التعب وجدتها وقد أدارت لي ظهرها إلى غير رجعة!

في نهاية كل فصلٍ دراسي يتمنى معظمنا لو أن فترة الامتحانات النهائية كانت محذوفة من سلسلة الزمن، لو أننا نستيقظ ذات صباح لنجد الدرجات التي انتظرناها بصبر معلقة على باب مكتب أستاذ المقرر دون أن نضطر لمفاوضته فيها، لكنه حلم لا يتحقق بمجرد التمني، وسواء استغللنا هذه المدة القصيرة التي يُحسم فيها موضوع حصولنا على ما يوازي ما بذلناه من جهد طول الأشهر السابقة، أو حصولنا على ما هو أقل من ذلك بكثير، إن نحن فرطنا في هذه الفرصة، فالقدر سيأخذ مجراه بناءً على ما اخترناه بإرادتنا بعد إرادة الله عز وجل.

لأن منطق الزمن عادل، ويجري بالقدر ذاته على الجميع، نجد أنفسنا نختلف في تقديره، فبعضنا يشكو من ثقل الوقت وبعضنا الآخر يشكو من سرعة مروره، بالرغم من أنه العدد نفسه من الساعات والأيام. لهذا السبب أيضاً يعيش بعضنا مواكباً لكل جديد، يجد آخرون صعوبة في مجاراة التطور الحضاري لعدم شعورهم بالانتماء لهذه الحقبة الزمنية بقدر ما يشعر بالانتماء لفترةٍ سابقة، ولهذا أيضاً يتحرر البعض من ماضيه بسهولة، ويظل البعض الآخر سجين ذكريات ماضيه، لأنه لم يستطع تقبل فكرة النهاية حتى يضع لنفسه بداية جديدة.

في الفصل الدراسي الأخير لي بالجامعة تغيرت زاويتي في النظرإلى حياتي الدراسية، فحينما أدركت أن كل شيءٍ أمر به للمرات الأخيرة هو عابرٌ ومحدود، مهما كان جميلاً أو قبيحاً حتى صرت أسعى لاستثماره بشكل أفضل، فصارت المقررات الدراسية تُضيف إلى معرفتي الشخصية أكثر مما تضيف إلى كم الكلمات التي سأفرغها على ورقة الامتحان، اكتشفت أبعاداً جديدة لعلاقاتٍ إنسانية أكثر صدقاً، وخيبات أمل أقل ألماً، عرفتُ أشياء استهوتني لمجرد أنها ستكون المرة الأولى والأخيرة التي أجربها فيها، وصار لكل التفاصيل الصغيرة التي لم تلفت انتباهي على مدى سنوات معانٍ كبيرة، أما الوقت فقد ظل يجري، وما زال لا يكفي لإتمام كل شيء كما أحب، إلا أنني صرت أجري معه بشغفٍ إلى الغد القادم لا محالة رغبةً في صُنعه منذ اليوم.

كلنا ندرك في لحظةٍ ما أنه كلما كان الوقتُ مُبكراً في اكتشاف الثغرات والنواقص في ما فات، كانت الفرصة أكبر في التعديل على ما تبقى من الخط الزمني لحياتنا، وأن هنالك حتماً نقطة انطلاق جديدة بجوار أي عثرة تفصل بيننا وبين خط النهاية الذي نصبو إليه.



جامعة الكويت - كلية العلوم الاجتماعية
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي