د. يعقوب أحمد الشراح / صدى الكلمة / المخيم رقم 22

تصغير
تكبير
رغم أن الديكتاتورية لا تختلف من مكان لآخر أو تتبدل في الزمان والمكان إلا أنها في السياق التاريخي لأوصافها نجدها تتباين في شدة عنفها وأنماط علاقتها بالأحداث والتداعيات. فقد نجد ديكتاتورية متسلطة خفيفة على القلب لا بديل لها في ظروف عسيرة لا تريح الناس، وقد نجد أيضا ديكتاتورية طاغية تبحث عن القتل والإيذاء. ومع ذلك فقد لا يخطر على البال أن هناك شعوباً تعيش مع الديكتاتورية سنوات طويلة لدرجة أنها تأقلمت مع الأجواء واعتادت عليها وأحياناً تسعى لتمجيد الديكتاتور وتفني نفسها من أجله.

ديكتاتورية حاكم كوريا الشمالية مثلاً يصنف على أنه من اعتى الديكتاتوريات في العالم، فحاكم هذه الدولة أورث ابناً مشابهاً له يرى مثل أبيه أن الحكم ميراث ثمين يجب الذود عنه وحمايته والتمسك بأركانه وفق التعاليم والموروثات. فماذا يعني أن تتحدى دولة صغيرة مثل كوريا الشمالية دول العالم المتقدمة في ظروف تدرك أنها غير قادرة على التحديات وحتى توفير حياة مناسبة لشعبها؟ فعلى مر العصور عانت كوريا البؤس والظلم والاضطهاد والجوع والعبودية المطلقة، ولم تستطع أن تتعايش مع العالم. تقول الإحصائيات الدولية أن أطفال كوريا الشمالية تقل أوزانهم عشرة كجم عن أوزان الأطفال في العالم بسبب الجوع وسوء الأحوال الغذائية!

أما السجون فهي مكتظة بالآلاف حيث يعيش فيها كل من يخالف أوامر الحاكم ونظام الحكم. ومن أشهر هذه السجون السجن أو المخيم رقم 22 الذي يحوي 50 ألف معتقل، ومن يدخل هذا السجن فإنه يعيش كل حياته فيه إذا استطاع أن يبقى حياً في السجن تحت مختلف ألوان العذاب. أما إذا هرب السجين من هذا المخيم، وهذا مستحيل الحدوث، فإن كامل أسرته معرضة للتعذيب والموت.

هناك عشرات الآلاف من اللاجئين على الحدود الصينية ممن هربوا من كوريا الشمالية، وكذلك يلاحق الموت كل من يحاول الهروب إلى كوريا الجنوبية. أسلاك الموت تمتد على جوانب الحدود الصينية وكوريا الجنوبية وهي أسلاك كهربائية ما أن يلمسها الإنسان حتى يتحول كامل جسده إلى لحمة مشوية، ناهيك عن حقول الألغام المنتشرة على هذه الحدود الدولية من أجل قتل كل من يحاول الهروب إلى الخارج.

وتحت وطأة الاستبداد والخوف من القتل يلجأ الكثيرون إلى عدم البوح عما في نفوسهم من هلع ومرض وفقر وتدمير لإنسانيتهم، بل ان الكثيرين أيضا يقعون تحت ما يسمى «غسيل الدماغ» أي الاستمرار في تمجيد الديكتاتور والقبول بتوجيهاته وحكمه. فبرغم صعوبة الحياة فإن الحاكم يحصل على الثناء من أي شيء تافه يحصل عليه الناس. فهل هذا الإيمان بالحاكم حقيقي أم مزيف؟ إن غسل الأدمغة بالأيديولوجيات منذ الطفولة من أبرز أسباب هذا العبادة للحاكم. لكنه غسيل لا ينظف كل شيء بالكامل، فالتاريخ يذكرنا بما حدث للديكتاتوريات المطلقة، وكيف انتصرت شعوبها عليها في النهاية.

فإذا كان الحكم في هذه الدولة النائية والبعيدة عن العالم حكماً ظالماً وشرساً بالتوارث، فإن التاريخ أيضا سيحكم على زواله كما حصل لغيره في عالم يتسابق على الحرية والديموقراطية، ونفوس متعطشة للحياة الكريمة. ان تاريخ الأنظمة الديكتاتورية تشهد زوال الديكتاتوريين ومحاسبة شعوبهم لهم ولمن وقف معهم أو ساهم في الأعمال الإجرامية بحق الشعوب المضطهدة. لقد تحول العالم اليوم إلى النظام الديموقراطي الذي يعني حكم الشعب لنفسه ومحاسبة من يوكل إليهم مسؤوليات الأمة، فلا مجال لبقاء أي حاكم في سدة الحكم إلا باحترامه لإرادة الشعوب.



د.يعقوب احمد الشراح

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي