من منا لم يتأمل ويتفكر بالشأن السياسي الكويتي وما يتقلده من قضايا وهجة وساخنة تثير الجدل وتجعل الجدال احدى الوجبات الدسمة للأسر الكويتية ما بين مؤيد ومعارض ومحايد وصامت، إن أردنا جادين عازمين التخلص من واقع سياسي متخلف متصلب عشناه طوال سنين عجاف، لا بد أن نسعى لتغيير أنفسنا ونمط تفكيرنا، وطراز سياستنا التي لطالما اتبعناها ولم تعالج أو تساهم في علاج أي قضية أو مشكلة من مشكلات المجتمع الكويتي.
إن الواقع أشبه بمادة هُلامية، فهو شديد القابلية للتشكيل والتغيير، مع الاحتفاظ بخواصه وثوابته وقواعده، ولكن! ما ينقصنا هو كيفية التعامل مع هذا الواقع، في البداية علينا أن نتزن بمشاعرنا وشخصياتنا حتى نستطيع أن نقرأ الواقع بعمقه ونعترف بواقعيته، وبعد استقراء الواقع وفهمه من جميع زواياه من المهم أن ندرك أن إحاطة عقولنا بما نعدّه معلوماً من مبادئ ومعارف تظل إحاطة ناقصة وقاصرة، ولابد أن نعترف بقصورنا وعجزنا عن استبطان واستيعاب واقعية الواقع من جميع جوانبه، وما كان ذلك إلا لقصور وعجز عقولنا واختلاف أفهامنا، مهما ارتقينا وبلغنا من العلم بالشيء مبلغه يظل القصور البشري عائقا بين الفرد واستشفاف واقعه.
ان الجهود العقلية التي نبذلها في سبيل بلورة رؤى ومفاهيم جديدة تساعد وتعاون في النظر إلى ما وراء الحدث لفهم الواقع، وتساهم في حل بعض المشكلات حلا موقتا وليس جذرياً، تظل هي الأخرى نسبية في اكتمالها ونضجها، مما يعني أن عمليات الاجتهاد في استيعاب وفهم الواقع يجب أن تظل مستمرة، ولن نضمن استمراريتها إلا بالتساؤلات الدائمة عن كل موقف وحدث يمر بنا، ونسعى جاهدين لتفكيك الحدث إلى جزيئات وتفصيلات صغيرة ودقيقة، للوصول إلى ما يجعلنا نحتوي المشكلات إن لم نعالجها، وعلينا ألا نستصغر ولا نستخف بأي تساؤل فهو يحدد ويشّخص لنا الواقع بأفعاله وردود أفعاله.
إن اتفاق الناس في الكليات والثوابت شيء محمود ومطلوب لتشكيل وتعديل وتغيير الواقع السقيم إلى واقع لديه ممانعة ومناعة تقيه تقلبات الأحداث والمواقف، أما اتفاقهم في الفروع والجزيئات لا يكون أبداً فضيلة، وهذا شيء لا يطمئن، لأنه يدل على أن العقول توقفت عن العمل في البحث والتنقيب عن كل ما يساهم في معالجة الواقع المتجلط، فالحياة متنوعة وملونة، ما علينا إلا الالتحاق بمدرسة الواقع وتلقي منها العلوم الحياتية الواقعية التي تؤهلنا لتحقيق المعادلة الصعبة، وهي ما بين القوة الإدراكية العظمى التي يمتلكها الإنسان، وبين إنزال هذه المتانة والصلابة لمحاكاة الواقع ورسم طريق التصحيح والتعديل والتبديل.
لن أقول ما قاله الكثيرون، مللنا وسئمنا من كثرة الاستجوابات، وتعطيل عجلة التنمية وغيرها من مقولات نصبح ونمسي عليها، بل حفظناها كأسمائنا، إن العقل لا يرى الأشياء إلا إذا غمرته المعرفة، ولن تستطيع أن ترى الواقع بعينه كما هو إلا إذا تأملت وتفكرت وبحثت عن واقع بديل يجعلك تعيش بواقعية ومنطقية مقبولة، لا يستطيع عقل الإنسان أن يعمل من غير إرشاد للوصول إلى معرفة العلل الأولية والغايات النهائية لكل ما يحصل في الساحة السياسية، نحن نقول استجوب واقترح وشّرع، ولكن بعد أن تتبع الإرشادات واللافتات الاستدلالية لواقعية الواقع حتى تستطيع أن تقرأ وتفهم وترفض واقعا وتحل محله واقعا واقعيا يداوي ويعالج ما استعصى على السابقين علاجه.
منى فهد عبدالرزاق الوهيب
[email protected]twitter: @mona_alwohaib