قصة قصيرة / مناظرة

تصغير
تكبير
| انجود الحساوي |
في ليلة من الليالي الشتاء التي يعلوها الصمت ويحوم من حولها السكون، كان الحوار ملتهبا «ابتعد أيها البغيض!» يتدحرج ساقطا على سطح المكتب.
«سأبتعد برغبة مني لقد حرقني لهيب مفاتيحك السخيفة!»
«سخيفة! من أنت حتى تنعتهم بالسخف ألا يكفي بان الأنامل تعزف عليَّ يوميا لتنشأ أساطير كتابية وأرقام خيالية لتكون مشاريع ضخمة بفضل تلك المفاتيح التي لا تعجبك! « ينهي جملته متلألاً... يفخر بما يقول.
«تتحدث بازدراء واضح أنسيت نفسك أم تناسيت بأنني أنا الذي أترجم أفكار البشر أنا الأصل في رسم الصور أنا التي تضمه الأيدي وتتنافس على صناعتي الدول ومن خلالي ابتكرت التواقيع المميزة لاعتماد أي شيء تخرجه لنا يا هذا».
«ذاك زمان ولى، استبدلت بمن هو أخير وأسهل منك أن السحر يتمثل بي فمجرد لمسه انقش الحرف بأجمل خط وأصور الشكل المراد بأفضل إخراج أما أنت فقد تلاشى دورك في التدوين وأصبح التفاخر بمظهرك فقط».
«ها أنت تقر بأن شكلي المتناسق وخفتي ورشاقة قوامي من مميزاتي، أتواجد بيد العلماء والأدباء أصادق طلاب العلم وأرافق الوجهاء تغنى بي الكثير من الشعراء ويكفيني فخرا بان قد سميت سورة بأكملها باسمي تكريما لي من رب الأرض والسماء»
لن أنكر أهميتك وتاريخك المبهر ولكن ابتكاراتي طغت على كل شيء، أعلم بأن مازال البعض يحتفظ بك وربما لا يستطيع الاستغناء عنك ولكني أقحمت نفسي بكل ما هو متناولا للأيدي تجدني بالهواتف المحمولة وأتخلل الأجهزة الذكية وحتى أنت استطعت أن أكون من ضمن محتوياتك وستأتي حقبة لن تجد نفسك سوى قطعة جانبية تحتفظ بك المتاحف ويؤرخك المؤرخون وتكون من ضحايا التطور».
تعلى ضحكات القلم مستهزئا ومتحسرا: «أعترف بأن أغلب أصحابي استبدلوني بك لمجرد سهولة حفظ المعلومات وسهولة استخراجها وإرسالها، ولكن بالرغم من حاجتهم لك إلا أن وجودي بحوزتهم طوال الوقت يشعرني بالأولوية يعطيني السبق في معرفة أفكارهم وترجمة ما يجول بخواطرهم، أيها التافه مهما تحدثت لن تصل إنجازاتي لن تصل إلى إحساس الكتابة الذي يخلق مجرد التفاف أصابعهم حولي. قد أنزف كثيرا قد أتحمل ضغط البشر والنتيجة هي غزارة الإنتاج الأدبي والعلمي»
«لكن في عصر التكنولوجيا حاجتهم لي أكبر وإن حدث وأصابني عطل ما، ترتبك أمورهم وتضيع بدائلهم صدقني لكل دولة رجال وقد انتهت دولة الأحبار».
«مهما بلغت أهميتك، مهما تفشت الأدوات التي تحتويها، مهما ازدادوا ممتلكي أشباهك، لن تقارن ببقائي سيقتلك مرض الاندثار ويحل مكانك شيء آخر يبتكره البشر وأنا من سيبارك هذا الابتكار برسمه وتصويره واعتماده للأمم»
تثور لوحة مفاتيح لابتوبي وتلتهب فيحتج القلم ويكتئب.
تتسع دائرة الجدل ويطول النقاش بينهما، يمر وقت السحر فالشفق ومن ثم يتجلى الصبح إلى أن تخمد تلك المناظرة والجدال الملتهب.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي