مشاهد / الصمت ليس من ذهب

يوسف القعيد





| يوسف القعيد |
فعلها جونتر جراس.
واكتفينا نحن بالجلوس على مقاعد المتفرجين.
«ما يجب أن يقال»... كانت قصيدة جونتر جراس عما يفعله العدو الصهيوني**- هنا والآن- مستعدًّا لتوجيه ضربة استباقية إلى إيران، بحجة أن إيران لديها مشروع نووي يمكن أن يتوصل لصنع قنبلة نووية قريبا جدا.
ومثل كل الغزاة والمعتدين يتجاهل الصهاينة أنهم كيان مدجج بالسلاح النووي. إنهم يتحصنون بعدم التوقيع على وثائق الأمم المتحدة الخاصة بالتفتيش على السلاح النووي، حتى يصبحوا خارج شرعية التفتيش والشرعية الدولية كلها. فضلا عما يقومون به تجاه الفلسطينيين والوطن الفلسطيني المغتصب والتهديدات اليومية والمتجددة بهدم المسجد الأقصى.
رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، رد سريعا على جونتر جراس... ووزير داخلية إسرائيل اتخذ قرارا بمنع جراس من دخول بلادهم التي اغتصبوها من سكانها الأصليين. بل إن كُتاب إسرائيل أصدروا البيانات المدججة ضد الكاتب الألماني. وبصرف النظر عن أنه يقف ضد مصالحهم واستمرار عدوانهم علينا. فإن أي كاتب يبدأ بالدفاع عن حق الكاتب الآخر في أن يقول ما يشاء. إنهم بذلك- كُتاب إسرائيل- قد أنهوا أسطورة أن بلادهم هي واحة الديموقراطية المحاطة بدول الطغيان العربي في الشرق الأوسط. وهو تعبير نحتوه بعد حرب 67 وجرينا وراءهم، ونحن لا ندري أن كل المآسي تبدأ في حقول اللغة. وهكذا لم نتمسك نحن بتعبيرنا القديم: الوطن العربي في مواجهة شرق أوسطهم سواء القديم أو الجديد الذي بشر به شيمون بيريز.
لا يكاد يمضي يوم. حتى نجد أنفسنا.. في مواجهة رد فعل قادم من إسرائيل ضد جراس وقصيدته. مرة يقولون إنها أحادية الجانب تأخذ الموقف الإيراني على طول الخط. ومرة ثانية يتهمونها بالمباشرة والسطحية. لكن المؤكد والثابت أننا نحن العرب التزمنا الصمت التام تجاه جونتر جراس وقصيدته ورحنا نتفرج على فصول صراعه مع عدونا نيابة عنا.
لا على المستوى الفردي خرجنا عن الصمت. فلم نجد شاعرا في أي مكان من وطننا العربي يكتب معتذرا لجراس عن صمته وصمت غيره من الشعراء العرب ومؤيدا له وداعما لموقفه. وإن تركنا الأفراد من الشعراء كل مشغول بهمه وقضيته ومشاكله واتجهنا نحو مؤسساتنا الثقافية، فسنجد أن الموقف العام قد لا يختلف كثيرا عن الموقف الخاص. فحتى اتحاد الأدباء العرب والاتحادات العربية للكتاب والأدباء وفي المقدمة منها اتحاد الكتاب المصريين. لم تخرج عن حالة الصمت تجاه ما أقدم عليه الكاتب الألماني.
وإن كانت إسرائيل قد اتخذت قرارا بمنعه من دخول أراضيها... فإن الأقطار العربية من حولها وعددها كبير لم تفكر دولة عربية واحدة. ومن المؤكد أن مصر على الرغم من أن كل ظروفها العارضة والطارئة تحتل مكان القلب منها. لم تفكر دولة عربية واحدة في دعوته لزيارتها. بصرف النظر عن تلبية الدعوة من قبله من عدمه، لأن رمزية الدعوة هنا مهمة. تثبت للدنيا كلها أننا أصحاب قضية وأن نسيانها يعني أننا مرشحون للنسيان... ففلسطين كانت ولاتزال يجب أن تبقى أنبل قضايا الوجود العربي في النصف الثاني من القرن العشرين.
وإن كانت كل دولة عربية مهمومة ومشغولة عن نفسها بنفسها، فقد انتظرت من الجامعة العربية وأمينها نبيل العربي أن تتحرك داعما للكاتب الألماني ولو ببيان الذي قد يمثل الحد الأدنى من المواقف في هذه الحالة، ثم ما المانع من أن تدعوه الجامعة العربية؟ وأن تقيم له الندوات والأمسيات واللقاءات؟ ولا يتصور أحد أن الرجل يحتاج مثل هذه الدعوات.
ربما لا يفكر فيها أصلا، وربما لا يجد لديه الوقت لتلبيتها والمجيء إلينا. لكن المهم أن يشعر أن أصحاب القضية قد أدركوا أهمية ما قام به.
عن مصر قلت لنفسي إن المراحل الانتقالية بعد الثورة، أصعب مما كان سائدا من قبل. ومن الآتي بعد ذلك. وهكذا يمكن أن أغمض عيني عن صمت الحكومة وهيئاتها. ولكن أين الدولة المصرية؟ والمجتمع المصري؟، خصوصا القطاع الأهلي منه؟
تبقى فلسطين الغالية بمنظمتها وحماسها وتنظيماتها الدمشقية المقاتلة. ألم تجد ما تفعله تجاه هذا المُدافع عن حقها. ذلك الكاتب الألماني الذي تضرع لحكومة بلاده وطلب منها ألا تقدم أي عون لإسرائيل، يمكن أن تستخدمه في العدوان على إيران وعلى فلسطين. ألا تستحق هذه الصرخة من الفلسطينيين أن يقولوا له شكرا ولو من وراء القلوب؟
قبل أكثر من عامين قابل الرئيس الفلسطيني أبومازن عددا من الأدباء والفنانين المصريين - كنت واحدا منهم - ربما كان هدف اللقاء دعوتنا لزيارة فلسطين المحتلة. وعندما قوبل طلبه بالرفض انصرف من المكان دون أن يصافحنا... إذا فالرجل يدرك أهمية وقيمة الكُتاب وما يمكن أن يقدمونه. لماذا صمت إذا عن دعم كاتب ألماني حاصل على جائزة نوبل للآداب؟!
هذا الكاتب الألماني تحرك من تلقاء نفسه وكتب قصيدة عنوانها: «ما يجب أن يقال». انتقد فيها العدو الإسرائيلي انتقادا صريحا وواضحا. وكان أقل شيء نقدمه له نحن أصحاب القضية أن نتوقف لكي نقول له: رسالتك وصلت بعلم الوصول.. شكرا.
قديما قال أجدادنا: إن كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب، ويبدو أننا نلهث وراء ذهب الصمت ونفضله على مغامرة الكلام وشرف القدرة على قول ما يعتقد الإنسان أنه حق، وأخشى ما أخشاه أن نكتشف في النهاية أنه ذهب فالصو أو صيني أو منطفئ. مثلما كل ما في حياتنا الآن منطفئ.
فعلها جونتر جراس.
واكتفينا نحن بالجلوس على مقاعد المتفرجين.
«ما يجب أن يقال»... كانت قصيدة جونتر جراس عما يفعله العدو الصهيوني**- هنا والآن- مستعدًّا لتوجيه ضربة استباقية إلى إيران، بحجة أن إيران لديها مشروع نووي يمكن أن يتوصل لصنع قنبلة نووية قريبا جدا.
ومثل كل الغزاة والمعتدين يتجاهل الصهاينة أنهم كيان مدجج بالسلاح النووي. إنهم يتحصنون بعدم التوقيع على وثائق الأمم المتحدة الخاصة بالتفتيش على السلاح النووي، حتى يصبحوا خارج شرعية التفتيش والشرعية الدولية كلها. فضلا عما يقومون به تجاه الفلسطينيين والوطن الفلسطيني المغتصب والتهديدات اليومية والمتجددة بهدم المسجد الأقصى.
رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، رد سريعا على جونتر جراس... ووزير داخلية إسرائيل اتخذ قرارا بمنع جراس من دخول بلادهم التي اغتصبوها من سكانها الأصليين. بل إن كُتاب إسرائيل أصدروا البيانات المدججة ضد الكاتب الألماني. وبصرف النظر عن أنه يقف ضد مصالحهم واستمرار عدوانهم علينا. فإن أي كاتب يبدأ بالدفاع عن حق الكاتب الآخر في أن يقول ما يشاء. إنهم بذلك- كُتاب إسرائيل- قد أنهوا أسطورة أن بلادهم هي واحة الديموقراطية المحاطة بدول الطغيان العربي في الشرق الأوسط. وهو تعبير نحتوه بعد حرب 67 وجرينا وراءهم، ونحن لا ندري أن كل المآسي تبدأ في حقول اللغة. وهكذا لم نتمسك نحن بتعبيرنا القديم: الوطن العربي في مواجهة شرق أوسطهم سواء القديم أو الجديد الذي بشر به شيمون بيريز.
لا يكاد يمضي يوم. حتى نجد أنفسنا.. في مواجهة رد فعل قادم من إسرائيل ضد جراس وقصيدته. مرة يقولون إنها أحادية الجانب تأخذ الموقف الإيراني على طول الخط. ومرة ثانية يتهمونها بالمباشرة والسطحية. لكن المؤكد والثابت أننا نحن العرب التزمنا الصمت التام تجاه جونتر جراس وقصيدته ورحنا نتفرج على فصول صراعه مع عدونا نيابة عنا.
لا على المستوى الفردي خرجنا عن الصمت. فلم نجد شاعرا في أي مكان من وطننا العربي يكتب معتذرا لجراس عن صمته وصمت غيره من الشعراء العرب ومؤيدا له وداعما لموقفه. وإن تركنا الأفراد من الشعراء كل مشغول بهمه وقضيته ومشاكله واتجهنا نحو مؤسساتنا الثقافية، فسنجد أن الموقف العام قد لا يختلف كثيرا عن الموقف الخاص. فحتى اتحاد الأدباء العرب والاتحادات العربية للكتاب والأدباء وفي المقدمة منها اتحاد الكتاب المصريين. لم تخرج عن حالة الصمت تجاه ما أقدم عليه الكاتب الألماني.
وإن كانت إسرائيل قد اتخذت قرارا بمنعه من دخول أراضيها... فإن الأقطار العربية من حولها وعددها كبير لم تفكر دولة عربية واحدة. ومن المؤكد أن مصر على الرغم من أن كل ظروفها العارضة والطارئة تحتل مكان القلب منها. لم تفكر دولة عربية واحدة في دعوته لزيارتها. بصرف النظر عن تلبية الدعوة من قبله من عدمه، لأن رمزية الدعوة هنا مهمة. تثبت للدنيا كلها أننا أصحاب قضية وأن نسيانها يعني أننا مرشحون للنسيان... ففلسطين كانت ولاتزال يجب أن تبقى أنبل قضايا الوجود العربي في النصف الثاني من القرن العشرين.
وإن كانت كل دولة عربية مهمومة ومشغولة عن نفسها بنفسها، فقد انتظرت من الجامعة العربية وأمينها نبيل العربي أن تتحرك داعما للكاتب الألماني ولو ببيان الذي قد يمثل الحد الأدنى من المواقف في هذه الحالة، ثم ما المانع من أن تدعوه الجامعة العربية؟ وأن تقيم له الندوات والأمسيات واللقاءات؟ ولا يتصور أحد أن الرجل يحتاج مثل هذه الدعوات.
ربما لا يفكر فيها أصلا، وربما لا يجد لديه الوقت لتلبيتها والمجيء إلينا. لكن المهم أن يشعر أن أصحاب القضية قد أدركوا أهمية ما قام به.
عن مصر قلت لنفسي إن المراحل الانتقالية بعد الثورة، أصعب مما كان سائدا من قبل. ومن الآتي بعد ذلك. وهكذا يمكن أن أغمض عيني عن صمت الحكومة وهيئاتها. ولكن أين الدولة المصرية؟ والمجتمع المصري؟، خصوصا القطاع الأهلي منه؟
تبقى فلسطين الغالية بمنظمتها وحماسها وتنظيماتها الدمشقية المقاتلة. ألم تجد ما تفعله تجاه هذا المُدافع عن حقها. ذلك الكاتب الألماني الذي تضرع لحكومة بلاده وطلب منها ألا تقدم أي عون لإسرائيل، يمكن أن تستخدمه في العدوان على إيران وعلى فلسطين. ألا تستحق هذه الصرخة من الفلسطينيين أن يقولوا له شكرا ولو من وراء القلوب؟
قبل أكثر من عامين قابل الرئيس الفلسطيني أبومازن عددا من الأدباء والفنانين المصريين - كنت واحدا منهم - ربما كان هدف اللقاء دعوتنا لزيارة فلسطين المحتلة. وعندما قوبل طلبه بالرفض انصرف من المكان دون أن يصافحنا... إذا فالرجل يدرك أهمية وقيمة الكُتاب وما يمكن أن يقدمونه. لماذا صمت إذا عن دعم كاتب ألماني حاصل على جائزة نوبل للآداب؟!
هذا الكاتب الألماني تحرك من تلقاء نفسه وكتب قصيدة عنوانها: «ما يجب أن يقال». انتقد فيها العدو الإسرائيلي انتقادا صريحا وواضحا. وكان أقل شيء نقدمه له نحن أصحاب القضية أن نتوقف لكي نقول له: رسالتك وصلت بعلم الوصول.. شكرا.
قديما قال أجدادنا: إن كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب، ويبدو أننا نلهث وراء ذهب الصمت ونفضله على مغامرة الكلام وشرف القدرة على قول ما يعتقد الإنسان أنه حق، وأخشى ما أخشاه أن نكتشف في النهاية أنه ذهب فالصو أو صيني أو منطفئ. مثلما كل ما في حياتنا الآن منطفئ.