| خورشيد دلي |
ربما يكون من مفارقات السياسة والأيام أن تتحول تركيا (عدوة الأكراد تاريخيا) إلى بوابة لدولة كردية بدأت تلوح معالمها في الأفق بعد ان انتقلت مسألة إقامتها من الأحلام والمستحيلات إلى الواقع والامكانات والمقومات.
في الواقع، ثمة سر ما يقف وراء قول رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني : (إن الاستقلال آت لا محالة)، ويبدو أن ثمة أملا يكبر لديه بأن تصبح زياراته المتتالية إلى واشنطن وأنقرة بوابة للاعتراف بهذه الدولة التي ينتظرها الأكراد بفارغ الصبر، البارزاني يفعل ذلك لأنه يدرك في العمق أن إعلان استقلال دولة ما في يومنا الراهن، لا يمكن ان يكون دون قرار أميركي (على الأقل هذا ما حصل إيجابا في حالة جنوب السودان وسلبا في حالة فلسطين)، وعليه فإنه يسعى إلى تحقيق ما يشبه القبول الإقليمي والدولي بخيار الدولة الكردية.
على المستوى الإقليمي يدرك البارزاني أن موقف تركيا يشكل الأساس أو المدخل لفتح نافذة في جدار الاتفاق الإقليمي المسبق على منع إقامة دولة كردية في المنطقة، وهو يدرك أيضا ان السياسة في النهاية تعني المصالح، وعند المصالح بات من الواضح أن ثمة كيمياء مشتركة بينه وبين القيادة التركية التي تريد من البارزاني تحقيق مسألتين أساسيتين كمدخل لاعتراف تركي ما بالدولة الكردية كما تقول صحيفة (تودي زمان) التركية.
الأولى : الضغط على حزب العمال الكردستاني لترك السلاح من أجل حل سياسي للقضية الكردية في تركيا وسط حديث عن مبادرة جديدة لرجب طيب اردوغان بهذا الخصوص على أن يتم ذلك في الدستور الجديد الذي يعد له.
الثانية : الإبقاء على علاقات اقتصادية قوية مع إقليم كردستان المزدهر بعد ان بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين ما يقارب عشرة مليارات دولار.
إلى جانب الشرطين المذكورين، يمكن للمراقب أن يضيف عاملين باتا يشكلان مصدر توافق تركي - كردي (عراقي) إزاء التطورات الجارية :
الأول: ازدياد حدة التوتر بين تركيا وحكومة المالكي لأسباب لها علاقة بقضية طارق الهاشمي (حليف تركيا) من جهة، ومن جهة ثانية بالاصطفاف العراقي الإيراني إلى جانب النظام السوري الذي تريد تركيا التخلص منه. وهنا تبدو أهمية الورقة الكردية في الاستراتيجية التركية كورقة قادرة على التأثير في الموازين.
الثاني: العامل الأميركي والذي بدأ يأخذ شكل الضغط الناعم على تركيا لدفعها إلى الاعتراف بالدولة الكردية مقابل مصالح تركية منتظرة، وقد كان لافتا ما نشرته صحيفة (شفق نيوز) التركية من ان رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (السي آي ايه) الجنرال ديفيد بترايوس طلب من أنقرة خلال زيارته الأخيرة لها أن تقدم الدعم لإعلان دولة كردية مستقلة في العراق لأن ذلك سيخدم مصالحها القومية. كما ان زيارة البارزاني الأخيرة إلى واشنطن أفضت إلى تشكيل لجنة للعلاقات الأميركية - الكردية في اعتراف أميركي غير مباشر بالجانب الكردي كطرف مستقل وإقرار برسم استراتيجية للعلاقة الثنائية معه.
دون شك هذه العوامل والمتغيرات تشيران إلى وعي تركي متعاظم بتطورات القضية الكردية وآفاقها ومخاطرها معا،على شكل قناعة بأن تركيا لن تتمكن في النهاية من وقف مسار التطور الكردي باتجاه الدولة، وربما تطلعا إلى حل لهذه القضية وفقا لرؤية تركيا لمستقبل المنطقة في معركة التنافس على رسم مصير الشرق الأوسط. لكن يبقى القول ان الحديث عن التقارب التركي - الكردي على هذا النحو لا يعني ان الظروف باتت مهيأة لإعلان مثل هذه الدولة، وان تركيا باتت مستعدة للاعتراف بها، فالثابت ان تركيا ترى في أي دولة كردية في المنطقة خطرا استراتيجيا عليها على شكل تداعيات مباشرة على أمنها، لكن السؤال هنا، ماذا لو وجدت تركيا الاعتراف بدولة كردية متحالفة معها طريقا إلى تحقيق مصالحها العليا؟