د. يعقوب أحمد الشراح / صدى الكلمة / ثلاثين سنة أو أكثر في الخدمة

تصغير
تكبير
كتبنا مثل غيرنا ولأكثر من مرة عن إشكالية ترهل الجهاز الإداري الحكومي وتدني الخدمات التي يقدمها للناس في وقت تزداد فيه التصريحات عن السعي نحو الحكومة الالكترونية وضخ دماء جديدة في قيادة العمل، والاهتمام بالإدارة الحكومية، وتطوير الإدارة العامة، والعناية بخطة التنمية والتي خصصت لها حوالي (27) مليار دينار في خطة طموحة تشمل مختلف جوانب حياة المجتمع. كثيرون يتحدثون اليوم عن هذه الخطة أنها كذبة كبيرة، فليس هناك شيء يستحق انتظاره أو الاطمئنان على نتائجه القادمة، فالناس ما زالت تشتكي من تردي الخدمات العامة في الدولة، حيث من الصعوبة أن يجد المواطن السرير المناسب في المستشفى لعلاجه من مرضه، ويصاب المواطن بالإحباط واليأس عندما يتذكر أيام زمان عندما كان التعليم مؤثراً وفاعلاً في حياة الناس، ويدوخ ألف دوخة لكي ينجز معاملة واحدة في إدارات الدولة المتضخمة بالعاملين الذين لا عمل لهم سوى الانقطاع عن العمل، والترتيب لإضرابات يطالبون فيها بالكادر!!

قيادات مضى عليها زمن طويل في العمل لا احد يستطيع زحزحتها عن المهنة لأنها محسوبة على فئة أو طائفة أو تاجر أو نائب أو وزير في وقت يشتكي الوزراء أنفسهم من أنهم غير قادرين على الانجاز بسبب ترهل هذه القيادات، وأحياناً كثرة خلافاتهم، ومع هذا يتردد الوزراء في معالجة الأوضاع، بينما هنالك قرار صادر من مجلس الوزراء يخول كل وزير بإحالة أي قيادي إلى التقاعد إذا كان قد أمضى مدة ثلاثين سنة في الخدمة، فما بالك بأن الأكثرية تجاوزت هذه المدة؟ لا أحد من الوزراء يطبق هذا القانون رغم أن هناك قلة من الوزراء حاولوا تطبيقه لكنهم اصطدموا بمختلف المعوقات التي سقطت على رؤوسهم من كل ناحية.

نواب يسعون إلى استجواب الوزير إذا أحال القيادي المحسوب على النائب إلى التقاعد وفق قانون إنهاء الخدمة لأن القرار الوزاري يخول من خدم ثلاثين عاماً أو أكثر إلى التقاعد. آخرون من الوزراء والتجار والمتنفذين أيضا يتدخلون في الجهاز الحكومي لمنع تنفيذ إجراءات الإحالة إلى التقاعد بسبب التدخلات الشخصية والوساطات التي تريد المحافظة على وجود بعض القيادات من أجل التنفيع والتكسب في وقت يصرح رئيس الحكومة وبصورة متكررة بضرورة تطبيق القانون، ويؤكد على ذلك لوزرائه الذين أيضا يعلنون بين وقت وآخر بأهمية تطبيق القانون!! ومع أن الغالبية تنادي بتطبيق القانون لكن، مع الأسف، لا احد ينفذ القانون سوى الذين تربوا في حياتهم على المحافظة على القانون وتطبيقه في حياتهم.

لذلك ليس هنالك احد يجادل في حقيقة أن الأمراض الإدارية كثيرة في الجهاز الحكومي، وأن من أبرز عوامل التأثير فيها هو ترهل القيادات التي ما زالت تعمل في المهنة لسنوات طويلة لدرجة أنها أصبحت غير قادرة على العطاء، وبالتالي تزاول العمل وفق آلية روتينية خالية من الإبداع والمبادرات وحتى التمكن الذهني والنفسي نتيجة تقدم العمر وضمور العزيمة والدافعية.

نتمنى تطبيق قرار مجلس الوزراء على القيادات بمستوياتهم الإدارية والمهنية المختلفة، خصوصاً ممن أمضوا ثلاثين عاماً في الخدمة وذلك بالإحالة التلقائية إلى التقاعد من أجل إدخال دماء جديدة تأخذ فرصتها في الإدارة والانجاز وتستطيع أن تسخر جهدها وطاقتها لخدمة بلدها بشكل أكثر تأثيراً وفاعلية ورقياً، خصوصاً وأن الحكومة تتحدث دائماً عن قدرتها على تنفيذ خطة التنمية كما اقرها المجلس التشريعي وخصص لها ميزانية ضخمة تكفي لبناء دولة جديدة!!. إن تنفيذ هذه الخطة يقع بالدرجة الأولى على عاتق القيادات الماهرة والمتمكنة من إدارة ومتابعة المشاريع التي تصب في مسؤولياتها المهنية. فمن دون ذلك ستمر علينا عقود أخرى من الزمن تضيع فيها تنفيذ الخطة التنموية الحالية كما ضاعت الخطط الأخرى في السنوات الماضية.



د. يعقوب أحمد الشراح

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي