في الحلقة الأولى من مرحلة الستة

مسابقة شاعر المليون واشتعال النهايات ...!

تصغير
تكبير
هي بالفعل «حلقة النخبة»، تلك التي احتضنت الأبرز شعراً وحضوراً من بين الفرسان الذين تقدموا للموسم الخامس من مسابقة «شاعر المليون».

فبعد أربعة جولات شملت كلاً من أبوظبي والكويت والأردن، وصل 100 شاعر فقط من أصل عدة آلاف إلى عاصمة الشعر، ومن الـ100 انتقل فقط 48 شاعراً إلى منافسة حاسمة، سواء أهّلتهم اللجنة أو صوّت لهم الجمهور، والمثابرون منهم وصلوا إلى مرحلة الـ 24، والمجدّون انتقلوا إلى مرحلة الـ12، فيما لم يبق في مرحلة الـ6 التي بدأت ليلة أمس إلا مجموعة فريدة، لتلقي أجمل ما لديها، فأسرت من أسر من الجمهور، واستنطقت أعضاء لجنة التحكيم ليقولوا كلمات أقلها (جميل ورائع).

من مسرح شاطئ الراحة بأبوظبي، وبحضور سعادة محمد خلف المزروعي عضو مجلس إدارة هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة وحشد من الأدباء والشعراء، ارتفع صوت أرق وأعذب من المتخيل، وأقوى وأصلب من المتوقع، وذلك خلال أمسية كانت متميزة نقلتها قناة شاعر المليون وقناة أبوظبي الإمارات مع حلول الساعة التاسعة مساءً.

لم يكن وحدهم الشعراء متأهبين، فالجمهور الذي ملأ المدرجات كان متأهباً أيضاً، لدرجة أن بعض أفراده حمل صور من يتمنون له تسلّم البيرق من شاعر الموسم الرابع ناصر العجمي.

د. ناديا بوهنّاد أطلت من استوديو التحليل لتؤكد أنه ليست لديها ملاحظات على المتسابقين، لأنها وكما قالت إنهم تجاوزا كل ما نبهتهم إليه، وإن بعضهم تطورت أداءاتهم وحضورهم عـــلى الخشبة.

قبل أن تبدأ أحداث الحلقة الـ13 من مسابقة «شاعر المليون» أعلن حسين العامري عن الفائزين من بين الشعراء الخمسة الذين انتظروا أسبوعاً كاملاً ريثما يصوّت الجمهور لصالح اثنين منهم، فتأهل الإماراتي راشد أحمد الرميثي بدرجات وصلت إلى 60 في المئة، فيما تبعه في الدرجات السعودي سيف السهلي الذي حصل على  58 في المئة، أما الشعراء  منصور الفهيد وماجد لفى الديحاني وعلي بن نايف الغامدي فقد ودعوا المسابقة والجمهور، لكنهم لم يخرجوا من قلوب متابعي مسيرتهم، فقد حفروا عميقاً وبشكل محترف في ساحة الشعر النبطي، وهذا ما شهدت لهم به لجنة التحكيم المكونة من د. غسان الحسن وسلطان العميمي وحمد السعيد.

 

المنصوري... المبدع في كل حالاته:

على مسرح شاطئ الراحة ومع اكتمال عدد لآلئ العقد وقف من الإمارات أحمد بن هياي المنصوري، وراشد الرميثي، ومن الكويت بدر المحيني العنزي، ومن السعودية سيف السهلي وعبدالله بن مرهب البقمي وعلي البوعينين التميمي.

لكن أول من بدأ بالشعر كان أحمد بن هياي المنصوري الذي قال في مطلع قصيدته التي تتحدث عن الشعر:

علم اللي رقبنا عند باب القدوم

بإذن ربي بنوصل شفه ومبتغاه

ما بقى لنهائي غير دفع الرسم

عقب ختم الجمارك حدّد الاتجاه

د. غسان الحسن أكد أن هذه المرحلة من المسابقة حاسمة، لا سيما وأن ملامح الفوز بدأت بالانكشاف أكثر، ثم تابع حديثه وأدلى برأيه بقصيدة المنصوري، فأشار إلى أنه وجد فيها الكثير من الجمال، حيث جاءت مدروسة، وفيها طرح الشاعر معادلاً موضوعياً لما يريد أن يقول، حيث ذهب من خلال أبياته إلى الجمارك والرسوم أي ما يجري في الموانئ عادة، وأضاف بأن كتلة التصوير المتواجدة في القصيدة تشبه اللحظة التي يقف فيها الشاعر، كما أشار د. غسان إلى البيت الثالث (ما بقى لنهائي غير دفع الرسم/ عقب ختم الجمارك حدّد الاتجاه) ووصفه بأنه جميل جداً، وإلى البيت (ف القوافي نحوم وف المعاني نعوم/ ومن تنومس يبارك له جميع اخوياه) الذي فيه سجع وتصوير حركي تمثيلي جميل لبيئة معينة، وأشار كذلك إلى التصويرات الجزئية والأخرى الكاملة الجميلة التي وردت في النص، ولعل ما لفت انتباه د. غسان أن الشاعر كرس جزءاً من الموضوع للشيخ زايد بما لديه من فطرة وبصيرة وهو ما يؤكد البيت (خبر اللي تعلم في جميع العلوم/ زايد الدار هذي خططتها عصاه).

المحيني... والتحليق خارج السرب

الكويتي بدر حمد المحيني حل ثانياً في إلقاء الشعر، وكما هي عادته ألقى نصاً بابتسامة لا تفارق وجهه، وبراحة واضحة، وبثقة ممزوجة بطفولة الشاعر، فقال في بداية نصه:

العمر لين اليوم  بالانتظارات

متى الوصول؟ وكم منه البقيه؟

ما امرّ من طعم الصبر بالمسافات

إلا تجرع كاس من واقعيه

سلطان العميمي علق على بدر بالقول: أنت أول شاعر عاشق في المسابقة، وأول من يجعل من الحبيبة محور حياته، ومن يجعل من المطارات القاهرية مصب اهتمامه، وهذا دليل جرأة، ودليل على أنك تحمل الكثير من جنون الشعراء والمحبين، أما في الأبيات (يا كثر ما اجبّر من الانكسارات/ تطيح دمعه ترتفع معنوية)، (وبجيوبي المليانة من الفراغات/ ما زلت فوق الرحلة الليلكية)، (عويد كبريتٍ ولكن بلحظات/ يسوي الواجد مع انه شويه) فقد حلقت خارج السرب.

البقمي.. والتشبيهات الضمنية الجميلة

مواويل الشاعر السعودي عبدالله بن مرهب البقمي جاءت على طرق المنكوس، وحملت مفردات وصور وتشبيهات قلما يأتي الشعراء بها، ومنا قاله في مطلع قصيدته:

مواويل صدري من صداها نسيت أنام

نديمه نسيم الليل وأغلى معازيمه

عزفها وتر حلمٍ نسف باقي الأحلام

ليأمرني وجهه وضاعت تقاسيمه

حمد السعيد بدأ من طرق المنكوس، وأشار إلى أن ما قدمه البقمي إنما هو تكملة لما جاء به في نص سابق، ثم وصف مدخل القصيدة بأنه جميل جداً، كما لفت إلى تميز الأبيات (أحث الليالي واسبق الوقت مشي اقدام/ ولو صار في جو التوافيق تعتيمه)، و(تجنبت لي دربٍ يودي للاستسلام/ وتنحرت لي بابٍ مفاتيحه الشيمه)، و(تحت فيّة الكراسي «أمل» في يدين اقزام/ سياساتهم «نربح» على شان تهديمه)، أما الجزء الأخير من النص (لبست التفاؤل لاجل أداري لبوس احرام/ عسى الوادي المسني عقب سيله بديمه) والذي يعتقد المتلقي من خلاله أن الشاعر خرج من الموضوع، إلا أنه يصلح لموضوع القصيدة المتسلسل أو لأي موضوع آخر.

البوعينين... روعة ليست غريبة عليه

إلى والده أهدى الشاعر السعودي علي البوعينين التميمي قصيدة «أنا العنوان»، والتي بدأها بالمطلع:

نويت اخفيك وانت بداخلي مكشوف

تأمل بي عفو ما دمت انا الغلطان

يا مغرقني بجميلك اسّد لي معروف

بحر عطفك غزير وعد لك الربان

د. غسان الحسن اعترف أن البوعينين يدهشه دائماً، وأكمل إدهاشه في نص الأمس، حيث وجد فيه د. الحسن لعبة ليست لغوية، إنما لعبة مشاعر، فالشاعر يعيش في جلباب أبيه مرة، ومرة خارجه، مرة في ظله وأخرى ينطلق بعيداً عنه، ليتوحد مرة ثالثة معه، فهذا الدخول والخروج يدل على البوح الداخلي والبوح الخارجي، وهو ما يتأكد من خلال البيت (نويت اخفيك وانت بداخلي مكشوف/ تأمل بي عفو ما دمت انا الغلطان)، فبين الداخل والخارج لعبة جميلة وغريبة، ثم إن النص يبوح بما فيه بسهولة، حيث لكل مفردة دلالة وفيها الكثير من المعاني، والنص الذي يشرح دوافع الشعر لدى الشاعر، والمتمثلة بنشر الأخلاق وبالحديث عن الصحراء وعن أمور أخرى فيه صور رائعة مثل (بـجـدران الامـاني مـالـقـيـت رفوف/ ترتبني شـعر وتـزين الجـدران)، و(رسمت احلام عمـري والزمن مكفـوف/ وصدري علبةٍ وضلوعي الالـوان)، وهذا ليس غريباً على التميمي.

الرميثي... يستحضر الشعراء القدماء:

الإماراتي راشد أحمد الرميثي توقف عند عروس الشعر، وألقى نصه «نُصير الـشعر» الذي قال في بدايته:

دعتني عروس الشعر عنوة بليلها

وحظّي بها يوم أنجبت لي جزيلها

سلايل أصيلة تكرم السمع والنظر 

سقتها حماها بوظبي سلسبيلها

سلطان العميمي أشار إلى أن القصيدة جاءت في ثلاثة كتل، كل كتلة لها ثقلها الشعري وفكرتها، الأولى تتعلق بالموروث الشعري وقد استطاع الشاعر تطويعها، والثانية وظف فيها ثقافته باستحضار زريق من التاريخ وكذلك طليطلة التي ربطها مع راعي المسابقة، أما الكتلة الثالثة فهي موضوع القصيدة والتي جاءت مباشرة عن الشعر، وأضاف العميمي بأن الرميثي ذكره بالشاعرين الماجدي بن ظاهر وراشد الخلاوي، فهو يكتب بذات الجزالة، كما في البيت (وأقول الرطب يطلب من الوقت أصدقه/ وخلوا رعاة الزرع تخرف نخيلها) والقصيدة في عمومها جاءت متماسكة، وكل فكرة فيها تمهد لما يليها.

السهلي... صاحب الأبيات المحكمة

سيف السهلي كان آخر الشعراء، فألقى نصاً واقعياً لكنه حلو كما وصفه حمد السعيد، ومما قاله السهلي في المطلع:

كتبتك صفحاتي سما والحروف نجوم 

تنفس فضاها زفرة إحساسك السامي

قمر قبلتك جوه عسام وعليه غيوم 

وعيونك هدبها منكسر كسرة اعصامي

د. غسان الحسن أكد أن النص ملتزم، وينطلق من تجربة واقعية، وهدفه كشف عيوب المجتمع ونقائصه، وقد اتبع الشاعر أسلوب مخاطبة الفتاة من خلال عدة مفردات مثل (تمرّين، ربيتي، دموعك)، إلى أن يقول (ويمر الفرح والحزن في مشهد درامي) وهنا ذهب الشاعر للتعبير عن الموقف الدرامي باستخدام الوصف لكنه لم يصور الشخوص، فحبذا لو أسند الحديث للشخوص ذاتها كي يكون النص أكثر تأثيراً، فالوصفية أضعفت المشهد الدرامي، ومع ذلك يبقى النص ثرياً، وصوره جميلة.

من القصائد انتقل فرسان الشعر إلى الجزء الثاني من الأمسية، وهو الخاص بالارتجال، وقامت معايير التنافس وفق آلية شرحها حمد السعيد بقوله: سنعطي لكل شاعر بيتاً ليرتجل بيتاً على أساسه، وذلك مرتين خلال الحلقة، فالارتجال فيه جمالية، وهو يثبت قوة الشعراء، ثم إن اللجنة تريد الإثبات للمتلقي أن اختيار هذه النخبة لم يأتِ من فراغ، وستمنح اللجنة خمس درجات عن كل بيت.

كانت المجاراة سباقاً مع الزمن، فكل متسابق كان مطلوباً منه أن يجاري بيتاً مكتوباً على بطاقة، وكان على المتنافسين كتابة المجاراة خلال دقيقتين، وهي من دون شك لحظات حاسمة، بحاجة إلى تركيز، وإلى جهد نفسي وعقلي، وبالتالي فإن هكذا مجاراة إنما تشكل امتحاناً صعباً لسرعة البديهة ولحسن الاختيار.

أنهى الشعراء المجاراة، وأبدت لجنة التحكيم إعجابها بما كتبه الشعراء في مجاراتهم التي أكملوا فيها معنى البيت الأساس، إلا أن أحمد بن هياي المنصوري خرج عن التفعيلة.

أما الدرجات المخصصة للجنة فهي 60، والدرجات المخصصة للجمهور فهي 40، لكن حلقة ليلة الأمس ليس فيها رابح أو خاسر، وحسب تقييم اللجنة فقد أعطت أحمد بن هياي على 48 درجة، وهو الذي حصل من جمهور المسرح 34 في المئة، كما حصل سيف السهلي وعلي البوعينين وراشد الرميثي من اللجنة على  58 درجة، وهي ذات الدرجة التي حصل عليها بدر المحيني الذي منحه جمهور الموقع 34 في المئة، وجمهور المسرح 47 في المئة، فيما حصل عبدالله بن مرهب على 56 درجة.

ومن أجل الحلقة القادمة طلب سلطان العميمي من الشعراء أن تكون معهم قصائدهم الحرة الوزن والقافية والموضوع، شرط ألا تنقص عن 10 أبيات ولا تزيد على 15 بيتاً، بالإضافة إلى قصائد يعتبرونها أجمل ما كتبوه ليقدموها مع قصيدتهم الرئيسة، وستكون الدرجات مقسمة بين اللجنة والجمهور، حيث للجنة 60 درجة للحلقة المقبلة وللحلقة التي تليها أي حلقة الإعلان عن حامل اللقب، و40 درجة للجمهور.

انتهت الحلقة جميلة كما بدأت، وحماسية كذلك، ليست بالشعر وحده، إنما بالمطالع التي قالها الشعراء قبل قصائدهم، وبالأبيات التي طلبها منهم الجمهور الذي كان مبتهجاً منذ الساعة التاسعة وحتى الثانية عشرة منتصف الليل وقت ختام الحلقة.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي