عين على جنبلاط وعين على «حزب الله»

هل قرر النظام السوري الإطاحة بالحكومة اللبنانية؟

تصغير
تكبير
| بيروت ـ من وسام أبو حرفوش |

ثمة «معطيات» في بيروت تؤشر الى ان مصير حكومة الرئيس نجيب ميقاتي «على الطاولة»، وسط معلومات عن «مداولات» جارية بين النظام في سورية وحلفائه اللبنانيين حول جدوى استمرارها وإمكان «تطييرها» في ضوء اداء بعض مكوناتها وفي مقدمها الرئيس ميقاتي عينه.

وكشفت اوساط واسعة الاطلاع في بيروت لـ «الراي» عن انزعاج سوري «شديد» من خيارات ميقاتي وسلوكه حيال القضايا التي تهم النظام في سورية، كالأوضاع على الحدود بين البلدين والتعاطي مع ملف النازحين وبعض الجوانب المتصلة بالسياسة الخارجية، إضافة الى مسائل ترتبط بحلفائه اللبنانيين.

ولفتت هذه الاوساط الى ان «لا دخان من دون نار»، فالكلام عن اتجاه سوري لإسقاط الحكومة تزامن مع رسائل استياء من النظام في سورية بلغت مسامع ميقاتي بالمباشر او بالتواتر، وعبر إشارات وأقنية مختلفة، مما اكسب المعطيات المتداولة صدقية لا يمكن تجاهلها.

ورغم ان الاوساط عينها عكست اقتناع زوار السرايا الحكومية بأن ما يشاع عن الاتجاه للإطاحة بالحكومة «مجرد تهويل»، فإنها نقلت عن قريبين من النظام في سورية بأن انزعاج الرئيس بشار الاسد من اداء الرئيس ميقاتي دفعه اخيراً الى رفض تحديد موعد لإستقبال شقيقه طه.

وذكرت تلك الاوساط بما تم التداول به عن تقديم وزير المال محمد الصفدي «أوراق اعتماده» لخصوم ميقاتي، ولا سيما لـ زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، بالتزامن مع الضغوط التي تمارس على رئيس الحكومة وتحاصره، والتي بدا انها محاولة لإحراجه بغية إخراجه.

هذا المناخ الملبّد بين قصر المهاجرين في دمشق والسرايا الحكومية في بيروت دفع الدوائر المراقبة الى «التدقيق» في الاتجاهات التي تحوط بمصير الحكومة المترنحة فوق صفيح متفجر من المنازعات بين مكوناتها حول «كل شاردة وواردة».

وإذ بدا ان القوى المحسوبة على النظام في سورية تبدي ميلاً الى التخلص من الحكومة، فإن الانظار تتجه الى موقف «حزب الله» الحليف «الاستراتيجي» للأسد والرافعة الاساسية للحكومة الحالية، والذي غالباً ما جاهر برغبته في بقائها حتى انتخابات الـ 2013 رغم اضطراره الى تجرع سياساتها المرة اكثر من مرة.

ورغم تقدير دوائر مراقبة في بيروت بأن «حزب الله» لن يحمي الحكومة اذا صدر قرار «استراتيجي» من الاسد بإسقاطها، فإن اوساطا على صلة بملف العلاقة اللبنانية ـ السورية تجزم بأن الرئيس السوري يتبنى ما يقرره الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في الشأن اللبناني لا العكس.

وثمة من يقلل، في هذا السياق، من وقع المؤشرات التي تتحدث عن نهاية قريبة لعمر «الحكومة الميقاتية» لأسباب عدة من بينها ان النظام في سورية لم يبلغ درجة من الراحة تتيح له قلب الطاولة في بيروت، إضافة الى إستحالة تشكيل حكومة جديدة بسبب تبدلات جوهرية اصابت التوازنات في لبنان.

ويستدرك أنصار الاستنتاج الذي يميل للاعتقاد بأن الكلام عن اسقاط الحكومة مجرد تهويل على ميقاتي، عبر القول انه اذا صح وجود قرار سوري بالإطاحة بالحكومة، فهذا يعني ان النظام السوري قرر خربطة الوضع في لبنان وتفجيره، لأن البديل عن الحكومة الحالية يعني الذهاب الى الفوضى.

ورأى هؤلاء ان إستحالة تشكيل حكومة جديدة مرده الى الموقع المستجد للزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي يحرص على بقاء الحكومة الحالية كونها «صمام أمان» داخلي نظراً لمكانة «حزب الله» فيها، لكنه لن يوفر النصاب السياسي والدستوري لحكومة اخرى بـ «شروط» سورية.

في موازاة ذلك، بقيت الأنظار شاخصة الى تطوريْن ذوي بُعدين سياسييْن بامتياز يتّصلان بالتموْضع الجديد لرئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط سواء في علاقته مع النظام السوري الذي بات «رأس حربة» لبنانياً في مهاجمته ودعوته الى «الرحيل»، او في حركته الداخلية حيث بدأ ينفّذ منذ فترة عملية «إعادة انتشار» سياسية، ربطاً بتطورات الأزمة السورية، جعلته يبتعد عن قوى8 آذار التي كان امّن لها نصاب أكثريتها بما أتاح لها إقصاء الرئيس سعد الحريري عن رئاسة الحكومة ويقترب من «الحلفاء القدامى» اي قوى «14 آذار» وفق معادلة قوامها عدم الخروج من الاكثرية بما يعني فرط الحكومة وعدم تمكين الغالبية في الوقت نفسه من استخدام «أنيابها» بوجه «14 آذار» في مجلس النواب.

وهذان التطوران هما:

• حضور «طيْف» جنبلاط وموقفه من الازمة السورية خلال اللقاء التشاوري الروحي المسيحي - الاسلامي الذي انعقد اول من امس في مقر البطريركية المارونية، وتحديداً خلال المناقشات حول بند سورية في البيان الختامي الذي تأخّر صدوره لنحو ساعتين نظراً الى اعتراض شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن على هذا البند ودعوته لإضافة عبارة «الدعوة إلى حل سياسي سلمي في سورية الشقيقة انطلاقاً من مبادرة جامعة الدول العربية، مشيراً الى أن مسودة البيان لم يتم توزيعها مُسبقاً على الرؤساء الروحيين خلافاً للمتعارف عليه.

وأشارت معلومات الى ان طلب الشيخ حسن في ما خص بند سورية قوبل برفض من نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان، في حين فضّل مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني البقاء في العموميات.

وجاء موقف شيخ عقل الطائفة الدرزية ليلاقي «الرسالة» التي كان وجّهها جنبلاط الى اللقاء الروحي قبل انعقاده اذ حذّر من أي بيان يصدر «لا يحدد بوضوح في بند الأزمة السورية ضرورة تأكيد الحل السياسي الانتقالي وفق مبادرة الجامعة العربية ويطلب وقف العنف الذي يمارسه النظام السوري دون أن يقع في مطبّ المساواة في تحميل مسؤولية العنف داخل سورية»، علماً ان تقارير اشارت الى ان رئيس طائفة الموحدين الدروز كان خلال اللقاء الروحي على تواصل مع رئيس «جبهة النضال».

• اما التطور الثاني فتمثّل في «عودة» جنبلاط الى «14 آذار» للمرة الاولى «انتخابياً» منذ اعلانه الخروج منها اذ وضع «اليد باليد» مع تحالف قوى «انتفاضة الاستقلال» في الانتخابات الفرعية لاختيار خمسة اعضاء جدد لنقابة المهندسين في بيروت ما اتاح للائحة التابعة لـ «14 آذار» و»الجماعة الاسلامية» تحقيق فوز كاسح بنتيجة خمسة لصفر على اللائحة المدعومة من التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل.

وفي موازاة «استعادة» فريق «14 آذار» لنقابة مهندسي بيروت التي كانت شهدت قبل اقل من عام تحقيق «8 آذار» وبفضل كتلة أصوات مهندسي النائب جنبلاط فوزاً كبيراً، نجحت عبره في ايصال ايلي بصيبص الى مركز النقيب، تركّزت القراءات لهذه النتيجة على «الرسالة» التي وجّهها جنبلاط الى «8 آذار» ولا سيما ان ما حصل يؤشر الى فرز سياسي يشكّل امتداداً لسلوك الزعيم الدرزي الذي ينتهجه منذ اشهر.

وعكس موقع «الحزب التقدمي الاشتراكي» الالكتروني حماوة «الموقعة الهندسية» في بيروت التي كانت «على المنخار» اذ وصفها بأنها «معركة تعتبر من أصعب المحطات الإنتخابية في تاريخ المنافسة الديموقراطية في نقابة المهندسين»، معتبراً ان نتيجتها افضت الى «إعادة التوازن الى مجلس النقابة».

وفي غمرة هذه التطورات، بقي حبس الانفاس يسود المشهد السياسي ولا سيما الحكومي عشية «الجلسة الملغومة» لمجلس الوزراء غداً والتي ينذر بتفجيرها الخلاف المستحكم بين ميقاتي ووزير الطاقة جبران باسيل (صهر العماد ميشال عون) ومعه الوزير الصفدي حول مشروع استئجار بواخر لتوليد الطاقة الكهربائية يصرّ عليها الاخيران فيما يتمسك ميقاتي بخيار بناء معمل لتوليد الكهرباء في غضون سنة بما يعتبر انه يكفل حلاً جذرياً بكلفة نحو 480 مليون دولار تكاد توازي نصف المبلغ لتكلفة البواخر على مدى خمس سنوات.

وينتظر ان يعرض على جلسة الوزراء التقرير الذي وضعه ميقاتي ويتضمّن في اجزاء منه علامات شكوك معينة على مناقصة استئجار البواخر، علماً ان ميقاتي رمى الكرة في مجلس الوزراء الذي ترك له «القرار» والفصل بهذا الملف على قاعدة «لا نريد ترقيعا للحلول بعد اليوم بل حلاً نهائيا»، معلناً «أنا رجل مؤسسات. في كازاخستان ركبوا وحدات ولدت 600 ميغاوات من الكهرباء في خلال ستة اشهر، وفي الكويت ايضا. لتتم مناقشة الموضوع ضمن مناقصة شفافة. فهل هناك شركة واحدة تصنع توربينات توليد الكهرباء؟».

وفي ملف «مفخخ» آخر، وعلى وقع الاضراب الذي نفذه المحامون في بيروت احتجاجا على عدم تعيين رئيس لمجلس القضاء الاعلى، اختار وزير العدل شكيب قرطباوي وضع الحكومة امام مسؤولياتها فاعلن رفع اسم أحد القضاة إلى مجلس الوزراء لتولي رئاسة «القضاء الأعلى»، معرباً عن أمله في الوصول الى إتفاق.

ولم يتأكد اذا كان هذا الملف سيُبحث غداً ولا سيما في ضوء استمرار الخلاف حوله بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان والعماد ميشال عون اللذين يخوضان شد حبال قاسياً على التعيينات في المناصب المسيحية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي