لغة الأشياء / كلمات خجلى لكرم الزيتون

تصغير
تكبير
| باسمة العنزي |
لم تكن صورة عادية تلك التي صبغت نهاري بالضيق، صحف الصباح التي تقدم لنا أخبار العالم مع طبق إفطارنا كانت قاسية على قرائها عندما وضعت على صفحاتها الأولى صورة طفلين من ضحايا مجزرة كرم الزيتون في حمص وقد قتلا بوحشية، مع أشارة ممعنة في وصف بشاعة ما حدث، كلا من الطفلين تبول على ثيابه قبل موتهما من شدة الخوف!
شعور بالعجز غمرني أنا التي كنت أستعد لممارسة طقوس يومي باعتيادية، الأبرياء يذبحون ويروعون والعالم يتفرج بنظارات سوداء خوفا من أشعة شمس الحقيقة. نعم نحن نعجز عن تقديم حلول أو منع أذى أو المساعدة في تجفيف دموع تسقط كالمطر على أرض بلون الدم. نحن نتعاطف وربما نعبر عن ذلك بعبارات تخترق يومنا عدة مرات، قبل أن ننسى محنة الآخرين ونعود لمزاولة حياتنا، وكأن ما يحدث لا يعنيننا الا بدرجة بسيطة تتغير تبعا لسماكة الذاكرة. في الهم كلنا يختبئ في زاويته الخاصة، محصنين أرواحنا في صناديق زجاجية عن كل ما يخدشها من صيحات الألم، وكل ما يعكر صفوها من مشاهد الدمار. نسمح لضمائرنا بالنحيب المؤقت قبل أن نعود لذواتنا المهزومة.
أي خوف كابداه قبل الرحيل؟! أي وحوش استطاعت أن تروع الطفولة في سورية؟! أي شعب عظيم هذا الذي يعاني ويلات الاضطهاد وتجرع أطنان الجرائم بحقه؟! أي مصير ينتظر أهالى الضحايا، وأي كوابيس ستغلف ليالي الثوار الذين دفعوا أرواحهم فداء لوطن أكبر من حزب البعث الوضيع و زمرته الفاسدة؟!
الصورة المشبعة بالحزن داهمت يومي، لم تغادرني و لا أظنها، تغلغلت لآخر أوتار الانسانية وحاصرت مشاعر أمومتي، لاحقتني بطلائها الأسود وتشظي القهر فيها، لم يصر الطغاة على جعل الأطفال وقودا لمحرقتهم؟!
كيف لسيدات البعث أن تنام أعينهن دون أن يشعرن بالذنب؟! هل يعقل أن منهن أمهات! بشار... المبشر بجهنم وبئس المصير أي مجرم هو و أي سلالة من المجرمين سيترك وراءه؟! هل تشاهد أسرته ما يحدث للأحرار خارج اسواره العالية... هل يملك إجابات لأطفاله فيما لو سأله أحدهم لم أمرت بالتعذيب والتمثيل بالجثث، لم زرعت الرعب وهدمت الجوامع والبيوت والسدود،لم أبكيت أشجار الزيتون ورقص حزبك التعس فوق آهات الملايين؟! أدوات الاستفهام كلها تقف مذعورة مما يحدث للأبرياء في سورية. لا منطق يتحكم في الحدث ولا حكمة ترتجى من الطغاة الذين سيركلهم التاريخ لمزبلته قريبا.
الطفلان اللذان توسدا الأرض بملابس مبللة، عصفورا الجنة اللذان غادرا على أيد جيش كان من المفترض به حمايتهما، هل يكفي أن نقلب الصفحة ونحاول نسيان الأمر، وكأن ما حدث ليس الجريمة الأولى بحق الانسانية المبتلاة دائما ببشر مشوهين أو سلبيين وآخرين متعاطفين لا يملكون عصا سحرية تحول الشر لخير في نهاية الحكايات الطويلة الموشاة بالدموع والمدببة بشوك الظلم. هل يكفي انقباض القلب من صور غارقة بالدماء، ودعوات بانفراج الهم وأمنيات بيضاء بسلام دائم يغمرنا.
لا أظن الكلمات مهما بلغ صدقها كافية للتعبير عن التعاطف مع الضحايا، كما لا أظن أن كل الاستنكارات قادرة على وقف جنون البعث في سورية!
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي