قرارات السياسة الخارجية لروسيا تسير وفق الخصائص الشخصية لطفولة رئيسها

بوتين الحالم بعودة أمجاد الاتحاد السوفياتي ... حفيد طباخ لينين وستالين

تصغير
تكبير
| إعداد عماد المرزوقي |

يحب أن يكون على شاكلة بطل لعبة «ستريت فايتر»، يحب كثيرا الصيد بالبندقية ويحلو له اقتناص فريسته وهي ما زالت تطير في السماء، يحب رفقة كلبه الأسود في رحلات الصيد، يعشق الركوب على الخيل، ولا يخجل اذا ارتدى لباس «راعي البقر» الأميركي. يحب الظهور بجسد قوي، وملامح صارمة، لا يمانع في ايجاد كل الأعذار للتبرك بقبعة جوزيف «ستالين» زعيم روسيا الأسبق.

فلاديمير بوتين... رئيس روسيا الجديد القديم (حفيد طباخ لينين وستالين)، الذي قالت عنه صحف أميركية انه يحمل في أفكاره حلم اعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي وسعادته الكبرى أن يقول لا لأميركا، وهذا ما تبين أخيرا في معالجة الأزمة السورية، فكل العالم من ضمنه الولايات المتحدة الأميركية وقف في جهة ورسيا والصين في جهة أخرى.

شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مثيرة للجدل وتحوم حولها الكثير من نقاط الاستفهام التي بقيت غير معروفة وغير واضحة المعالم بل تحتوي على أسرار ربما يحتفظ بها في أرشيفه الخفي منذ أن كان في الاستخبارات الروسية «كي جي بي».

يحمل عقلية محارب الشوارع، هكذا وصفه موقع «أوبن ديموكراسي». شخصية بوتين كانت عاملا مهما في سلوك روسيا في جورجيا. طفولته في أهم شوارع سان بيتسبرغ علمته مصارعة مصيره للخروج من اي مأزق»، يقول ديميتري تارفين، مدير البحوث في الجامعة الأوروبية بسان بيتسبرغ بمركز دراسات الحداثة. وذكر ترافين في تقرير على موقع «أوبن ديموكراسي»، ان العزلة الروسية من المجتمع الدولي بدأت منذ 2008 وكانت تحددها الظروف الموضوعية. ومع ذلك، لعبت أحد العوامل الذاتية في شخصية بوتين دورا مهما للغاية في تموضع روسيا اليوم.

عميل سري في ألمانيا

ولد بوتين عام 1952 في ميناء الاتحاد السوفياتي الشمالي وعاصمة الثورة البلشفية لينينغراد (سانت بيتسبرغ حاليا)، وكان بوتين، هو نفسه اعترف في سيرته «الشخصية الأولى أنه كان في « طفولته «همجيا». تعلم فنون الدفاع عن النفس بينما كان في المدرسة، هذا ما كشفه فيلم وثائقي ألماني أخيرا.

غريزته للبقاء على قيد الحياة، من المرجح أنها الخاصية المميزة حسب موقع «ريانوفوستي» التي قد يكون ورثها من جده الأب، سبيريدون بوتين، الذي عمل طباخا لدى كل من لينين، وبعد ذلك ستالين.

«ليس الكثير من الناس الذين كانوا حول ستالين في كل وقت تمكنوا من الفرار سالمين»، قال بوتين بعد وقت قصير من توليه الرئاسة. واضاف «لكن جدي فعل ذلك».

بعد الجامعة، انضم بوتين الى وكالة الاستخبارات الروسية «كي جي بي»، وأوفى بذلك حلم الطفولة في الحقبة السوفياتية كعميل سري اشتراكي. لكنه لم يكن جيمس بوند السلافي، بل كان يؤدي مهمة استخبارات عادية في دريدسن ألمانيا الشرقية وكانت مهمته السرية الخارجية الوحيدة.

أثناء وجوده في ألمانيا الشرقية بدأ الاتحاد السوفياتي ينهار. نتائج إصلاحات زعيم الحزب الشيوعي ميخائيل غورباتشوف أدت حسب تعبير عاطفي لبوتين في وقت لاحق الى «أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين».

لدى عودته إلى روسيا، وجد بوتين عملا في مكان سانت بيتسبرغ حاليا مع واحد من المحاضرين في القانون، رئيس بلدية المدينة اناتولي سوبتشاك. كما يعول الرئيس بوتين على الصداقات والمعارف التي كونها في مدينة طفولته، واتضح ذلك عند تعيين كبار المسؤولين، فزميله اليكسي كودرين عينه لاحقا وزير المالية وصديقه الأشهر على الاطلاق ديمتري ميدفيدف اختاره خليفته في الكرملين.

في عام 1996، عين بوتين في الكرملين كنائب رئيس قسم إدارة الممتلكات، وارتفع بسرعة من خلال الرتب قبل أن يعين رئيس جهاز الامن الفيدرالي فى يوليو 1998. و قاد المجلس الأعلى للأمن في روسيا حتى عينه يلتسين رئيسا للوزراء بعد عام واحد.

لكن الروس يقولون «لا يوجد شيء من هذا القبيل كعميل في المخابرات السوفياتية السابقة» ويعتقد محللون أن عمل بوتين في الاجهزة الامنية كون له رؤية للعالم لا يمكن الرجعة فيها».

وقال المحلل الأمني في موسكو اندريه سولداتوف انه لا يعتقد أن نظرية بوتين للحكم «الناس يمكن أن تعمل بشكل مستقل، وأنهم جميعا عملاء لشخص ما أو لآخر» على الأرجح أن تغيرت خلال فترة وجوده في الكي جي بي».

الحنين إلى الاتحاد السوفياتي

في ظل العزلة المفاجئة التي اختارها منظر سياسات روسيا، اهتم بوتين في العقد الماضي بتعزيز النمو الاقتصادي، وسعى دعم انتاج النفط والغاز. ويبدو أن بوتين كان يدرك حسب رواية ترافين أن عوامل القوة الاقتصادية هي التي تعطي الكرملين قدرة كبيرة للمناورة السياسية. وذكر ترافين أن اعتماد أوروبا على موارد الطاقة في روسيا تخفف من عواقب أي سياسة خارجية ضد روسيا. المستهلكون لموارد الطاقة حذرون من مواجهة على الأرض ضد روسيا من دون سبب وجيه، يقول ترافين.

ويبدو أن المؤشرات الايجابية للاقتصاد الروسي خصوصا مع تزايد مستويات انتاج النفط والغاز كانت كافية لاخراج سر بوتين الى العلن. الرجل يبدو أنه يريد تحدي القوى العظمى لأنه يعتقد أن روسيا قوة يجب أن تهابها بقية الدول الكبرى، هذا ما ذهبت اليه تحليلات موقع «ريا نوفوستي» الذي تحدث عن بوتين كرجل ودولة ومصير.

خرجت رغبة بوتين لوضع روسيا على الخارطة السياسية من جديد بعد أن دعم اسسها الاقتصادية. الى ذلك فان بوتين مهتم جدا بتوسيع هيمنة روسيا على دول الاتحاد السوفياتي السابق، خصوصا جورجيا، أوكرانيا والشيشان.

بعد 13 عاما كحاكم روسيا رئيسا ورئيس وزراء، وثاني رئيس لروسيا الفيدرالية بعد بوريس يلتسين، يبدو أن بوتين خبر تفاصيل الكرملين جيدا ويتحكم في كل زمام الأمور ويريد فتح الملفات القديمة في ظل حكمه الجديد وهو عودة الامبراطورية الروسية التي قال سابقا ان انهيارها هي أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين.

وقد عمل على تحقيق النمو الكبير في الدخل الحقيقي لسكان روسيا أيضا لصرف الناس عن السياسة. «ذلك يتيح لهم الوهم بأن كل شيء يسير على ما يرام في البلاد، الى ذلك فان تدهور علاقات روسيا مع العالم الخارجي لن تؤثر عليهم حسب «اوبين ديموكراسي».

الغريب في الأمر أن سياسة بوتين المتشددة كانت لها شعبية في روسيا، في السنوات الأخيرة، يقول ترافين. العديد من المواطنين يشعرون بأن وضع روسيا قد تحسن بالمقارنة مع السنوات الصعبة في 1990. ان الروس حسب اعتقاد ترافين «يعتقدون أن مكانة البلاد تتعزز من خلال قدرة بوتين على الدفاع عن مصالحها الوطنية والهجوم على العدو بين الحين والآخر. فإنه ليس من المستغرب أن الكرملين يلعب هذا الدور لتعزيز موقفه. وقد اعتبر الرأي العام الروسي الحرب منتصرة عندما اراد بوتين اقامة سلطته في الشيشان وغزوجورجيا في أغسطس 2008.

وقد لعبت السياسة الأميركية في منطقة البلقان ومنطقة الخليج أيضا دورا مهما في تغيير أفكار الروس حول الخير والشر في مجال العلاقات الدولية.

في 1990 و1980، اثر حراك الغرب من أجل الديموقراطية معنويا على الكثير من المواطنين من روسيا الذين أيدوا الإصلاحات. الا أن هذا التأثير فقد بعد غزو جورجيا مع غزو العراق والتهديدات ضد ايران. فهم يقارنون دعم الغرب لاستقلال ابخازيا واوسيتيا الجنوبية مع الاعتراف باستقلال كوسوفو من قبل العديد من الدول الغربية.

العوامل السياسية والاقتصادية والمحلية والدولية تضافرت كلها لتشجيع بوتين إلى اتخاذ إجراءات جذرية مما أدى إلى عزلة دولية متزايدة. ومع ذلك، تم اتخاذ قرارات السياسة الخارجية لروسيا وفق الخصائص الشخصية التي تعود الى طفولة بوتين. لكن في روسيا اليوم، حيث سلطة بوتين عالية جدا، يتم تحديد سلطة الحكومة والأحزاب السياسية الرائدة على وجه الحصر تقريبا من التأييد الشعبي لزعيم ما يسمى وطني، وهذه الصفات الشخصية تلعب دورا أكثر أهمية في تحديد سياسة السياسي.





قتال الشوارع



مثل العديد من الأطفال هذه الأيام، كان بوتين يمضي وقت فراغه خارجا في الفناء، مع الأولاد من النوع الخشن جدا. كان صبيا فولاذيا كما لم يخل من الغرائز النبيلة. وحسب ترافين «جميع الذين عرفوه تقريبا عندما كان طفلا يتذكرون انه كان سندا للضعفاء، وذلك على الرغم من انه كان قصيرا، وسقيم، وكان شجاعا بما يكفي لمحاربة أولاد أقوى وأثقل منه. ولكن قد يغفل المؤرخون عن حقيقة أخرى ملفتة جدة ومهمة. كان عمره 12 عاما، بدلا من سن طبيعي من 9. ونظرا لتصرفه الخشن لم يسمح له للانضمام إلى صفوف «اللينينين الشباب».

كان بوتين لا يخشى محاربة يائسة «حتى آخر قطرة من الدم»، من دون التراجع حسب ترافين. هناك الكثير من القصص عنه كمقاتل. يقول البعض انه كان مثل النمر. كانت لديه رغبة في معاقبة الأشرار دون التفكير حقا بشأن العواقب السياسية. الرغبة في الكفاح بلا هوادة، وذلك لأن الأشرار لا يفهمون إلا القوة حسب ترافين. الرغبة في أن تأخذ الأمور إلى نهايتها المنطقية.





العلاقة بستالين



فيما أدلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لفتة غير مسبوقة عن حسن النية بحضور مراسم تأبين لنحو 22 ألف من البولنديين الذين أعدمتهم الشرطة السرية السوفياتية خلال الحرب العالمية الثانية في موسكو، لم يتوان بوتين عن تقديم مبرر مثير للجدل عن المذابح.

وقال بوتين ان زعيم روسيا الأسبق جوزيف ستالين امر باعدام البولنديين انتقاما لمقتل جنود الجيش الأحمر في سجون بولندية في معسكرات الحرب في عام 1920. وقال بوتين أنذاك « 32 الف جندي تحت قيادة ستالين قد ماتوا من الجوع والمرض في المخيمات البولندية».

وهذا يؤكد حسب ترافين عدم قبول بوتين بتشويه تاريخ ستالين الذي يراه أنه كان العصر الذهبي لروسيا القوية.

وأخيرا حسب تقرير نشر على مدونة «بايبل بروفيسي»، يقاوم بوتين استنكارا واسعا لعهد ستالين. وقال «من المستحيل تقديم حكم شامل» ضد ستالين لأنه رجل ساهم في صناعة الأمة، ولعب دورا رئيسيا في هزيمة النازيين».

عدم تقديم بوتين لاعتذار إلى بولندا، يراه ترافين أن تبرير لاخراج المجازر كجريمة من جرائم الحرب، فهل يكون ذلك انعكاسا لما يحدث في سورية اي أن قتل مجازر يرتكبها النظام السوري يمكن أن تجد مبررا لدى بوتين؟
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي