لغة الأشياء / في بلاط ملك الجان!

تصغير
تكبير
| باسمة العنزي |

طرقت هدى الشوا باب أدب الطفل من المنطقة الأكثر وعورة عبر اصدارها الثاني «دعوى الحيوان ضد الانسان عند ملك الجان»، قصة ظلم الانسان للحيوانات التي كانت ولا تزال عبر استخدام قصة من الموروث و هي واحدة من رسائل «اخوان الصفا» في العصر العباسي، المستندة على فن المجادلات الكلامية وأدب المناظرة. القصة الخارجة من درج التراث يفترض أنها موجهة للفئة العمرية أكثر من اثنتي عشرة سنة، الحوار فيها غزير وينطوي على الكثير من الاشارات والرموز، بالاضافة الى الاسقاطات السياسية غير المباشرة، وامكانية تبادل الأدوار بين الانسان والحيوان في عصرنا الراهن، لتكون بين الحاكم والمحكوم في الدول التي لا تظهر احتراما لمواطنيها.

«وعندما نستغل بما فيه الكفاية

نذبح بوحشية!

لم تحولت حياتنا من الأمان والسلام الى حياة من

الاضطهاد والعبودية؟

هل حدث ذلك لأن جزيرتنا جرداء أو فقيرة؟

هل حدث ذلك لأننا فئة قليلة؟

لا... لا... لا»*

بدا في كثير من مواضع القصة ظلم الانسان وتعديه على الحيوان من دون سبب مقنع سوى ادعاءات جوفاء بالفوقية و حق استعباد الأضعف، في أرجاء العمل الكثير من القيم النبيلة تتفتح تدريجيا لقارئ يتلمس صراعا مختلفا بين عالمين مختلفين وبوجود حكم من عالم الجان. بداية الثورة كانت من الحيوانات التي لم تطيق صبرا بعدما احتل البشر جزيرتهم الوادعة إثر تحطم سفينتهم، و سخروهم لخدمتهم بلا رحمة، وما بين انعقاد جلسات المحكمة القضائية في بلاط ملك الجان الى الجلسات السرية لجماعة الانس واستئناف المحاكمة، وشهادة الشهود وتبادل الحجج والآراء واستعراض نقاط الاختلاف الجذرية، تتضح للطفل الصورة الأشمل لصراع القوي والضعيف، وهو صراع غير متكافئ كان لزاما لانهائه أن يكون الطرف المحايد بينهما من خارج عالميهما، ولو استدعى الأمر الاستعانة بالجان لفك القضايا التاريخية الشائكة بين الانسان وضحاياه من الحيوانات.

«لا أحد يستحق هذا الاستعباد وهذا القهر،

لا حيوان... لا جان... لا بشر!

أشاطركم أحزانكم وآلامكم،

وبالعدل والانصاف ستتحقق آمالكم»*

وفقت الشوا في اختيار الموضوع لعمقه وما يحمله من قيم سامية، وفي مزج التراث بقضايا راهنة بطريقة ذكية وغير مباشرة، اللغة كانت متقدمة بعض الشيء على الطفل رغم جمالها وصفائها، والحوار كان طويلا في بعض المواضع مما قد يفقد الطفل انتباهه وتشويقه، الأسلوب المنطقي في تسلسل الأحداث تم مطه في النصف الثاني من العمل، العنوان بدا طويلا لعمل موجة للطفل بالدرجة الأولى، الرسومات أيضا رغم مغايرتها وفخامتها لم تخدم العمل الذي يقرأه الطفل لبعدها عنه.

الغريب أن العمل الصادر قبل الثورات العربية بفترة بسيطة، يمكن القارئ من تتبع ثورة المظلومين فيه على الطغاة وربط كل تفاصيلها ونبرة الرفض فيها بالثورات العربية، مع الفارق أن الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لا يمكن مقارنتهما بعدالة وحكمة ملك الجان قبل أكثر من ألف عام!





* من «دعوى الحيوان ضد الانسان عند ملك الجان» للكاتبة هدى الشوا، دار الساقي 2010، الكتاب كان على اللائحة القصيرة لجائزة الشيخ زايد لأدب الطفل 2012.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي