| د. فهيد البصيري |
لقد حيرنا الساسة والمثقفون الخليجيون، فمرة يقولون نحن اتحاد خليجي ومرة يحلفون بالله أننا نجسد الوحدة الخليجية بكل معانيها، ومرة يقولون نحن فيديرالية وفي الخفاء يقولون: ومن قال لكم ذلك إننا لسنا سوى كونفيديرالية! وكنت أتمنى أن يرسونا على بر، ولكن يبدو أنهم لم يقرؤوا في السياسة إلا كتاب الأدب الصغير والأدب الكبير لابن المقفع، وكان يزخر بالحكم والمواعظ للسلاطين ومن حولهم ومع ذلك لم تفده كتبه ولا أدبه و قتله الخليفة ابو جعفر المنصور شر قتله.
و اليوم فك الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله وأبقاه طلاسم الساسة والمثقفين وفضحهم وقال ما لم يتجرأ الساسة على قوله، وأوقف الضحك على الذقون، فدول الخليج اليوم على المحك ويجب أن تفعل شيئا لتحريك المياه الراكدة.
فطوال عقود من الزمن لم يستطع مجلس التعاون الخليجي اتخاذ قرار موحد تجاه عدد من القضايا المصيرية الواضحة، إذا ما استثنينا مرحلة غزو الكويت حيث كان الإجماع دوليا أيضا، ولا أدري على ماذا كنا نحتفل كل عام عندما كنا نمسي على أغنية «خليجنا واحد»، ونصبح مذهولين على أنشودة أنا الخليجي وكأننا للتو اكتشفنا انتماءنا بعد سنين من الضياع! فهل كنا نكذب على أنفسنا، ثم ماذا كنا نفعل طوال السنين؟
والحقيقة أن مجلس التعاون لم يكن سوى نموذج لاتحاد أخلاقي، يعني أنت ومروءتك، ولا تضمنه سوى الأخلاق العربية فقط، وكان يضبطه الحياء، ولكنه لم يعكس في يوم ما تطلعات الشعوب في دول المجلس، ومع ذلك صمد وانهارت منظومات دولية أكثر عراقة منه وأكثر صلابة، ما يدل على أن المنظومات الأخلاقية أكثر بقاء من المنظومات السياسية، وهو شيء طبيعي فالدين وهو منبع الأخلاق أبقى من السياسة، ولكن المجلس لم يكن ذا تأثير سياسي على المستوى الخارجي ولا حتى الداخلي، بل ان هناك خلافات واضحة بين أعضائه، وحتى دورة الخليج لكرة القدم التي بقيت صامدة لتمثل الروح الرياضية لدول مجلس التعاون يقال انه غير معترف بها دوليا، ومع ذلك كنا ندخل الدورة أشقاء ونخرج منها أعداء.
وما تريده شعوب دول الخليج اليوم هو تفسير منطقي لطبيعة وصلاحيات مجلس التعاون الخليجي وحدوده، و(بالمرة) ما منجزاته خلال ثلاثين عاما من العمل والزيارات والمؤتمرات؟، ووزراء (قادمون) ووزراء (رائحون) وبيان افتتاح، وبيان اختتام، وسلام خذ هنا وسلام خذ هناك، ولكي أكون منصفا، فأنا حتى هذه اللحظة لا أعلم ماذا كنا نصنع طوال تلك السنين الطوال، ورغم سعادتي بما قام به الملك عبدالله عندما استفز السياسيين، إلا أنني أخشى من ترجمة هذه الطموحات، فالموضوع يحتاج إلى دراسة وبحث متأن وأعتقد أن القاعدة موجودة في دراسات مجلس التعاون السابقة، ولا أعلم لماذا لا يتم تطوير المنظومة القديمة لتصبح أكثر صلابة والتزاماً بدلا من البحث من جديد وعلى المجهول؟ خصوصا أننا لا نعلم أو لم نتفق على ما نحن مقبلون عليه، وهل المقصود بترجمة الطموحات الجديدة هو جعل دول الخليج دولة واحدة أي فيديرالية، أم هو اتحاد من نوع معين تحكمه اتفاقيات محددة أي كونفيديرالية؟، والأكيد مما سبق، أن مجلس التعاون بشكله الحالي لم يعد كافيا لمقتضيات المرحلة الراهنة فما بالكم بالمقبلة، والأكيد الثاني، أن الدخول في مرحلة أكثر اندماجا وتوحدا يعني تخلي الدول الخليجية كلها دون استثناء، أي حكوماتها عن بعض صلاحياتها لمنظومة الاتحاد الجديد، أو المجلس الخليجي المجدد، وهي عملية صعبة التحقيق إن لم تكن مستحيلة نظرا لطبيعة النظم السياسية في هذه الدول، ومن هنا ليس أمامنا من خيار سوى الكونفيديرالية والتي هي ما نحن عليه اليوم، ولكنها تحتاج للتنفيذ والالتزام وهي ما كان ينقص مجلس التعاون الخليجي، فخلونا على الأقل ننجح في الكونفيديرالية الحالية لكي نفكر في الفيديرالية، وبعدها وبعد عمر طويل سنصبح مثل أميركا أي الولايات المتحدة الخليجية.
Fheadpost@ gmail.com