| د.مبارك الذروه |
الشيخوخة مرحلة متأخرة من العمر، تتصارع فيها ذكريات الأمس مع قلق ما بعد الرحيل. شريط الذكريات لا يعود الا لمزيد من الحزن والأسى على ماضٍ تولى! أما الشباب فهي مرحلة مبكرة من العمر، تتنازع فيها تطلعات المستقبل مع واقع لا يقل مرارة عنه!
الامم عندما تشيخ فإنها تعيش ماضيها، تفتش عن تراثها، كثيرا ما تلتفت الى أمجاد الأوائل، وتردد (اولئك ابائي فجئني بمثلهم)!! ربما هي حالة من الهروب أو النكوص... للوراء! تزداد حالة النكوص الى الماضي كلما اشتدت وطأة الحاضر وتعكر صفو الزمان... ففي العودة الى الأطلال راحة، ولهو، وحنين وشيء من التعويض النفسي، والنفس تأنس بملذات الصور القديمة والمشاهد السارة، لكن الزمن لا يقف، والركب لا يلتفت الى الوراء، والتحديات كثيرة!
احد الشباب استدرك حالة النكوص تلك فأنشد (ليس الفتى من قال كان ابي... بل الفتى من قال ها أنذا)!! لكن هل الأمم تعيش فعلا كالأفراد، تحيا كما يحيون وتزهو وتعيش ثم تموت مثلهم؟ أم انها كلمات الفلاسفة وقياسهم الخلدوني... لننظر؛ الأمم عندما تعيش شبابها تنطلق الى الامام، تتأمل تفكر تبدع، تعشق الحرية وتحب الحياة...
الدول المتخلفة حديثها اليومي عن السياسة والدول المتقدمة مشغولة بالتنمية والاقتصاد.. هكذا يقولون! الأمم المتخلفة تعيش مرحلة الشيخوخة التي يكثر فيها الخلط الذهني وتغيب فيها القوة والنشاط. تضعف إرادة الذات وتفتقد القدرة على اتخاذ القرار، انها نهاية الحياة وقرب الرحيل..! والأمم المتقدمة تعيش مرحلة الشباب اليقظ الواعد، تكثر في عهده حوارات البناء وإنجازات التنمية وتقوى الثقة بالنفس والقدرة على التحدي والطموح، وكل يوم جديد هو بداية نجاح وفصل من السمو!
لكن الا تعتقدون اننا نشاهد شيوخا وكهولا بقلوب شابة نشطة؟! كما اننا نشاهد شبابًا يافعا بقلوب أصابها الوهن واثخنها اليأس؟! نعرف دولا شاخت وكادت ان تموت لكنها استعادت شبابها مرة اخرى بعبقرية مذهلة... لتقول للعالم انها هنا... اليابان التي دمرت في الحرب العالمية الثانية، المبعثرة، المحترقة، ها هي تعود شابة من جديد! بمنتجاتها وطاقات أبنائها. المانيا المنهزمة بعد 1945 وتدمير بنيتها التحتية وتحطيم إرادتها النازية والجنس الآري الذي لا يقهر، تعود شابة أقوى مما سبق! بمصانعها وتطورها الطبي والتكنولوجي المذهل...!
ان القلوب الحية لا تشيخ. والشباب المريض الخاوي هو شكل بلا مضمون.. وجسم بلا روح! نعم تستطيع امتنا ان تستعيد عافيتها من جديد، وها هي تعود، ببطء، لكنها تحاول، تريد من يعينها على الوقوف على قدميها.
والكوت الصغير، يحاول ان يستعيد نشاطه، عافيته، دعوه ينهض، ها هو يحاول ان ينظر من نافذة الحياة الى شمس المستقبل، فافتحوا النوافذ له، واعطوا الطريق حقه.
Twitter:@Dr_maltherwa