ولاء راسخ... فرعه في السماء

تصغير
تكبير
| بقلم: فاطمة إحسان صادق |

منذ الكلمات الأولى التي نلقنها لأطفالنا و نحن نغرس فيهم اتجاهاتنا وخلاصة تجاربنا الحياتية على مدى تراوحها بين الإيجاب و السلب، منذ اللحظات الأولى للقائنا بأشخاص جدد ننقل إليهم صورة ما عن طبيعة تلك القيم المتأصلة في أحاديثنا وسلوكنا، وسواء تعمدنا ذلك أم لا، فنحن كبشر نخطئ أحياناً في التمييز بين القيم الموضوعية، تلك التي يمكننا القول بنفعها أو ضررها العام علينا وعلى الآخرين، وبين القيم الشخصية التي نتوصل إليها من خلال تجاربنا الماضية، ونعمم ما توصلنا إليه على تجاربنا المستقبلية بل وعلى الآخرين أيضاً في إطار قد نتجاهل فيه خصوصية ظروفهم.

بالرغم من اتساع المساحة الرمادية بين كل من القيم الإيجابية والقيم السلبية، تظل للقيم الأصيلة كالولاء و الانتماء مكانتها المميزة في منظومة القيم، تسعى كل المجتمعات لتعزيزها في نفوس أبنائها بطرق و أساليب مختلفة تحكمها الموروثات الدينية والاجتماعية من جهة، وما اعتنقته هذه المجتمعات من الاتجاهات و الأفكار من خلال الانفتاح على آخر ما توصلت له البشرية من المعارف عن طريق وسائل الاتصال الحديثة، من ناحية أخرى.

يُعد الولاء من القيم التي يُطالب الفرد دائماً بالتمسك بها، وهو من القيم المعروفة بين الناس لكن عدداً قليلاً منهم يفهم معناه الحقيقي و يدركه بوصفه محور كل الفضائل، بالتالي لا يمكن غرسه في نفوس الغير بصورة صحيحة إلا إذا كان مبنياً على أسس واضحة، فكل أنواع الولاء سواء كان للوطن، ولأي منظومة ثقافية كانت أو اجتماعية أو دينية لها مبرراتها التي تقنع الآخرين وتجذبهم لاعتناق هذا الولاء.

على امتداد مراحل العمر، تختلف الأساليب المتبعة في إقناع الآخرين وكسب تأييدهم، في عملية غرس القيم والمبادئ العليا كالولاء تلعب التنشئة الاجتماعية من الأسرة و المدرسة في الصغر دوراً بارزاً في جعل هذه القيم جزءاً من كيان الفرد و شخصيته، بحيث تظل ثابتة مهما مر عليه من المواقف ومفترقات الطرق التي تتطلب اختياراً بين وجهة ولاء الفرد الأصلية وبين توجهات مختلفة أخرى، فمثلاً عندما يرى الطفل أن سلوك الولاء للوطن عند والديه ومعلميه يمنعهم من الإساءة إلى رموزه ومن الخوض في مسببات الخلاف بين أفراده، فإنه يكتسب هذا السلوك تلقائياً ويسعى للثبات عليه إذا لم تكن تيارات القيم المضادة في المجتمع أقوى من ولائه وانتمائه.

إلى جانب التنشئة يضاف دور المؤسسات الثقافية الدينية كعنصر فاعل في رسم ملامح الولاء للمجتمع في مرحلة لاحقة تلي مرحلة الطفولة على وجه الخصوص، فالمساجد التي تتضمن خطبها الدينية استثارة إيجابية للطاقات الشبابية بأساليب حديثة تتماشى مع التوجه الجديد والذكي لبرامج التدريب القيادي و غيرها، تلقى صداها كدافع للتحرك في سبيل تنمية المجتمع، بوجود خلفية متكاملة عن قيم الدين التي كانت دوماً ومازالت تحض على الولاء بصفته مثيراً لنوازع الخير المتمثلة في تحقيق المصلحة العامة وكل ما فيه خير للإنسانية بوجه عام. وتشترك المؤسسات الثقافية مع المؤسسات الدينية في هذا الهدف لكنها تتبنى طرقاً مختلفة في تحقيقه، فهي تهتم بالجانب التنويري والمعرفي بشكل أكبر، و تسعى للانفتاح على تجارب الثقافات المعاصرة للأخذ من قيمها الفاضلة بما يتناسب مع طبيعة الثقافة المحلية، وتجدر الإشارة مجدداً إلى أن الأساليب التقليدية في طرح البرامج التثقيفية لم يعد يجدي في عصر الإمكانات الهائلة للتكنولوجيا، لذا لم يعد الأخذ بالأساليب الحديثة من الكماليات وإنما هو أساس يضمن نجاح إيصال القيم السامية إلى من يتبناها قولاً و فعلاً.

أخيراً قد يتبادر إلى الأذهان سؤال عن الأسلوب الذي يحوز على نصيب الأسد من التأثير على كل فئات المجتمع، والذي يمكن من خلاله تعزيز قيم الولاء والانتماء إلى جانب القيم الأخرى، والإجابة لا تتطلب أكثر من التفاتة صغيرة إلى الأجهزة الإلكترونية التي لا نكاد نفصل تواصل حواسنا الخمس معها على مدار اليوم، والتي صار كلٌ منها وسيلة إعلامية يوجهها كل منا كيفما شاء، كل ما يمكننا إيصالهُ و نقله عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبرامج المحادثة السريعة يحمل قيماً تنعكس في ظرف ثوانٍ على من يتلقاها، والخيار متاح للأخذ بالقيم الإيجابية ونشرها في سبيل توحيد المجتمع، أو الأخذ بغيرها، وتحمّل التبعات السلبية على إثرها.





جامعة الكويت - كلية العلوم الاجتماعية
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي