عقيدة الولاء وفقه الانتماء الوطني

u0641u064au0635u0644 u0639u0645u0631 u0627u0644u0647u0627u062cu0631u064a
فيصل عمر الهاجري
تصغير
تكبير
| بقلم: فيصل عمر الهاجري |

تصاعد في الآونة الأخيرة، نفس الانتماءات القبلية، والولاءات الطائفية، والنعرات العرقية في التناول السياسي والأداء البرلماني بصورة مستمره وشكل دائم، ممّا انعكس بالسلب على كافة مناحي الحياة الاجتماعية، وأحدث شرخًا في جدار** وحدتنا الوطنية، الأمر الذي ألح بالضرورة إلى المزيد من الدعوات تجاه إعادة مفاهيم الانتماء، وثقافة الولاء، لتعزيز دور الوحدة الوطنية من جهة، ونبذ كافة الأحقاد والضغائن بين أبناء الوطن الواحد من جهةٍ أخرى!

فما أحوجنا اليوم، وخلال هذه الفترة بالذات، إلى ترسيخ مفهوم المواطنة المُثلى في نفوسنا، وخصوصًا الشباب منا والنشء، إذ أصبح جدار اللحمة الوطنية المشروخ، آيلاً للسقوط على حساب الوطن والمصلحة العامة للبلاد، وفي تقديري الشخصي، يبدو لي أن وزارة التربية والتعليم، هي صاحبة المسؤولية الكبرى في ترسيخ المفاهيم والقيم المتعلقه بالولاء للوطن والانتماء إليه في نفوس الأطفال والنشء والشباب داخل مؤسساتها ومراكزها التعليمية والتربوية، فالمرحلة الدراسية هي المرحلة الأخطر في حياتنا جميعًا، إذ تتبلور خلالها (شخصية الفرد) متأثرة بكافة ما تتناوله فيها، وما ينهال عليها بها، فإذا تمّ التعامل مع هذه المرحلة بدقة تعليمية، ومهنية تربوية، وضمير أخلاقي محايد، فمن الممكن خلق جيل مثالي في انتماءاته وولاءاته الوطنية، وما أيسر ذلك على وزارة التربية والتعليم، كيف لا وهي من عزز بداخل كل فرد من أفراد المجتمع قيمتي محبة فلسطين والانتماء لقضيتها، وكراهية إسرائيل والولاء لعدائها، ونجحت في ذلك على مدار الأجيال السابقه واللاحقه، فكان لزاماً عليها الآن، أن تقوم بهذا الدور في غرس مفاهيم المواطنة والولاء والانتماء للكويت بأسرع وقتٍ ممكن!

وإذا ما كانت وزارة التربية والتعليم، هي المسؤول الأول عن تنفيذ هذا المشروع الوطني السامي، فمن المؤكد أن هناك جهات أخرى تلعب دوراً مهما ومحورياً لهذا الأمر، فـوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، هي الأخرى مسؤولة عن مراقبة ومتابعة (الخطاب الديني) في المساجد والمراكز الدينية لتحديد مساره، والوقوف على حقيقة ما يدور في الحلقات والندوات والخطب والمسابقات الدينية، فهناك أمور ومؤشرات تدل على وجود (علة) في حراك الفكر الديني الحالي لوجود دخلاء يدسّون السمّ في العسل من خلال الممارسات المتأسلمة، وهذا محكّ أساسي مهم، لابد من الاستمرار في متابعته والقدرة على التحكّم فيه، من أجل عدم إثارة النعرات الطائفية والخلافات العقائدية والمذهبية.

أضف إلى ذلك أن الإعلام بأجنحته الثلاثة (المقروء، المسموع، المرئي) مطالب أيضًا بتحمّل مسؤولياته المهمّة في التصدّي لمواجهة الشوائب الدخيلة على المجتمع، وإعلاء قيمة الانتماء للوطن، وغرس مفاهيم الولاء والمواطنة في نفوس الأفراد، فالمواطنة لا تعني بأي حال من الأحوال، رفع الأعلام فوق المنازل أو الممارسات التي نشاهدها في الاحتفالات والفعاليات الوطنية فحسب، وإنما هي قول وعمل لا يمكن تجزئتهما، وفخر واعتزاز بالانتماء إلى هذه الأرض، والولاء لها، والتضحية في سبيلها، ومحبة كل ما ومن ينتمي إليها. وفي هذا الصدد تحضرني أحاديث البروفسور الاجتماعي منير سنو في كتابه (القيم والمجتمع) حول استخدام الأساليب المباشرة وغير المباشرة في تعزيز قيم المواطنة والوحدة الوطنية، ولنأخذ على سبيل المثال تلك البرامج الإعلامية التعليمية الموجهة للأطفال في الولايات المتحدة الأميركية، فمن المعروف أن المجتمع الأميركي هو أكثر المجتمعات العالمية المشتملة على تعدد ثقافي متباين، ووجود هذا المزيج الكبير من الثقافات المختلفة نتيجة لحداثة هذا المجتمع الذي اعتمد في تكوين بنائه الاجتماعي الهجرات السكانية المتعددة، فمن المعروف أن المجتمع الأميركي يحتوي على عدة أعراق وثفافات مختلفة، كـالسكان السود، والأصليين، والآسيويين، والمتحدرين من أصول أوروبية وغيرهم من هذا الهجين الثقافي الواسع، ولعل تلك البرامج الإعلامية الموجهة للأطفال تحديداً، قد لامست هذا الهجين في سبيل تحقيق هدف خلق التجانس العام للمجتمع والانتماء إليه، فالبرامج الموجهة للأطفال مثل برنامج (افتح يا سمسم)، وبرنامج (بارني) على سبيل المثال هي من البرامج التعليمية والقيمية التي يحاول من خلالها المشرفون عليها تعليم الأطفال بعض المهارات الحياتية، وكذلك ترسيخ مجموعة من القيم الحميدة مثل احترام الآخرين، والتعاطف تجاههم، ونشر الود والمحبة والتسامح وغيرها من هذه القيم بين أفراد الوطن الواحد، فتستخدم هذه البرامج الطرق المباشرة في عملية التعليم، ومن جانب اخر، وفي موضع مختلف تستخدم التعليم بطريقة غير مباشرة كذلك، فالامتزاج الثقافي للشخصيات التي تظهر في هذين البرنامجين واسعي الانتشار، هي شخصيات تجسد واقع المجتمع الأميركي وحقيقة أصول أفراده باختلاف ثقافاتهم وأعراقهم المتعددة، حيث نجد أن هذه الشخصيات يتحاور فيها من هو منحدر من أصول أميركية خالصة، مع الأميركي الأسود، والأميركي الآسيوي، والأميركي المنحدر من الجذور الأوروبية، فقد حرص القائمون والمعدون على هذين البرنامجين باستخدام الأساليب التربوية في غرس قيم المواطنة والانتماء للمجتمع الأصلي وهو المجتمع الأميركي المعاصر، فيتم التحاور والتناقش وعرض للمفاهيم التربوية بصورة متناغمة بين هذه الشخصيات لتعزز في نهاية الأمر روح الولاء والانتماء للمجتمع ككل. فتخصيص هذه البرامج للأطفال يتخذ اتجاهاً محدداً نحو الهدف من اقامة مثل هذه الوسائل الإعلامية التي تحقق غاية محددة تغرس في نفوس الأطفال وتنعكس بالضرورة على شخصياتهم مستقبلاً!

فالمرحلة الحالية تتطلب من وزارة إعلامنا إعداد وتنفيذ عمل البرامج الهادفة لهذا الغرض، بعيدًا عن البرامج الوثائقية التي ملّ منها المواطن، في ظل وجود أساليب وآليات جديدة، وأفكار وابتكارات حديثة في توصيل الفكر والمبادئ والرسائل الإعلامية، وذلك بعيداً عن المسلسلات التلفزيونية التي تتناول المشاكل الاجتماعية للأسر الكويتية وكأنما لا يوجد من المشاكل سوى الأسرية منها لنركز عليها، فالإعلام كما هو معروفٌ لدى الجميع، يؤدّي أدوارًا خطيرة في حياة ومصائر الأمم والشعوب، ولنا فيما يحدث الآن من انتقال الثورات العربية أسوة حسنة، فيجب إعادة النظر في الرسائل الإعلامية وما تتضمنه من مواد وأهداف، لتصبّ في اتجاه ترسيخ مبادئ ومفاهيم المواطنة الحقة بعيدًا عن التحيّز للطائفة أو القبيلة أو غيرها من تلك الأمور التي أحدثت الاحتقان بداخل المجتمع، وكادت أن تعصف بالأخضر واليابس فيه.

إن غرس مفاهيم المواطنة في نفوس الشباب مسؤولية تقع على كاهل الكثير من القوى الوطنية، ولاسيّما النوّاب والقياديون من الوزراء وغيرهم، بمعنى أن عليهم التحلي بالأخلاق الحميدة، ونشر المبادئ الوطنية والانتماء والولاء للوطن، من خلال التزامهم وتعاملهم في المواقف، ليضربوا المثل والقدوة أمام الشباب بالذات، فمن العيب أن نرى نائبًا أو غيره يخرج على شاشات التلفزيون والفضائيات ليتحدّث بكلام من شأنه إحداث فتنة طائفية، ويضرب المواطنة في مقتل، فهذا النهج مرفوض وغير مقبول، خصوصًا من نائب يمثل الأمة بأكملها، فعلى الجميع التحلي بالمسؤولية الوطنية، والحديث بكلام- خلال وسائل الإعلام- من شأنه أن يلملم شمل الكويتيين ويجمعهم على كلمة سواء، خصوصًا في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد.

ولا يسعني نسيان قضية الدور الأسري في ترسيخ مفهوم المواطنة وزرع قيم الولاء والانتماء في نفوس الأبناء، حيث يبني المرء شخصيته وثقافته منذ نعومة أظافرة، على أساس ما يستقيه من معلومات ومبادئ وفكر من الأب والأم وأفراد الأسرة ككل، فمع بالغ الأسف، يشهد واقعنا وجود أطفال لديهم ولاءات وانتماءات لدول أخوالهم أو الأصول الأولى لآبائهم كمثال، وهذه بحد ذاتها كارثة كبرى، إذ يغرس الآباء والأمهات في نفوس أبنائهم الولاء والانتماء لدولة أخرى لا ينتمي إليها ابناؤهم، ولا يمكن تغيير هذا الواقع إلا بتوعية الأسرة نفسها قبل توعية ابنائها، فإذا ما تمكنا من زراعة مفهوم المواطنة في نفوس الآباء والأمهات، نكون بذلك قد نجحنا في زرعه في نفوس الأطفال أيضاً.





جامعة الكويت - كلية الآداب

FaisaiBnOmer@
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي