قصة قصيرة / قبل أن أقفز من فوق السور!


| ياسمين أحمد مصطفى |
السماء حاجز يفصل بين عالمين... الأرض بساط يحتوي الأسرار، استقر فوقه عالم كامل من الحب والألم... ذراته تناديني... تناجيني أن أنضم إليه، أن أخطو أولى خطواتي داخله... كل ما فيه يتآمر لأحقق ما لا أعرفه... كل ما فيه يخطط لأختلط بذرات الواقع... كل ما فيه يعمل بإصرار لم أره من قبل.
ترددت قليلا... فكرت... ثم خطوت!
* * *
منذ فترة لم أر الشارع مزدحما كما رأيته اليوم... صغيرة هي الخطوة التي نقلتني من عالمي إلى هذا العالم.
للحظة خيل إليَّ أن الهواء قد امتص أصوات السيارات وأصبح يعبر عنها في كل تموجاته...!
للحظة تخيلت أن الشارع قد تحول إلى إنسان لا يملك سوى الصراخ...!
حاولت وسط هذا الجو الخانق أن أتذكر إلى أين كنت ذاهبا... ولكن كل ما تذكرته كان أنني كنت ذاهبا وكفى... كنت أهرب من شيء ما لا أدري ما هو.
حتى دفء الماضي الذي كنت أحمله داخلي، تفاعل مع حرارة الجو الشديدة ما جعل جسدي يتقد... طردت ذكريات الماضي في عنف قاس بحثا عن بعض البرودة.
أثناء تحركي الدائب إلى الأمام... تفاديت الكثير من السيارات والدخان والسباب والأطفال...!
كنت أزيح كل ما أتمكن من إزاحته لأصل إلى هدفي الذي لا أعرفه... خلعت سترتي عندما شعرت أنها تعيقني عن الحركة.
الآن أتذكر الكثير من الأحداث، حياة طويلة مرت عليّ... الآن أرى الكثير من الوجوه... أشعر بالكثير من الابتسامات، أسمع الكثير من الضحكات، تضمني الكثير من الأيادي... وتصفعني الأيام بيد أقوى من ألف يد، الكثير من الدموع... من الحب، من الأمل... من اليأس.
طفلي الأول يخطو أولى خطواته بعيداً عني... والدته أيضاً تقرر أن تعيش بعيداً عني.
أمر على البساط... أنتقل من عالم إلى عالم... أيام جديدة... وأمسيات جديدة، ووجوه جديدة.
المزيد من النجوم تتألق... والمزيد من النجاح يتحقق.
نجاح... أحلام... فــشل...!
تم...
نجاح من جديد، يليه فشل جديد ووجوه جديدة وابتسامات وعيون جديدة...!
كان سلمي غريباً حقاً... كان كهرم بلا قمة... بلا بداية ولا نهاية.
حياة طويلة حقاً قد مرت عليّ، لا أذكر عنها شيئا سوى أنها قد مرت...!
رأيت الكثير والكثير... ولكني لم أر الشارع أبدا كما رأيته اليوم...! كان يتنفس ويبكي ويصرخ ويضحك.
كان أنا...!
عشقته وتركت روحي في كل جزء منه... تركتها تذوب وسط أطنان من الهموم والحيوات والذكريات، تركتها تلهو مع الزمن وتضحك على الأيام.
ثم وصلت إلى السور...!
سور معدنى طويل من السلك... سور بدا لي هو الآخر كحاجز يفصل بين عالمين، وبالرغم من أنه من المعدن، بدا لي الآن كالدانتيل... رائقا وشفافا كحلم لم أره من قبل.
خلفه تقع قطعة أرض فضاء... بدت شاسعة كسماء من رمال... عليها تناثر أطفال يلعبون الكرة في انهماك عجيب، وكأن هذا هو هدفهم الأوحد... خلال حياتي كلها لم أشعر بسعادة مماثلة... لم أفعل شيئا بانهماك كهذا.
كنت دائما كمن يتحرك داخل جدران لا حدود لها.
الآن فقط تلاشت الجدران كما لو أنها لم توجد من الأساس... تلاشى كل شيء ولم يبق إلا تلك اللحظة التي أرغب في أن أعيشها بكل ما فيها.
الآن فقط رأيت نفسي حقا... رأيتها في وجه كل منهم... كانت تلهث مع لهاثهم وتضحك مع ضحكاتهم... كانت تترقب وتحب وتتمنى.
ببساطة وبلا تردد ولا تفكير... قررت أن...
أخطو...!
* * *
وضعت السترة على الأرض... نزعت رابطة العنق والساعة وألقيتها عليها... بحثت في جيوبي عن كل ما يتعلق بي من مفاتيح وأوراق... ورميته بكل ما أملك من قوة.
وبكل ما أملك من صبر وحرص وحماس وإرادة تسلقت السور إلى ذلك العالم.
وصلت إلى القمة من دون أن يلحظني أحد... وقبل أن أقفز من فوق السور تمنيت أن...
لا أبقى كما أنا...!
وأن يبقى الشارع كما رأيته اليوم...!
* قاصة مصرية
السماء حاجز يفصل بين عالمين... الأرض بساط يحتوي الأسرار، استقر فوقه عالم كامل من الحب والألم... ذراته تناديني... تناجيني أن أنضم إليه، أن أخطو أولى خطواتي داخله... كل ما فيه يتآمر لأحقق ما لا أعرفه... كل ما فيه يخطط لأختلط بذرات الواقع... كل ما فيه يعمل بإصرار لم أره من قبل.
ترددت قليلا... فكرت... ثم خطوت!
* * *
منذ فترة لم أر الشارع مزدحما كما رأيته اليوم... صغيرة هي الخطوة التي نقلتني من عالمي إلى هذا العالم.
للحظة خيل إليَّ أن الهواء قد امتص أصوات السيارات وأصبح يعبر عنها في كل تموجاته...!
للحظة تخيلت أن الشارع قد تحول إلى إنسان لا يملك سوى الصراخ...!
حاولت وسط هذا الجو الخانق أن أتذكر إلى أين كنت ذاهبا... ولكن كل ما تذكرته كان أنني كنت ذاهبا وكفى... كنت أهرب من شيء ما لا أدري ما هو.
حتى دفء الماضي الذي كنت أحمله داخلي، تفاعل مع حرارة الجو الشديدة ما جعل جسدي يتقد... طردت ذكريات الماضي في عنف قاس بحثا عن بعض البرودة.
أثناء تحركي الدائب إلى الأمام... تفاديت الكثير من السيارات والدخان والسباب والأطفال...!
كنت أزيح كل ما أتمكن من إزاحته لأصل إلى هدفي الذي لا أعرفه... خلعت سترتي عندما شعرت أنها تعيقني عن الحركة.
الآن أتذكر الكثير من الأحداث، حياة طويلة مرت عليّ... الآن أرى الكثير من الوجوه... أشعر بالكثير من الابتسامات، أسمع الكثير من الضحكات، تضمني الكثير من الأيادي... وتصفعني الأيام بيد أقوى من ألف يد، الكثير من الدموع... من الحب، من الأمل... من اليأس.
طفلي الأول يخطو أولى خطواته بعيداً عني... والدته أيضاً تقرر أن تعيش بعيداً عني.
أمر على البساط... أنتقل من عالم إلى عالم... أيام جديدة... وأمسيات جديدة، ووجوه جديدة.
المزيد من النجوم تتألق... والمزيد من النجاح يتحقق.
نجاح... أحلام... فــشل...!
تم...
نجاح من جديد، يليه فشل جديد ووجوه جديدة وابتسامات وعيون جديدة...!
كان سلمي غريباً حقاً... كان كهرم بلا قمة... بلا بداية ولا نهاية.
حياة طويلة حقاً قد مرت عليّ، لا أذكر عنها شيئا سوى أنها قد مرت...!
رأيت الكثير والكثير... ولكني لم أر الشارع أبدا كما رأيته اليوم...! كان يتنفس ويبكي ويصرخ ويضحك.
كان أنا...!
عشقته وتركت روحي في كل جزء منه... تركتها تذوب وسط أطنان من الهموم والحيوات والذكريات، تركتها تلهو مع الزمن وتضحك على الأيام.
ثم وصلت إلى السور...!
سور معدنى طويل من السلك... سور بدا لي هو الآخر كحاجز يفصل بين عالمين، وبالرغم من أنه من المعدن، بدا لي الآن كالدانتيل... رائقا وشفافا كحلم لم أره من قبل.
خلفه تقع قطعة أرض فضاء... بدت شاسعة كسماء من رمال... عليها تناثر أطفال يلعبون الكرة في انهماك عجيب، وكأن هذا هو هدفهم الأوحد... خلال حياتي كلها لم أشعر بسعادة مماثلة... لم أفعل شيئا بانهماك كهذا.
كنت دائما كمن يتحرك داخل جدران لا حدود لها.
الآن فقط تلاشت الجدران كما لو أنها لم توجد من الأساس... تلاشى كل شيء ولم يبق إلا تلك اللحظة التي أرغب في أن أعيشها بكل ما فيها.
الآن فقط رأيت نفسي حقا... رأيتها في وجه كل منهم... كانت تلهث مع لهاثهم وتضحك مع ضحكاتهم... كانت تترقب وتحب وتتمنى.
ببساطة وبلا تردد ولا تفكير... قررت أن...
أخطو...!
* * *
وضعت السترة على الأرض... نزعت رابطة العنق والساعة وألقيتها عليها... بحثت في جيوبي عن كل ما يتعلق بي من مفاتيح وأوراق... ورميته بكل ما أملك من قوة.
وبكل ما أملك من صبر وحرص وحماس وإرادة تسلقت السور إلى ذلك العالم.
وصلت إلى القمة من دون أن يلحظني أحد... وقبل أن أقفز من فوق السور تمنيت أن...
لا أبقى كما أنا...!
وأن يبقى الشارع كما رأيته اليوم...!
* قاصة مصرية