كشف لمراسلي الصحف العربية عن تحضيره لمؤتمر إسلامي - مسيحي بمشاركة الفاتيكان والأزهر وقم والنجف
بري: العرب لا يريدون محاورة سورية

نبيه بري مع الزميل وسام ابو حرفوش (خاص «الراي»)


| بيروت ـ من وسام أبو حرفوش |
يجمع نبيه بري بين الحنكة وخفة الظل. فاللاعب السياسي المخضرم الذي شكل «حاجة دائمة» لحلفائه وخصومه على السواء، لا تخلو «مجالسه» في البرلمان او المكتب من «قفشات» وطرائف غالباً ما تكسر «الحدة» التي صارت علامة فارقة في الحياة السياسية اللبنانية.
إطفائي، طابخ التسويات، مايسترو الحوار، الثابت بين المتغيرين، مهندس تدوير الزوايا... هذا غيض من فيض مما يقال في «مديح» الرئيس نبيه بري الذي يجلس على الكرسي عينه في رئاسة البرلمان منذ 20 عاماً بلا انقطاع، وعلى الكرسي عينه في رئاسة حركة «أمل» منذ 32 عاماً.
على مدى هذه العقود لم يخفت نجم بري (74 عاماً) الذي استمر «الرقم الصعب» في اللعبة السياسية رغم تبدل قواعدها مراراً وتكراراً، لا سيما مع صعود «حزب الله» تارة وخروج سورية من لبنان تارة اخرى وتبدل الاكثريات حيناً وتغير التحالفات والرعاة وموازين القوى وما شابه.
يعرف الرئيس بري متى يتكلم ويعرف ايضاً متى «يصوم»، فالخارج من صفوف «المحرومين» الصديق الاول للحكم في سورية وصاحب «الملكية الفكرية» لما عرف بـ «السين ـ سين»، اي سورية والسعودية، يختار دائماً القفز من الازمات الى... الحوار.
في مارس الـ 2006 وفي عز اللازمة العاصفة في لبنان دعا بري الى «كسر الصمت» عبر طاولة حوار بجدول اعمال ما زال ساري المفعول رغم «قلب الطاولة» على الحوار، وها هو الآن «يخطط» لحوار «اديان» في عز الازمات اللاهبة في المنطقة، ولا سيما في سورية.
وفي دارته في عين التينة في بيروت قصدت جمعية مراسلي الصحف العربية الرئيس نبيه بري وفي جعبتها الكثير من الاسئلة عن لبنان وسورية، عن الحوار والمستقبل، عن المتغيرات الهائلة في المنطقة والمبادرات الممكنة، فكان هذا الحوار:
• فهم انكم في صدد القيام باتصالات لبلورة تحرك أو خطة لحماية لبنان من تداعيات ما يجري في سورية والمنطقة... ما حقيقة ذلك؟
ـ من المصادفات السعيدة انه بعد هذا اللقاء معكم سأعقد اجتماعاً أولياً، أي الاجتماع «التكويني» للفكرة التي باشرت الاتصالات في شأنها نتيجة ما يجري في العالم العربي والمؤامرة التي يراد منها احداث الفتن. العروبة في خطر والعالم العربي، في رأيي المتواضع، يحتاج الآن لقانون لإلغاء الطائفية.
لبنان في تكوينه يشكل مختبراً، لبنان الـ 18 طائفة ومذهباً هو «ملتقى النهرين»، النهر الاسلامي والنهر المسيحي، وتالياً اضم صوتي الى صوت فخامة رئيس الجمهورية (ميشال سليمان) ان لبنان يجب آن يكون مركزاً للحوار الدائم، كمركز الامم المتحدة في نيويورك والمراكز الاخرى المشابهة.
أحاول بلورة هذه الفكرة وتجسيدها في مؤتمر ينعقد في بيروت، وأقوم باتصالات منذ نحو شهرين من أجل هذه الغاية، اتصالات لها طابع خاص على طريقة «تعاونوا على قضاء حوائجكم بالكتمان». وشملت الاتصالات جميع من يفترض الاتصال بهم. المؤتمر سيكون في يومه الاول إسلامياً ـ إسلامياً وفي يومه الثاني إسلامياً ـ مسيحياً، او العكس، على أن يجمع منارات الاديان في العالم، كالفاتيكان والازهر وقم والنجف، والمهم ليس المراكز بقدر ما المهم اوراق العمل، ولدي حتى الآن ورقتان، الارشاد الرسولي الذي صدر أيام قداسة البابا السابق يوحنا بولس الثاني ووثيقة الازهر التي صدرت أخيراً.
• هل سيتبنى مجلسا الوزراء والنواب الدعوة إلى هذا المؤتمر لإضفاء الطابع الرسمي عليه، وتقديم حصيلته إلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة؟
ـ عندما ينعقد هذا المؤتمر سيكون برعاية رئيس الجمهورية الذي سبق أن طرح هذا الامر في الامم المتحدة في خطاب القاه. أنا اخترت البدء بالناحية العملانية لتكريس فكرة المؤتمر وانعقاده، واعتقد ان لا أحد في لبنان يعارض هذا الموضوع، فالعيش المشترك في لبنان لم يكن يحتاج إلى ميثاق ولا قوانين، كان يحتاج إلى تكريس على الارض. لو اعتمدنا كتاب تاريخ موحداً في مدارسنا وكتاب تربية وطنية موحداً لكل المدارس لكنا حققنا العيش المشترك.
• ألا تعتقد أن عقد مؤتمر إسلامي ـ إسلامي وإسلامي ـ مسيحي هو تكريس للطائفية؟
- ثمة فرق كبير بين الطائفية والطوائف. الإمام المغيب موسى الصدر قال يوماً ان وجود الطوائف في لبنان نعمة لكن الطائفية هي النقمة. أنا على الأقل لا أعرف متديناً مصاباً بالطائفية ولا أعرف طائفياً يذهب إلى الكنيسة أو المسجد. المسلم المتدين لا يمكنه أن يكون مسلماً اذا لم يمر باليهودية والمسيحية، واذا لم يقدس المسلم سيدنا المسيح ووالدته مريم لا يدخل الجنة. وعندما نقارب العلاقة بين المسلم والمسيحي على هذا النحو، فمن باب أولى فهم العلاقة بين المسلمين بعضهم ببعض. المسلمون يختلفون الآن على أمور لم يختلفوا عليها في الأساس. وعلينا أن ندرك ان استعمال الطائفة في سبيل الوطن وطنية اما استعمال الوطن في سبيل الطائفة فهو طائفية.
• لماذا الدعوة لمؤتمر الحوار الآن بالتحديد؟
- ألا تلحظون الشرخ القائم الآن؟... في الماضي كانت تحدث انقلابات عسكرية فيتغير النظام وتبقى الدولة، الآن ألستم خائفين على الدول؟ كانت تحدث عشرات الانقلابات في العالم العربي، يذهب النظام وتبقى الدولة. انا شخصياً خائف على الدول، فأحد المخاوف مما يسمى الربيع العربي هو هذا الأمر.لا أحد منا ضد حقوق الانسان والديموقراطية. نحن في لبنان لدينا صناعة نشتهر فيها هي صناعة الانسان ولا يمكن لأحد أن يجاري اللبناني في هذه القضية.
كان لنا عدو واحد لكل العالم العربي والاسلامي هو اسرائيل، اسأل الآن من العدو اسرائيل أو دولة أخرى؟ مجرد السؤال مسألة غير اعتيادية. ومن غرائب الدهر انه في زمن ايران ـ الشاه، ناصبت مصر ـ عبد الناصر ايران العداء من أجل فلسطين، وأصبح الآن مطلوباً أن نعادي ايران بسبب حرص البعض على العلاقة مع اسرائيل. هذا المثال وحده يستدعي التأمل، البلدان التي تشهد حركات، والتي من حيث المبدأ نحن معها ومع الشعوب، ولكن السؤال هل ستبقى هذه البلدان؟ هل اليمن بقي كما هو؟ هل السودان بقي كما هو؟ ولا اريد تسمية بلدان أخرى لكن حتى رؤسائها يتحدثون عن التقسيم...، هذه التقسيمات التي تتم الآن على أسس طائفية، واسرائيل لم تعد منذ أعوام تقبل بكلمة اسرائيل بل تريد يهودية الدولة، واذا صار لبنان محوطاً بدول لها هويات طائفية فسيصبح جسماً غريباً في المنطقة، وتالياً أليس من حقي أن أخاف على لبنان ووحدته؟
لذا لا يمكن أن نبقى مكتوفين من دون أن نحاول جميعاً ابتكار أفكار تجعلنا واحة حقيقية للعالم، لأنه في رأيي ان ما يحصل اكمل مؤامرة حقيقية على القومية العربية، وما سيحصل قريباً، لا سمح الله، سيكمل المؤامرة على الاسلام.
• هل نحن امام مخطط كيسنجر من جديد؟
- مخطط كيسنجر صار له أسماء أخرى... اسمه الفوضى الخلاقة والشرق الاوسط الكبير والشرق الاوسط الجديد، وفي ذكرى تغييب الامام الصدر في 31 اغسطس الماضي حذرت من أننا على ابواب سايكس ـ بيكو جديد في المنطقة. ولبنان في إمكانه أن يكون المنارة التي تدفع الناس للعودة إلى رشدهم.
• القلق الكبير من «الربيع العربي» هو على الاقليات لا سيما المسيحية، خصوصاً في ظل دول عربية فاعلة تدعو إلى تسليح المعارضة في سورية، واذا اندلعت الحرب الأهلية في سورية فلبنان لن يكون في منأى عنها...
- ماذا يطلبون منا، في أحسن الاحوال يطلبون منا الانتقال من سجن سيئ إلى سجن أفضل، من سجن بنجمة إلى سجن بخمس نجوم. فما هو هذا التغيير؟ أرى سراباً أحسبه ماء، وهل المطلوب إعطاء بعض الحريات على الصعيد الفردي مقابل ألا أطالب بشيء يضر بمصلحة اسرائيل؟ ألم تلاحظوا أن قضية فلسطين انتقلت من البيت الابيض إلى لجنة في الامم المتحدة (اللجنة الرباعية)؟.
• تدعون لحوار إسلامي ـ مسيحي على المستويين الدولي والعربي، في الوقت الذي يتعطل الحوار في لبنان...
- لا... في لبنان الحوار قائم وثمة فرق بين أن نتحاور من دون أن نتفق وبين ألا نتحاور. لبنان أعرق البلدان في الديموقراطية. وفي كل ديموقراطية صناعة وطنية، ومع الأسف الشديد أن الطائفية ونتيجة الانتداب الفرنسي تغلغلت في ديموقراطيتنا. أنا مثلاً رئيس للبرلمان ليس لأنني استأهل هذا الموقع بل لانني مسلم وشيعي...
• إلى ماذا أفضت التحقيقات التي تجري الآن في ليبيا في شأن مصير الامام الصدر؟
- الحقيقة ان الاخوة في المجلس الانتقالي لديهم رغبة صادقة ويعملون وليس لي أي ملاحظة حتى الآن حول الجهد الذي يبذلونه. خصصوا مدعياً عاماً واثنين من القضاة لمتابعة هذا الملف ونحن على تواصل دائماً، وكل ما نشر سابقاً خارج عن حدود الاثبات. جزء من النظام الامني الليبي السابق هربوا إلى دول عربية وصدرت بحقهم مذكرات عبر الانتربول لاعتقالهم وجلبهم.
• رفعتَ شعار «الحياد الايجابي» حيال ما يجري في سورية، لكن مع الانقسام اللبناني الذي يعبر عن نفسه بوتيرة أكثر حدة ألا يفترض صوغ شبكة أمان داخلية تكون «مانعة صواعق»؟
- الغريب في الامر في لبنان أن فريقاً منا كان يطالب بالحياد فيرفض الفريق الآخر... الآن جاء الحياد على طبق من ذهب لكن البعض لم يعد يريده. مع تأكيدنا ان لا حياد حيال العداء لاسرائيل، ولا بإزاء الاجماع العربي، ولا حياد بين الحق والباطل، وسوى ذلك علينا أن نكون حياديين لان للبنان مصلحة في ذلك.
وبالنسبة إلى موضوع سورية سؤالي التالي، هل من أحد في الدنيا ومن العرب تقدم بمبادرة سياسية للحل؟
•... الجامعة العربية؟
- في الجامعة وقبل تعيين المراقبين قرروا طرد سورية من الجامعة، وهذا عكس ميثاق الجامعة. لبنان والجزائر وبلدان أخرى عارضت. ورغم أن البند 18 من ميثاق الجامعة ينص على الاجماع في حال الطرد باستثناء الدولة المعنية، اتخذ قرار طرد سورية. فكيف يمكن للجامعة رعاية حل سياسي مع دولة طردتها؟ وبعد جهد جهيد ارسلوا مراقبين لتهدئة الاوضاع وتخفيف حدة القتال، وللاشراف على وقف اطلاق النار. هذا من الناحية الامنية التي يفترض ان تكون الى جانبها المساعي السياسية... اين المبادرة السياسية؟ طالبت وصرّخت وناشدت الملك عبد الله (بن عبد العزيز)، لكن من دون المبادرة السياسية تسقط المراقبة الامنية.
في لبنان اندلعت حربنا الضروس من الـ 1975 وحتى الـ 1989، وتوصلنا الى (سبعماية او ثمانماية) وربما الف اتفاق لوقف اطلاق النار من دون جدوى، وذهبنا الى الطائف بدعوة من المملكة العربية السعودية واتفقنا على اجندة للحل السياسي من دون الاعلان عن وقف اطلاق النار الذي توقف لمجرد اننا اتفقنا على الحل السياسي. وقف اطلاق النار يجب ان يكون بنداً أول أو أخيرا في حل سياسي ولا يمكن الاتكاء على وقف النار للوصول الى حل سياسي.
• هل تنتظرون شيئاً ما من قمة بغداد اذا انعقدت؟
- احسن من «بلاش».
• ما سر اغفال الجامعة العربية الحل السياسي في سورية؟
- الحل السياسي يقتضي الحوار... ولا يريدون ان يحاوروا. العرب لا يريدون ان يحاوروا سورية، ولو ارادوا لكان الشعب السوري تحاور.
• الحريق على حدودنا، فكيف يمكن تحصين لبنان؟
- المسلك الذي تنتهجه الدولة اللبنانية الآن، هو مسلك عاقل وحكيم وهو لمصلحة العرب والسوريين، واللبنانيين اولاً واخيراً، علماً ان ما نسمعه من جميع ممثلي الدول هو شكر لموقف لبنان وتفهمهم للنأي بالنفس الذي يعتمده، غير ان انتقادات قوى داخلية غير بعيدة عنهم مستمرة، وربما مرد ذلك لأسباب داخلية، واعتقد ان الذين ينتقدون سيعتمدون النأي بالنفس لو جاؤوا الى الحكم.
• هل من رعاية دولية للاستقرار في لبنان؟ نسمع عن حرص اميركي وفرنسي وغربي عموماً على هذا الاستقرار...
- عليهم ان يضيفوا الى دعائهم شيئاً من القطران.
يجمع نبيه بري بين الحنكة وخفة الظل. فاللاعب السياسي المخضرم الذي شكل «حاجة دائمة» لحلفائه وخصومه على السواء، لا تخلو «مجالسه» في البرلمان او المكتب من «قفشات» وطرائف غالباً ما تكسر «الحدة» التي صارت علامة فارقة في الحياة السياسية اللبنانية.
إطفائي، طابخ التسويات، مايسترو الحوار، الثابت بين المتغيرين، مهندس تدوير الزوايا... هذا غيض من فيض مما يقال في «مديح» الرئيس نبيه بري الذي يجلس على الكرسي عينه في رئاسة البرلمان منذ 20 عاماً بلا انقطاع، وعلى الكرسي عينه في رئاسة حركة «أمل» منذ 32 عاماً.
على مدى هذه العقود لم يخفت نجم بري (74 عاماً) الذي استمر «الرقم الصعب» في اللعبة السياسية رغم تبدل قواعدها مراراً وتكراراً، لا سيما مع صعود «حزب الله» تارة وخروج سورية من لبنان تارة اخرى وتبدل الاكثريات حيناً وتغير التحالفات والرعاة وموازين القوى وما شابه.
يعرف الرئيس بري متى يتكلم ويعرف ايضاً متى «يصوم»، فالخارج من صفوف «المحرومين» الصديق الاول للحكم في سورية وصاحب «الملكية الفكرية» لما عرف بـ «السين ـ سين»، اي سورية والسعودية، يختار دائماً القفز من الازمات الى... الحوار.
في مارس الـ 2006 وفي عز اللازمة العاصفة في لبنان دعا بري الى «كسر الصمت» عبر طاولة حوار بجدول اعمال ما زال ساري المفعول رغم «قلب الطاولة» على الحوار، وها هو الآن «يخطط» لحوار «اديان» في عز الازمات اللاهبة في المنطقة، ولا سيما في سورية.
وفي دارته في عين التينة في بيروت قصدت جمعية مراسلي الصحف العربية الرئيس نبيه بري وفي جعبتها الكثير من الاسئلة عن لبنان وسورية، عن الحوار والمستقبل، عن المتغيرات الهائلة في المنطقة والمبادرات الممكنة، فكان هذا الحوار:
• فهم انكم في صدد القيام باتصالات لبلورة تحرك أو خطة لحماية لبنان من تداعيات ما يجري في سورية والمنطقة... ما حقيقة ذلك؟
ـ من المصادفات السعيدة انه بعد هذا اللقاء معكم سأعقد اجتماعاً أولياً، أي الاجتماع «التكويني» للفكرة التي باشرت الاتصالات في شأنها نتيجة ما يجري في العالم العربي والمؤامرة التي يراد منها احداث الفتن. العروبة في خطر والعالم العربي، في رأيي المتواضع، يحتاج الآن لقانون لإلغاء الطائفية.
لبنان في تكوينه يشكل مختبراً، لبنان الـ 18 طائفة ومذهباً هو «ملتقى النهرين»، النهر الاسلامي والنهر المسيحي، وتالياً اضم صوتي الى صوت فخامة رئيس الجمهورية (ميشال سليمان) ان لبنان يجب آن يكون مركزاً للحوار الدائم، كمركز الامم المتحدة في نيويورك والمراكز الاخرى المشابهة.
أحاول بلورة هذه الفكرة وتجسيدها في مؤتمر ينعقد في بيروت، وأقوم باتصالات منذ نحو شهرين من أجل هذه الغاية، اتصالات لها طابع خاص على طريقة «تعاونوا على قضاء حوائجكم بالكتمان». وشملت الاتصالات جميع من يفترض الاتصال بهم. المؤتمر سيكون في يومه الاول إسلامياً ـ إسلامياً وفي يومه الثاني إسلامياً ـ مسيحياً، او العكس، على أن يجمع منارات الاديان في العالم، كالفاتيكان والازهر وقم والنجف، والمهم ليس المراكز بقدر ما المهم اوراق العمل، ولدي حتى الآن ورقتان، الارشاد الرسولي الذي صدر أيام قداسة البابا السابق يوحنا بولس الثاني ووثيقة الازهر التي صدرت أخيراً.
• هل سيتبنى مجلسا الوزراء والنواب الدعوة إلى هذا المؤتمر لإضفاء الطابع الرسمي عليه، وتقديم حصيلته إلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة؟
ـ عندما ينعقد هذا المؤتمر سيكون برعاية رئيس الجمهورية الذي سبق أن طرح هذا الامر في الامم المتحدة في خطاب القاه. أنا اخترت البدء بالناحية العملانية لتكريس فكرة المؤتمر وانعقاده، واعتقد ان لا أحد في لبنان يعارض هذا الموضوع، فالعيش المشترك في لبنان لم يكن يحتاج إلى ميثاق ولا قوانين، كان يحتاج إلى تكريس على الارض. لو اعتمدنا كتاب تاريخ موحداً في مدارسنا وكتاب تربية وطنية موحداً لكل المدارس لكنا حققنا العيش المشترك.
• ألا تعتقد أن عقد مؤتمر إسلامي ـ إسلامي وإسلامي ـ مسيحي هو تكريس للطائفية؟
- ثمة فرق كبير بين الطائفية والطوائف. الإمام المغيب موسى الصدر قال يوماً ان وجود الطوائف في لبنان نعمة لكن الطائفية هي النقمة. أنا على الأقل لا أعرف متديناً مصاباً بالطائفية ولا أعرف طائفياً يذهب إلى الكنيسة أو المسجد. المسلم المتدين لا يمكنه أن يكون مسلماً اذا لم يمر باليهودية والمسيحية، واذا لم يقدس المسلم سيدنا المسيح ووالدته مريم لا يدخل الجنة. وعندما نقارب العلاقة بين المسلم والمسيحي على هذا النحو، فمن باب أولى فهم العلاقة بين المسلمين بعضهم ببعض. المسلمون يختلفون الآن على أمور لم يختلفوا عليها في الأساس. وعلينا أن ندرك ان استعمال الطائفة في سبيل الوطن وطنية اما استعمال الوطن في سبيل الطائفة فهو طائفية.
• لماذا الدعوة لمؤتمر الحوار الآن بالتحديد؟
- ألا تلحظون الشرخ القائم الآن؟... في الماضي كانت تحدث انقلابات عسكرية فيتغير النظام وتبقى الدولة، الآن ألستم خائفين على الدول؟ كانت تحدث عشرات الانقلابات في العالم العربي، يذهب النظام وتبقى الدولة. انا شخصياً خائف على الدول، فأحد المخاوف مما يسمى الربيع العربي هو هذا الأمر.لا أحد منا ضد حقوق الانسان والديموقراطية. نحن في لبنان لدينا صناعة نشتهر فيها هي صناعة الانسان ولا يمكن لأحد أن يجاري اللبناني في هذه القضية.
كان لنا عدو واحد لكل العالم العربي والاسلامي هو اسرائيل، اسأل الآن من العدو اسرائيل أو دولة أخرى؟ مجرد السؤال مسألة غير اعتيادية. ومن غرائب الدهر انه في زمن ايران ـ الشاه، ناصبت مصر ـ عبد الناصر ايران العداء من أجل فلسطين، وأصبح الآن مطلوباً أن نعادي ايران بسبب حرص البعض على العلاقة مع اسرائيل. هذا المثال وحده يستدعي التأمل، البلدان التي تشهد حركات، والتي من حيث المبدأ نحن معها ومع الشعوب، ولكن السؤال هل ستبقى هذه البلدان؟ هل اليمن بقي كما هو؟ هل السودان بقي كما هو؟ ولا اريد تسمية بلدان أخرى لكن حتى رؤسائها يتحدثون عن التقسيم...، هذه التقسيمات التي تتم الآن على أسس طائفية، واسرائيل لم تعد منذ أعوام تقبل بكلمة اسرائيل بل تريد يهودية الدولة، واذا صار لبنان محوطاً بدول لها هويات طائفية فسيصبح جسماً غريباً في المنطقة، وتالياً أليس من حقي أن أخاف على لبنان ووحدته؟
لذا لا يمكن أن نبقى مكتوفين من دون أن نحاول جميعاً ابتكار أفكار تجعلنا واحة حقيقية للعالم، لأنه في رأيي ان ما يحصل اكمل مؤامرة حقيقية على القومية العربية، وما سيحصل قريباً، لا سمح الله، سيكمل المؤامرة على الاسلام.
• هل نحن امام مخطط كيسنجر من جديد؟
- مخطط كيسنجر صار له أسماء أخرى... اسمه الفوضى الخلاقة والشرق الاوسط الكبير والشرق الاوسط الجديد، وفي ذكرى تغييب الامام الصدر في 31 اغسطس الماضي حذرت من أننا على ابواب سايكس ـ بيكو جديد في المنطقة. ولبنان في إمكانه أن يكون المنارة التي تدفع الناس للعودة إلى رشدهم.
• القلق الكبير من «الربيع العربي» هو على الاقليات لا سيما المسيحية، خصوصاً في ظل دول عربية فاعلة تدعو إلى تسليح المعارضة في سورية، واذا اندلعت الحرب الأهلية في سورية فلبنان لن يكون في منأى عنها...
- ماذا يطلبون منا، في أحسن الاحوال يطلبون منا الانتقال من سجن سيئ إلى سجن أفضل، من سجن بنجمة إلى سجن بخمس نجوم. فما هو هذا التغيير؟ أرى سراباً أحسبه ماء، وهل المطلوب إعطاء بعض الحريات على الصعيد الفردي مقابل ألا أطالب بشيء يضر بمصلحة اسرائيل؟ ألم تلاحظوا أن قضية فلسطين انتقلت من البيت الابيض إلى لجنة في الامم المتحدة (اللجنة الرباعية)؟.
• تدعون لحوار إسلامي ـ مسيحي على المستويين الدولي والعربي، في الوقت الذي يتعطل الحوار في لبنان...
- لا... في لبنان الحوار قائم وثمة فرق بين أن نتحاور من دون أن نتفق وبين ألا نتحاور. لبنان أعرق البلدان في الديموقراطية. وفي كل ديموقراطية صناعة وطنية، ومع الأسف الشديد أن الطائفية ونتيجة الانتداب الفرنسي تغلغلت في ديموقراطيتنا. أنا مثلاً رئيس للبرلمان ليس لأنني استأهل هذا الموقع بل لانني مسلم وشيعي...
• إلى ماذا أفضت التحقيقات التي تجري الآن في ليبيا في شأن مصير الامام الصدر؟
- الحقيقة ان الاخوة في المجلس الانتقالي لديهم رغبة صادقة ويعملون وليس لي أي ملاحظة حتى الآن حول الجهد الذي يبذلونه. خصصوا مدعياً عاماً واثنين من القضاة لمتابعة هذا الملف ونحن على تواصل دائماً، وكل ما نشر سابقاً خارج عن حدود الاثبات. جزء من النظام الامني الليبي السابق هربوا إلى دول عربية وصدرت بحقهم مذكرات عبر الانتربول لاعتقالهم وجلبهم.
• رفعتَ شعار «الحياد الايجابي» حيال ما يجري في سورية، لكن مع الانقسام اللبناني الذي يعبر عن نفسه بوتيرة أكثر حدة ألا يفترض صوغ شبكة أمان داخلية تكون «مانعة صواعق»؟
- الغريب في الامر في لبنان أن فريقاً منا كان يطالب بالحياد فيرفض الفريق الآخر... الآن جاء الحياد على طبق من ذهب لكن البعض لم يعد يريده. مع تأكيدنا ان لا حياد حيال العداء لاسرائيل، ولا بإزاء الاجماع العربي، ولا حياد بين الحق والباطل، وسوى ذلك علينا أن نكون حياديين لان للبنان مصلحة في ذلك.
وبالنسبة إلى موضوع سورية سؤالي التالي، هل من أحد في الدنيا ومن العرب تقدم بمبادرة سياسية للحل؟
•... الجامعة العربية؟
- في الجامعة وقبل تعيين المراقبين قرروا طرد سورية من الجامعة، وهذا عكس ميثاق الجامعة. لبنان والجزائر وبلدان أخرى عارضت. ورغم أن البند 18 من ميثاق الجامعة ينص على الاجماع في حال الطرد باستثناء الدولة المعنية، اتخذ قرار طرد سورية. فكيف يمكن للجامعة رعاية حل سياسي مع دولة طردتها؟ وبعد جهد جهيد ارسلوا مراقبين لتهدئة الاوضاع وتخفيف حدة القتال، وللاشراف على وقف اطلاق النار. هذا من الناحية الامنية التي يفترض ان تكون الى جانبها المساعي السياسية... اين المبادرة السياسية؟ طالبت وصرّخت وناشدت الملك عبد الله (بن عبد العزيز)، لكن من دون المبادرة السياسية تسقط المراقبة الامنية.
في لبنان اندلعت حربنا الضروس من الـ 1975 وحتى الـ 1989، وتوصلنا الى (سبعماية او ثمانماية) وربما الف اتفاق لوقف اطلاق النار من دون جدوى، وذهبنا الى الطائف بدعوة من المملكة العربية السعودية واتفقنا على اجندة للحل السياسي من دون الاعلان عن وقف اطلاق النار الذي توقف لمجرد اننا اتفقنا على الحل السياسي. وقف اطلاق النار يجب ان يكون بنداً أول أو أخيرا في حل سياسي ولا يمكن الاتكاء على وقف النار للوصول الى حل سياسي.
• هل تنتظرون شيئاً ما من قمة بغداد اذا انعقدت؟
- احسن من «بلاش».
• ما سر اغفال الجامعة العربية الحل السياسي في سورية؟
- الحل السياسي يقتضي الحوار... ولا يريدون ان يحاوروا. العرب لا يريدون ان يحاوروا سورية، ولو ارادوا لكان الشعب السوري تحاور.
• الحريق على حدودنا، فكيف يمكن تحصين لبنان؟
- المسلك الذي تنتهجه الدولة اللبنانية الآن، هو مسلك عاقل وحكيم وهو لمصلحة العرب والسوريين، واللبنانيين اولاً واخيراً، علماً ان ما نسمعه من جميع ممثلي الدول هو شكر لموقف لبنان وتفهمهم للنأي بالنفس الذي يعتمده، غير ان انتقادات قوى داخلية غير بعيدة عنهم مستمرة، وربما مرد ذلك لأسباب داخلية، واعتقد ان الذين ينتقدون سيعتمدون النأي بالنفس لو جاؤوا الى الحكم.
• هل من رعاية دولية للاستقرار في لبنان؟ نسمع عن حرص اميركي وفرنسي وغربي عموماً على هذا الاستقرار...
- عليهم ان يضيفوا الى دعائهم شيئاً من القطران.