| كمال علي الخرس |
الجرسون سيف شاب باكستاني يافع ما أن رآني وأنا على مائدة الافطار في مطعم الفندق إلا وحاول الاقتراب والبدء بحديث مع رجل تبدو ملامحه الشرق أوسطية واضحة. قرأت عينه فرأيت فيها رغبة بالتحدث، سألته ما اسمك فأجاب أن اسمه سيف وهو قادم منذ اشهر إلى لندن للعمل فيها. سألته هل الحياة افضل في باكستان أم لندن؟ اجاب بأن باكستان بلده وهناك أهله وأصدقاؤه، وهنا يشعر بغربة واختلاف في العادات وبرود في العلاقات الإنسانية كبرود جو لندن. إذاً يا سيف لماذا انت هنا في لندن؟ هل انت هنا لجني مال اكثر؟ هكذا سألته. لا ليس لجني قدر اكبر من المال، لكن الارواح والدماء أكثر صونا هنا من باكستان، الاجرام في لندن يقوم به مجرم في ازقة مظلمة وضيقة تستطيع تجنبها، اما في باكستان فالإجرام والقتل يعمل في الليل والنهار تحت ضوء القمر أو تحت اشعة الشمس، القاتل في باكستان ليس كالقاتل في لندن سكير أو ثمل متسكع في الطريق، القاتل في باكستان مسقط رأس سيف يقوم بجريمته وهو بكامل قواه العقلية أو هكذا يبدو.
في شوارع لندن ترى البلدان والشعوب التي تتصارع على الحدود أو على النفوذ أو تنفيذا لأجندات خارجية تراها تتلاقى بسلام جنبا الى جنب في لندن، فهذا مطعم عراقي يقدم اشهى اطباق الكباب، بجانبه مقهى شاي يرتاده أبناء الخليج يستمتعون بجلسات الشيشة التي امتزج دخانها مع قطرات رذاذ المطر وهبات الهواء العليل الذي تشتهر به لندن، بالقرب من المقهى مكتبة مصرية تبيع أنواعا من الكتب شرقية وغربية وإسلامية وماركسية، ولا تعرف من صاحب المكتبة إلا لهجته المصرية، ولا تعرف من أي تيار هو، تعرف فقط بأنه بائع للكتب. مقابل المكتبة مطعم إيراني وغير بعيد مطعم لبناني، يلاصقه آخر دمشقي، تستغرب كيف تتنافر دول متلاصقة لبعضها لتلتصق مع بعضها تحت ستر ضباب لندن.
رجل تبدو ملامحه أنه شرق اسيوي لربما هو ياباني أو صيني يخطو بسرعة باتجاه رجل آخر يحتضنان بحميمية يقبلان بعضهما مع كلمات الشوق والتحية، هذه ليست تحية شرق آسيوية، من الآخر؟ حديثه بكلمات انكليزية مطعمة بالعربية «أهلا وسهلا» نعم كأنه من المغرب أو الجزائر يبدو انه مغاربي الآن المشهد اصبح أكثر منطقية، الشرق آسيوي تعلم بعض الكلمات العربية ومعها طريقة السلام الحميمة من العرب، تحية وقبلات واحتضان بين رجلين، أمر غريب وعادة مستغربة بين الانكليز أو أهل الصين واليابان، لكن العرب ينتجون ويصدرون هذه الحميمية للغرب. امر طيب، لذلك من المؤمل ان يعاد استيراد هذه الروح الحميمية من لندن مرة أخرى، يعاد استيراد ما تم تصديره، فما احوج الشعوب والدول العربية والأنظمة الى احتضان بعضها وإلى اطلاق الروح الحميمية من جديد.
Alzoor3@yahoo.com