د. عيسى العميري / نحو كونفدرالية اتحادية خليجية

تصغير
تكبير
لقد جاءت كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود الأخيرة في مؤتمر القمة الخليجي والتي طالب فيها إخوانه قادة الدول الخليجية بالانتقال من حقبة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد، ملامسة ومعبرة لما تصبو إليه شعوب المنطقة الخليجية، وأصبح الاتحاد والوحدة أو حتى الكونفدرالية الخليجية ضرورة ملحة يفرضها الواقع الذي تعيشه هذه المنطقة من العالم، وفي ظل متغيرات عديدة ومتسارعة، وعلى الأخص ثورات الربيع العربي والتطورات المحيطة بالمنطقة بحيث لا تعطي مجالاً لأي تأخير لهذه الوحدة أو الكونفدرالية والبدء جدياً وبشكل سريع لهذا التطبيق. وهذه المطالبة من خادم الحرمين جاءت بناء على استشعار قوي من قبل الملك عبدالله بن عبدالعزيز للخطر المحدق بدول هذه المنطقة، وذلك عندما أكده عبر قوله ان أمن الخليج واستقراره مستهدف بشكل كبير، ظاهر وعلني في بعض الأحيان.

وبناء على ما ورد في هذه المطالبة فإنه أصبح لزاماً على دول مجلس التعاون الخليجي تطبيق هذه الكونفدرالية، وذلك لما لها من أثر كبير ومنافع هائلة، وأبسطها على سبيل المثال هو حماية أمننا الخليجي ضد أي خطر كان بعيدا أو قريبا، ولا نعني هنا بالضرورة الخطر القريب منا، وذلك نظرا لأننا نعيش في عالم متناقض تحكمه وتسيره المصالح، وقد يحدث أن تقوم دولة عظمى بفرض نفوذها وسيطرتها على دولة ضعيفة، ولكن عندما تكون دول الخليج متحدة ضمن كونفدرالية واحدة، فإنها في هذه اللحظة لن تكون لقمة سائغة لأي كان إن من قبل صديق اليوم أو عدو الغد، وهذا على صعيد الأمن والاستقرار. أما منافع الجوانب الأخرى للكونفدرالية فتتمثل في المكاسب الاقتصادية، ونذكر هنا في هذا الصدد بعض النماذج من الكونفدرالية والاتحاد بشكل الصحيح، ومن ذلك الاتحاد الكونفدرالي الذي جرى في الولايات المتحدة الأميركية والتي ما كان لها أن تصل إلى ما وصلت إليه وأصبحت دولة عظمى إلاّ بفضل تطبيق مفهوم الكونفدرالية بين جميع ولاياتها، الأمر الذي أنتج قوة اقتصادية كبيرة في العالم الحديث تحسب لها حسابات.

وعلى أي حال فإن تطبيق الكونفدرالية فى مجالات محددة يخدم مصالح محددة لدول الخليج مع احتفاظ كل دولة من دول الاتحاد الاستقلالي بسيادتها واستقلالها، وبمعنى آخر أن الدولة العضو فى هذا الاتحاد لا تفقد شخصيتها الدولية بانضمامها لهذا الاتحاد، ومن سمات الاتحاد الكونفدرالي تمتع دوله بكامل استقلالها أي انه لا يؤثر في استقلال الدول المنضوية تحت لوائه حيث تتمتع الدول الداخلة فيه بكامل شخصيتها الدولية من تمثيل ديبلوماسي وغيره من مظاهر السيادة الأخرى، كما أن الاتحاد الاستقلالى لا يتمتع في هذه الحالة بشخصية دولية أو يعتبر دولة تعلو شخصيتها على بقية الدول المكونة له، أي بمعنى آخر أنه لا يترتب على الاتحاد الاستقلالي قيام شخصية جديدة على الساحة الدولية.

ولو نظرنا للموضوع من زاوية أخرى، فإننا نجد أن دول الخليج هي تقريبا لديها كونفدرالية من نوع آخر متمثلة في مجلس التعاون الخليجي، ولكن يستلزم في هذه المرحلة المهمة من تاريخه أن يتم تعزيزه عبر اتحاد كونفدرالي صحيح يحقق الأمن والاستقرار والتطور والانطلاق لمرحلة جديدة في حياة شعوب هذه المنطقة والعالم بأكمله، حيث تنتشر التكتلات والتجمعات واتحاد الدول الكونفدرالية بعضها ببعض، بل إن الأمر وصل إلى اندماج الكيانات الاقتصادية مع بعضها البعض في شكل يشبه معه الكونفدرالية، ولقد حققت تلك الاندماجات نتائج مبهرة.

وإلى هنا نصل إلى القول ان مفهوم الكونفدرالية أثبت نجاحه على جميع النواحي لدرجة أنه عندما طبقت تلك الكيانات الكبيرة ونعني الشركات الكبيرة الكونفدرالية نجحت نجاحاً ساحقاً، لا بل خرجت من أزماتها وحلت جزءا كبيرا من مشاكلها التي كانت لديها قبل الاندماج في شكل يشبه معه نوعا من انواع الكونفدرالية.

وتعميماً للفائدة فإنه يجدر القول، اننا استعرضنا في مقالنا المتواضع هذا الإيجابيات المتوخاة من الكونفدرالية ولم نأت على ذكر السلبيات، وذلك لتأكدنا من أنها لا تستحق الذكر، نظراً لقلة قيمتها إذا ما قورنت بالإيجابيات الكبيرة فيها... والله من وراء القصد.





د. عيسى العميري

Dr.essa.amiri@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي