يبدو أن قدر الكويت الخروج من أزمة والدخول بأخرى، فكل شيء في الكويت يمشي على بركة الله... لقد شاب الحكومة الجديدة ومرسوم حل مجلس الأمة مثالب دستورية، حسب رأي البعض، تركت الباب مشرعا للعديد من الاعتراضات النيابية والقانونية، فضلا عن أنها كانت مادة شهية لمن يود أن يشحذ أسنانه ضد الحكومة الجديدة... فالرأي اجتر رأيا ودستورية الحكومة وحل المجلس أشبعها الشيب الشباب مدحا وقدحا دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الاسترشاد بقيم مواد الدستور، والاستهداء بمعاني النصوص الدستورية الأخرى، واستخراج خزائنها كونها وحدة واحدة يكمل بعضها بعضا. فقد حول البعض الدستور إلى مطية يركبونها متى شاؤوا ويعقلونه متى شاؤوا، فمن وجهة نظري أن من أهم الأسباب الرئيسية لتردي الوضع السياسي في الكويت وتراجع الأداء العام للدولة هو ضعف الفريق الاستشاري «القانوني والدستوري»، فالفريق لم يكلف نفسه عناء التنهد، وعلى ما يبدو أن الأمر يحتاج إلى «الدِّبْرة»، وهي كلمة دارجة في اللهجة الكويتية تعني حسن التدبير، أكثر من الاعتماد على جهاز دستوري وقانوني يحمل أعضاؤه شهادات تخصصية في القانون والدستور، يفتقد حسن التدبير، وضعيف في فرض رأيه الفني، وغير قادر على كبح جماح التدخلات السياسية في تفسير الدستور والقانون وتطبيقه، خصوصاً في ما يخص المراسيم وسلامة إجراءاتها ومسارها القانوني، ما أوقع الدولة في حرج كبير، والنظام لم يعد يخفي امتعاضه من سوء أداء الفريق الاستشاري، وهذا ما كتبت عنه وحذرت منه لسنوات خلت.
ربما يغضب البعض من الجهر بهذا الرأي، وليكن... لا يعنيني من يغضب فنحن الغاضبون، فمن الخطورة بمكان أن تخضع الدولة ودستورها وقوانينها للأهواء والتجاوزات ونحن نمر بمرحلة تصحيحية شاملة، وهو ما سيؤثر على مصداقية الحكومة الجديدة التي أعلنت تبنيها للترميم والإصلاح على الأصعدة كافة للعبور من فوق التحديات لدفع مسيرة العمل الوطني بأقصى سرعة... فنحن نتحدث اليوم عن دولة قائمة الأركان لا عن دكان انفجر الخلاف فيه بين شريكين قبل أن يمتلكاه، فيتوجب على الكل أن يضع نصب عينه عنصر الزمن للمساهمة في معالجة كل الأخطاء السابقة... وعلى رئيس الحكومة «الجابر» أن يمد رجله فالساحة كلها له وعليه أن يتخذ قراراته التي يريدها، والتي يراها فريقه الاستشاري الجديد مناسبة للمرحلة المقبلة، وأنصحه بعدم الالتفات لنواب التهديد والوعيد لكسب أصوات الناخبين، فنحن بأمس الحاجة لتضميد طعنة الخاصرة التي وجهت للوطن والمواطن والمصلحة العامة معا.
المهم لنعود للحكومة الجديدة التي وقعت في مأزق دستوري حسب رأي البعض بسبب عزوف النواب في المجلس السابق عن القبول بحقيبة وزارية مدتها أقل من شهرين، ليصبح الوزير المحلل لوزارة تصريف العاجل من الأمور... قد يقول قائل اننا أمام معضلة تحتاج لرجل دولة يكون وزيرا منقذا لا محللا واضعا الكويت نصب عينيه قولا وفعلا، ليسد الثغرة الدستورية ويخرجنا من تلك العضلة التي قد تنسف التشكيل الحكومي الجديد، وتبطل كل المراسيم التي صدرت بهذا الشأن بموجب نص المادة (56 ) من الدستور... ولكن هناك رأي آخر يقول انه في حال عزوف جميع النواب عن المشاركة في الحكومة الجديدة كوزير محلل تعتبر الحكومة «حكومة دستورية»... فما ينطبق على النائب من الأولى أن ينطبق على الوزير استنادا للفقرة الثانية من المادة (84) من الدستور والناصة على «إذا خلا محل أحد أعضاء مجلس الأمة في خلال ستة أشهر السابقة على انتهاء الفصل التشريعي للمجلس فلا يجري انتخاب عضو بديل»، وعلى المهتم الراغب في الاستزادة أن يرجع لتفسير نص المادة فالمساحة لا تسمح بسردها، وإني أميل بشدة لهذا الرأي، فعزوف الوزير المحلل يرجع في المقام الأول لقصر المدة المتبقية لممارسة الصلاحيات الوزارية، ولعدم حصوله على وعد قاطع لشموله في التشكيل الحكومي المقبل، لنقفل بذلك باب التجاذب بين الرأي المؤيد والمعارض الذي فرّغ الشارع السياسي والدواوين وكتاب الأعمدة والقنوات طيلة الأيام الماضية للحديث عن دستورية المراسيم من عدمها، فنحن أمامنا تحديات أهم مليون مرة من العثور على وزير محلل شل البلد بغيابه وعزوفه.
الخلاصة: نعلم أن ما حدث سابقة، ولكن من المؤسف أن تحدث بعد خمسين عاماً من الدستور مع وجود الكم الهائل من الدستوريين والقانونيين الذين يحملون الشهادات التخصصية التي لا تقارن بكم الشهادات التخصصية للمشرعين الدستوريين في المجلس التأسيسي، رحمة الله عليهم جميعا، الذين لم تفتهم لا شاردة ولا واردة عندما وضعوا الدستور... فقد أسأل وتسألون «والدِّبْرة؟!»... فالأمر برمته يحتاج كما أسلفت إلى الفهم والدِّبْرة لأناس لديهم القدرة على الاستنباط اللحظي والرؤي المبتكرة لأي ظروف استثنائية قد تعصف في البلاد يسجلون من خلالها انتصارا تلو الآخر للدولة، أكثر من الشهادات المعلقة على الحوائط للاستعراض والتفاخر الممجوج.
وضحة أحمد جاسم المضف
walmudhafpen@hotmail.com
Tiwttre@wadhaAalmudhaf