«مر إبراهيم بن أدهم على رجل محزون فقال له: إني سائلك عن ثلاثة أسئلة وتجيبني عنها، فقال الرجل حسناً. فقال إبراهيم: أيجرى في هذا الكون شيء لا يريده الله؟ فقال الرجل: لا. فقال إبراهيم: أينقص من رزقك شيء قدره الله؟ فقال الرجل: لا. قال إبراهيم: أينقص من أجلك لحظة كتبها الله لك؟ فقال الرجل: لا. قال إبراهيم: فعلام الحزن؟!».
كثيراً ما نسمع عبارة «ضايقٍ صدري»، يقولها أحدهم وهي منكسر الجناح، مكتئب الفؤاد، بلغ به القلق منتهاه، حتى انك تشاهد الإعياء والتعب قد رسما ألوانهما على وجهه البائس. فلما تسأل ذلك المحزون القِلق المكتئب عن سبب ما يعانيه؟ يُجيبك بأنه لا يعلم ما سبب تلك الضيقة التي يكابدها! مادام أن الكون يجري بما يريده الله تعالى، وما دام أن الأرزاق بيد الله تعالى، وما دام أن الحياة والموت بيد الله تعالى... فلماذا الحزن؟! إن للشيطان دوراً كبيراً في تشكيل ضيقة الصدر، لأن الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم، ولأن الشيطان نذر حياته لاستدراج ابن آدم والإيقاع به في المهالك والفواحش والسوء والهم و الحزن. لا تحزن لأن ضيقة الصدر ليست إلا من نزغ الشيطان، والشيطان ذو كيد ضعيف، سرعان ما يزول شره وينجلي عند أول لحظات ذكر الله تعالى، فعندما يشعر المرء بأنه يمر بضيقة صدر ما عليه إلا أن يتوضأ ويُحسن وضوءه ثم باتجاه القبلة يتجه بسجادته وروحه وجسده ثم يرفع كفيه مع قوله الله أكبر، ثم يُصلي صلاته باطمئنان وخشوع وإنابة ورجاء، ويطيل قليلاً الدعاء والاستغفار في سجوده، ما ان يُسلّم معلناً انتهاء صلاته إلا وسوف يشعر بسكينة وساوسه واطمئنان فؤاده وانجلاء قلقله ونسيان اكتئابه، أليس الله تعالى هو القائل: «ألا بذكر الله تطمئن القلوب». يقول ابن القيم: «في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته. وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته، وصدق معاملته. وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه، والفرار منه إليه». وقال ابن القيم أيضاً: «والإقبال على الله، والإنابة إليه، والرضا به وعنه، وامتلاء القلب من محبته، واللهج بذكره، والفرح، والسرور بمعرفته ثواب عاجل، وجنة، وعيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البتة». وقال أحد العُباد: «مساكين أهل الدنيا خرجوا منها، وما ذاقوا أطيب ما فيها. قالوا: وما أطيب ما فيها؟ محبة الله ومعرفته وذكره». وقال أحد الذين ذاق حلاوة الإيمان: «لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف».
كما أن حُسن الظن بالله أمر مهم أن يعتقد به المُسلم في كل أحواله، في فرحه وحزنه وانشراح صدره أو ضيقته، فعندما يُحسن العبد الظن بربه تبارك وتعالى سيستقبل العبد كل ما يأتيه من صروف الأيام والليالي بكل رضا وقناعة وبلا جزع أو سخط. فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله عز وجل قال: أنا عند ظن عبدي بي، إنْ ظن بي خيراً فله، وإن ظن شراً فله». ومعنى الحديث أي أعامله على حسب ظنه بي، وأفعل به ما يتوقعه مني من خير أو شر. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «والذي لا إله غيرُه ما أُعطي عبدٌ مؤمن شيئاً خيراً من حسن الظن بالله عز وجل، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله عز وجل الظن إلا أعطاه الله عز وجل ظنَّه؛ ذلك بأنَّ الخيرَ في يده». ودخل واثِلَةُ بن الأسْقَع على أبي الأسود الجُرَشي في مرضه الذي مات فيه، فسلم عليه وجلس. فأخذ أبو الأسود يمين واثلة، فمسح بها على عينيه ووجهه، فقال له واثلة: واحدةٌ أسألك عنها. قال: وما هي؟ قال: كيف ظنك بربك؟ فأومأ أبو الأسود برأسه، أي حسن. فقال واثلة: أبشر؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء». عزيزي القارئ لا تحزن ولا تقربك ضيقة صدر، فالله وحده هو الذي بيده كل شيء، ألم تقرأ هذه الآية «وتوكل على الحيّ الذي لا يموت». ألم تقرأ أيضاً هذه الآية «يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم»، لذا كُن مؤمناً حقيقياً واستبدل حزنك وقلقك وكآبتك بالابتسامة والبشاشة واطمئنان القلب والانشراح.
حسين الراوي
كاتب كويتي
alrawie1@hotmail.com