مقال / ليس من المحال!


| إبراهيم صموئيل |
فقدان الثقة قاتل! إذ ما من حال تسحق المرء مثل حال فقدانه الثقة بنفسه وبواقعه ومستقبله. وإلى قُبيل الربيع العربي كنّا فاقدي الثقة بكل شيء. كل النظريات والإيديولوجيات والأفكار التي طُرحت في الواقع العربي، وعنه، كانت تبدو كلاماً بكلام. منظومات ذهنية مضيئة يمضي الواقع باتجاه معاكس لها تماماً. منذ العام 1967، على الأقل، ونحن في حال انعدام التوازن، وانعدام الثقة، وانعدام الأمل!
أي آملٍ بالتغيير كان يبدو شاعراً حالماً. أي مبشّر بالنهوض كان يبدو مريضاً نفسياً، لا صلة له بالواقع، ولا معرفة له بحقائقه الكبرى والصغرى على السواء. كل المشهد العربي كان ساكناً مستكيناً، كالمستنقعات! كل الحال العربية كانت أشبه بالقدر الذي لا خلاص منه ولا فكاك من سلطته. وقد قيل ما قيل، وكُتب ما كُتب عن أننا ماضون نحو مصير الهنود الحمر لا محالة. عن أننا نخطو بثبات للخروج من التاريخ، ومن الفعالية، ومن التأثير. ما من مطرح لتفاؤل، وما من مطرح في سمائنا لبارقة تغيير.
كنّا نخال، بل نعتقد، أن في نهاية النفق نفقاً، وأن خلف الظلام الطويل ظلاماً. غسلنا أيدينا من أي احتمال للتغيير، لا لتشاؤم في نفس الإنسان العربي وقلبه وروحه، لا لكآبة في طبعه، بل لواقع استدام نحو نصف قرن، بدت فيه الأفكار والأحلام طلقات خلبية ليس إلا، وبدت فيه السلطات والأنظمة العربية راسخة بأكثر ما للجبال من رسوخ، وباقية بأكثر ما للبحار من بقاء. مَنْ كان يجرؤ على القول ان مصر ـ مثلاً ـ ستمتد طوابير الناس في شوارعها وتطول كي يُدلي المصري بصوته واثقاً من أن لهذا الصوت تأثيره وأثره في مستقبل البلاد!؟ مَنْ كان يصدّق أن ليبيا ليست القذافي!؟ ما من ذكر لذلك البلد إلا وسبقته هيئة القذافي وصورته!
هكذا كانت الحال العربية، وهكذا اقتنعنا، أو صدّقنا، أو امتثلنا لحال الحال آملين بدرجة ما، وفاقدين للثقة والأمل بالتغيير بدرجات ودرجات. هاجر الكثيرون، وفكّر بالهجرة الكثيرون، وبات العنوان العريض لحياة الإنسان العربي ومستقبله مجرد كلمتين: «دبّر راسك»!
لكننا فوجئنا جميعاً، وفوجئت الأحزاب والقوى والتنظيمات السياسية كلها بما كنّا نعرفه، بيد أننا لم نصدّقه، وهو أن دوام الحال من المحال! لم تدم حال تونس، ولا ليبيا، ولا مصر، ولا غيرها، بل انقلبت رأساً على عقب ليجد الإنسان العربي نفسه، وللمرة الاولى في تاريخه الحديث، مرفوع الرأس، يجاهر بانتمائه العربي وببنوّته لبلده. مرفوع الرأس! تلك الرأس التي ظلت لعقود طويلة منكّسة مطأطئة، تتدارى لكي لا تواجه ولكي لا يعاودها الخجل والشعور بالعار.
أبرز ما أنجزه الربيع العربي، وما أحسب أنه يمكن أن ينجزه: رأس عربية مرفوعة تجاهر وتفاخر بالقول: أنا مصري، أو أنا ليبي، أو أنا سوري، أو أنا يمني... خصوصاً أن أجيالاً وُلدت خلال عقود وهي مطأطئة الرأس ومنكّسة، لم تعش حالاً أخرى غير التي وُلدت فيها، ونمت فيها، وشبّت، وفيها كادت تشيب!
كان لا بد أن يحدث ما يحدث الآن لكي لا نموت كمداً. وكان لا بدّ لهذه الأرض العربية أن تشهد ربيعها كي لا نقضي ونحن على قناعة بأننا فوق أرض عاقر نولد فيها وإلى عقرها نعود. كان لا بدّ لقلوبنا أن تطمئن كي لا يدمّرها القلق والانتظار والخوف الذي ما عرفنا غيره! كان لا بدّ حتى لا نقضي ضحايا استبداد وتخلّف، ننجب أبناء وأحفاداً لا يرثون عنّا سوى المزيد من الاستبداد والمزيد من التخلّف!
فقدان الثقة قاتل! إذ ما من حال تسحق المرء مثل حال فقدانه الثقة بنفسه وبواقعه ومستقبله. وإلى قُبيل الربيع العربي كنّا فاقدي الثقة بكل شيء. كل النظريات والإيديولوجيات والأفكار التي طُرحت في الواقع العربي، وعنه، كانت تبدو كلاماً بكلام. منظومات ذهنية مضيئة يمضي الواقع باتجاه معاكس لها تماماً. منذ العام 1967، على الأقل، ونحن في حال انعدام التوازن، وانعدام الثقة، وانعدام الأمل!
أي آملٍ بالتغيير كان يبدو شاعراً حالماً. أي مبشّر بالنهوض كان يبدو مريضاً نفسياً، لا صلة له بالواقع، ولا معرفة له بحقائقه الكبرى والصغرى على السواء. كل المشهد العربي كان ساكناً مستكيناً، كالمستنقعات! كل الحال العربية كانت أشبه بالقدر الذي لا خلاص منه ولا فكاك من سلطته. وقد قيل ما قيل، وكُتب ما كُتب عن أننا ماضون نحو مصير الهنود الحمر لا محالة. عن أننا نخطو بثبات للخروج من التاريخ، ومن الفعالية، ومن التأثير. ما من مطرح لتفاؤل، وما من مطرح في سمائنا لبارقة تغيير.
كنّا نخال، بل نعتقد، أن في نهاية النفق نفقاً، وأن خلف الظلام الطويل ظلاماً. غسلنا أيدينا من أي احتمال للتغيير، لا لتشاؤم في نفس الإنسان العربي وقلبه وروحه، لا لكآبة في طبعه، بل لواقع استدام نحو نصف قرن، بدت فيه الأفكار والأحلام طلقات خلبية ليس إلا، وبدت فيه السلطات والأنظمة العربية راسخة بأكثر ما للجبال من رسوخ، وباقية بأكثر ما للبحار من بقاء. مَنْ كان يجرؤ على القول ان مصر ـ مثلاً ـ ستمتد طوابير الناس في شوارعها وتطول كي يُدلي المصري بصوته واثقاً من أن لهذا الصوت تأثيره وأثره في مستقبل البلاد!؟ مَنْ كان يصدّق أن ليبيا ليست القذافي!؟ ما من ذكر لذلك البلد إلا وسبقته هيئة القذافي وصورته!
هكذا كانت الحال العربية، وهكذا اقتنعنا، أو صدّقنا، أو امتثلنا لحال الحال آملين بدرجة ما، وفاقدين للثقة والأمل بالتغيير بدرجات ودرجات. هاجر الكثيرون، وفكّر بالهجرة الكثيرون، وبات العنوان العريض لحياة الإنسان العربي ومستقبله مجرد كلمتين: «دبّر راسك»!
لكننا فوجئنا جميعاً، وفوجئت الأحزاب والقوى والتنظيمات السياسية كلها بما كنّا نعرفه، بيد أننا لم نصدّقه، وهو أن دوام الحال من المحال! لم تدم حال تونس، ولا ليبيا، ولا مصر، ولا غيرها، بل انقلبت رأساً على عقب ليجد الإنسان العربي نفسه، وللمرة الاولى في تاريخه الحديث، مرفوع الرأس، يجاهر بانتمائه العربي وببنوّته لبلده. مرفوع الرأس! تلك الرأس التي ظلت لعقود طويلة منكّسة مطأطئة، تتدارى لكي لا تواجه ولكي لا يعاودها الخجل والشعور بالعار.
أبرز ما أنجزه الربيع العربي، وما أحسب أنه يمكن أن ينجزه: رأس عربية مرفوعة تجاهر وتفاخر بالقول: أنا مصري، أو أنا ليبي، أو أنا سوري، أو أنا يمني... خصوصاً أن أجيالاً وُلدت خلال عقود وهي مطأطئة الرأس ومنكّسة، لم تعش حالاً أخرى غير التي وُلدت فيها، ونمت فيها، وشبّت، وفيها كادت تشيب!
كان لا بد أن يحدث ما يحدث الآن لكي لا نموت كمداً. وكان لا بدّ لهذه الأرض العربية أن تشهد ربيعها كي لا نقضي ونحن على قناعة بأننا فوق أرض عاقر نولد فيها وإلى عقرها نعود. كان لا بدّ لقلوبنا أن تطمئن كي لا يدمّرها القلق والانتظار والخوف الذي ما عرفنا غيره! كان لا بدّ حتى لا نقضي ضحايا استبداد وتخلّف، ننجب أبناء وأحفاداً لا يرثون عنّا سوى المزيد من الاستبداد والمزيد من التخلّف!