لغة الأشياء / ذئب يوسف المحيميد

تصغير
تكبير
| باسمة العنزي |

ليس من المستغرب أن يكتشف القارئ أنه تأخر طويلا في قراءة عمل مميز صدر قبل سنوات، المدهش أن يتزامن اكتشافه له مع استحقاق العمل لجائزة عالمية!

«فخاخ الرائحة» ليوسف المحيميد الصادرة عام 2003 حصلت قبل أسابيع على جائزة ألزياتور الايطالية للآداب، وهو بذلك ثاني روائي عربي بعد بهاء طاهر عن روايته «الحب في المنفى» يحصل عليها.

الرواية المحكمة الصنع، المترامية التفاصيل، الشاسعة الوجع،المنسوجة بلغة مبهرة، القادرة على ادخال المتلقي لعوالم المهمشين و الضحايا بخفة ماهرة، لا يمكن للمتلقي أن يغادر اجواءها مع السطر الأخير دون أن تترك أثرا يمتد طويلا، شبيها بتناول قطعة شكولاتة داكنة في مساء شتوي طويل.

شخصيات ملفوفة بالعجز و الألم النفسي لا تقاوم أقدارها،مسلوبة الارادة بفعل ظلم وقع عليها تاركا ندوبا بشعة، استطاع المحيميد أن يخرجها من قمقم الصمت و يسرد بوحها المتقطع عبر شريط روائي قصير، جمع فيه غربة أبطاله في مجتمع لم ينصف أيا منهم. كل منهم كان مطاردا بالذكريات السيئة، وغير موفق في حياته الراهنة، و مفعم بالهزيمة فلا غرابة أن تكون اسماؤهم مفاتيح حظوظهم المتعثرة.

«فخاخ الرائحة» لم تعنَ كثيرا بتلميع صور أبطالها و لم يندفع السرد باتجاه عاطفي مبالغ فيه ولم تجد المواعظ الانسانية طريقا اليه، كل شيء كان خلابا من الصفحة الأولى بواقعية القبح في مجتمعاتنا التي تدعي مكارم الأخلاق. ولو استعرضنا أهم المشاهد في الروايات العربية سيكون مشهد دمعة «طراد» على رأس الذئب في الصحراء قبل أن يلتهم أذنه من أقوى المشاهد الفنية و أكثرها

اتقانا. ذئب يوسف المحيميد كان بطلا رابعا من أبطال العمل، بطباعه و صولاته و جولاته في صحراء شبة الجزيرة العربية، كان رمزا جديدا للقسوة والتجبر والانتقام الأسود. عواء الذئب الصحراوي كان حاضرا على امتداد العمل و لو اختلفت تفاصيله عند ناصر وتوفيق.

شكرا ليوسف المحيميد على هذه الرواية المهمة التي استمعت بقراءة كل سطر فيها، وشكرا لمن دلني عليها ولمن اهداها لي!
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي