كتاب / المفكر المغربي عبد الله العروي يبحث في أسباب تخلف العرب عن الحداثة


عن «اتحاد كتاب المغرب»، صدر كتاب جديد للدكتور عبد الله العروي بعنوان «عوائق التحديث»، وهو في الأصل محاضرة كان ألقاها المفكر والمؤرخ المغربي البارز في 2005، ضمن سلسلة محاضرات نظمها الاتحاد آنذاك.
ويرى العروي أن «الحداثة موجة والعوم ضدها مخاطرة، فإما الغوص حتى تمر فوق رؤوسنا فنظل حثالة، وإما نعوم فيها فنكون مع الناجين في أي مرتبة كانوا»، لذلك «لا يمكن معارضة الحداثة إلا بتجاوزها، ولا يمكن تجاوزها إلا باستيعابها».
وفي قراءته لمفهوم الحداثة، يميز العروي بين تفسير المؤرخين والفلاسفة لها، فالمؤرخون يرون أنها «حدثت وحصلت في بقعة معينة في وقت معين، وأنها تشكلت كثورة مستمرة وحدثت على مراحل وهي التي تفسر التاريخ الحديث»، بينما انطلق تفسير الفلاسفة الذين يناهضون التاريخ من الحداثة كمفهوم مما يؤدي إلى نتيجة مختلفة في التصور وفي الحكم.
فالتفكير في الحداثة من منظور منهجي، بالنسبة للعروي، يستلزم البحث في المنطلقات، أي «هل ننطلق من الواقع، وبالتالي نستمع أولا إلى المؤرخين أم ننطلق من المفهوم وبواسطته يتم تقديم الواقع»؟
أما الحداثة بحسب ما ذهب إليه العروي فهي «تنبني على الفرد والعقل والحرية والديموقراطية والعلم»، إلا ان هذه الحداثة لم تكن «واعية بعناصرها» بل إنها كانت وفي مختلف مراحل تطورها مواكبة لضدها إذ ان من خصائصها أن تربي في ذاتها ضدها، حيث «لا حداثة من دون حداثة مضادة».
وفي هذا السياق، قدم العروي نماذج تكشف تناقضات الحداثة، ففي حين يرفع المفكر الفرنسي جان جاك روسو راية حرية العقيدة ويعادي الحضارة والعلم، يقاوم مواطنه فولتير الاستبداد ويحارب الديموقراطية، موضحا «إن الحداثة بما أنها أصبحت مرادفة للحضارة الغربية، فقد كثر الحديث عن أزمة الحضارة، وبدأ البحث عن بدائل إما في الماضي وإما في المستقبل».
أبعد من ذلك، يقول العروي: «ان الحداثة لم تتقبل في موطن منشأها بل فرضت فرضا على ألمانيا وروسيا وهولندا وانكلترا وفرنسا، وأن هذا يتجلى في الإبداعات الأوروبية الحديثة التي تعتبر وثيقة إنسانية مسجلة ضد النتائج السلبية للحداثة».
وبالمقابل، وفي حديثه عن الواقع التاريخي، يميز العروي بين مجتمعات «عرفت الحداثة وامتحنت بها وتتطلع إلى تجاوز هذه الحداثة بالقدر والوسائل التي وفرتها لها الحداثة التي عرفتها هذه المجتمعات إما طوعا أو كرها، فهي «غنية وواعية ومنتظمة ومهيمنة على العالم»، وبين مجتمعات «فرضت عليها الحداثة فرضا في صورة مبشر أو تاجر أو غاز فقد «قامت يوما فوجدت الحداثة بين أظهرها».
ويذهب العروي إلى «ان الحداثة المفروضة ترعى النزعات المعادية لها، فحيث ما تزامنت الحداثة والاستعمار حاول البعض التخلص من الاثنين (نموذج:الماوية والغاندية والخمينية واللينينة) مع وجود خيط رابط بين هذه الاتجاهات يتمثل في التوصل إلى كيفية مواجهة الحداثة وتجاوزها بوسائل قبل حداثية أم بوسائل الحداثة وبعض مظاهرها كالعقلانية والعلمية.
وفي نطاق تناوله عوائق التحديث، يجمل العروي هذه المعيقات في العائق الفكري وهو «المعارضة الغبية الجاهلة أو التفنيد الماكر»، والقول إن الحداثة «كانت تنطعا فلزمت التوبة على الداعين إليها والقائمين عليها والقائلين بها» وأمر هذا العائق موكول إلى الحداثة»، إما تقهره وإما يتلفها فنخسر جميعا».
ويخلص العروي إلى القول «إن الاتجاهات التي انخرطت في مواجهة الحداثة انقسمت بين طرف حازم قاصد (نموذج الصين) وطرف متردد ومتقاعس (نموذج البلدان العربية). فيما تتمثل العوائق الأخرى، وهي عوائق تمت إلى مكونات الحداثة، في المثبطات التي تعوق الفرد والحرية والديموقراطية والعقلانية العلمية التي منطلقها التجربة والاستقراء، ولكل عائق وجه اقتصادي وسياسي واجتماعي وعقائدي.
وضم الكتاب إضافة إلى التقديم الذي كتبه الناقد عبد الحميد عقار رئيس اتحاد كتاب المغرب، تعقيبين هما «منطق التاريخ» للباحث عبد المجيد القدوري و«تساؤلات حول عوائق التحديث» للكاتب والأكاديمي نور الدين أفاية، وكذلك رد العروي على هذين التعقيبين المعنون بـ «منطق الحداثة».
وجاء في تقديم عقار «إن الإصغاء المباشر للعروي وقراءة أعماله ومؤلفاته، كلاهما يوفر لنا دوما فرصة حقيقية لمواصلة التعلم ولتجديده وفتح آفاقه على السواء»، منوها بإسهامات العروي المعرفية ومنهجيته في التحليل والتأويل، وبأعماله الأدبية ورواياته التي تشخص تفاصيل وجدان كثيف يقظ متحفز.
ومن بين أبرز أعمال المفكر والمؤرخ المغربي عبد الله العروي المنشورة «الإيديولوجيا العربية المعاصرة» و «مفهوم الحرية» و»مفهوم العقل» و«مجمل تاريخ المغرب» و«العرب والفكر التاريخي» و«أزمة المثقفين العرب»، أما رواياته فهي «الغربة» و«اليتيم» و«الفريق».