ما دامت التهمة تتعلق بالتأبين، فلا نختلف على أهمية رفع مجلس الأمة الحصانة عن النائبين أحمد لاري وعدنان سيد عبدالصمد، ومعها الدعاوى المقابلة التي سيتم رفعها على النواب الذين أساؤوا في حقيهما ليكون القضاء هو الفيصل، وهو موقع الاحتكام وفض النزاع والملاذ الآمن الذي يحق الحق ويعيد الاعتبار الشخصي والنفسي والاجتماعي للمتهمين، بل هو الموقع الوحيد الذي يملك أهلية تحويل التهمة إلى إدانة في حال ثبوتها، وهو الذي سيكون موقعاً للنظر في حملات القذف والتشهير التي مارسها بعض دعاة الحقد والكراهية من الذين انكشفت عوراتهم ولا مناص من تقديمهم جميعاً للمحاكمة العلنية والعادلة.
نعم لرفع الحصانة مادامت في إطار التأبين وتداعياته، ولكن لا وألف لا لرفع الحصانة إن كانت التهمة كيدية ولا علاقة لها بالتأبين، لا لرفع الحصانة والمشاركة في مخطط مبيّت يهدف إلى النيل من رموز وقيادات وعلماء وقوى وتجمعات سياسية تنتمي إلى طائفة محددة، لا لانجرار نواب المجلس إلى مخطط يستهدف إعادة فتح ملف الثمانينات وما فيه من ممارسات أحسب أنها في حال تم الغوص في أعماقها ستكون وبالاً على الجميع. واليوم بات نواب اللجنة التشريعية تحديداً ونواب مجلس الأمة عموماً على محك تجنيب البلاد الفتنة والنأي بنفسهم عن هذا التطور المشبوه، والذي انحرف تماماً عن مسار أحداث التأبين وتداعياته.
لا لرفع الحصانة بعد أن تبيّن اليوم أن السبب الحقيقي للضجة المفتعلة كلها لم يكن موقف هؤلاء المتهمين من التأبين، بل في نظري ما هو إلا تصفية لحسابات سابقة في فترة الثمانينات أنهاها الغزو العراقي للكويت من دون مكاشفة ومفاضحة، وجاء الأمير الراحل الشيخ جابر ليغلق بابها بمنطق «عفا الله عما سلف»، وها هو اليوم هناك من يريد أن يستخدمها زوراً وبهتاناً لشق صف الوحدة الوطنية وللنيل من تماسك المجتمع وإغراق البلاد في فتنة لا يمكن أن تكون لتداعياتها المستقبلية خيراً على بلدنا وأهلنا.
وهنا أضع أمام اجتماع اللجنة التشريعية اليوم تساؤلات عدّة، أولاً ما علاقة المادة 30 من قانون الجزاء الكويتي بتهمة التأبين؟ ولماذا اتهام النائبين بالانضمام لجماعة هي «التحالف الإسلامي الوطني» دون اتهام بقية أخرى من النواب المنضمين إلى الحركة الدستورية والتحالف الوطني والتجمع السلفي وغيرها؟ وثانياً أليست تلك الأساليب التعسفية في الاعتقالات التي تمت وسير التحقيقات والحجز غير المبرر والكفالات المالية العالية والتي لم تشهدها تاريخ الكويت مؤشرات تصب في ترجيح كيدية التهم؟ وفي ظل إلغاء قانون التجمعات، أليس في عدم وجود أي قانون يجرم التأبين دليل على تحوير التهمة من مشاركة في تأبين إلى أمر آخر؟
أيها السادة نواب اللجنة التشريعية، إن سير التحقيقات الأخيرة وطريقة تعامل الجهات المعنية معها وغياب الشواهد والإثباتات العينية وفقدان القضية لأركانها كما ذهبت إليه هيئة الدفاع عن لاري وعدنان، لدليل قطعي على أن القضية لا علاقة لها بالتأبين وليس الهدف منها إدانتهم بالمحاكم بقدر الاستفادة من الجو الاجتماعي والإعلامي والسياسي لإذلال النائبين وإهانتهما نفسياً واجتماعياً عبر ممارسة الأساليب نفسها التي مورست في حق من سبقهم ليس أكثر ولا أقل. لذا أملنا كله اليوم وأنتم تمثلون الكويت كلها أن تكونوا على قدر المسؤولية، فهناك من اختاركم أداة ووسيلة للنيل من خصومه، وأنتم أدرى بقواعد اللعبة السياسية وخطوطها الحمراء التي اخترقت، فلا تسقطوا في الاختبار.
د. سامي ناصر خليفة
أكاديمي كويتي
alkhaldi4@hotmail.com