أجزاء العالم وتفاصيله، أحداثه وذكرياته وطموحاته، تُنبئ عن وجه آخر يعكس ذواتنا وصفاتنا الخفية، ويكشف عنا ستار الأعراف والتقاليد والتبعية، يزيل غمام الأجداد وتراكمات الحوادث، كل موقف جديد يعزز فينا صفة أو يكشف عن طبع، وكل طبع مكتشف يرسم لنا ملامح شخصيتنا الخفيّة المستترة، الغائبة حيناً والتائهة أحياناً أخرى، لا ندّعي أننا نقود ذاتنا في كل موقف أو أننا نسيطر على عالمنا ونيسره كما نريد، فما لا نملك أكثر بكثير مما نملك وعلى الرغم من قلة ما نملك إلا أن ذاك القليل أثمن بكثير مما لا نملك، المواقف التي ننصاع فيها للتقاليد والأعراف الجاحفة تزيد من ظلمنا أنفسنا وظلمنا لمن يأتوا بعدنا، المواقف التي ننصاع فيها لجنوننا أو لانهياراتنا تورثنا راحة موقتة وشيئاً من التنفيس لوقت آخر سنتخذ فيه قرارت عقلانية منطقية بحتة، جنوننا المؤقت ضرورة موقتة، نحتاج لترجمة واقعنا من جديد، متى نمتثل للقانون، ومتى نصغر أمام الموروث، متى ننصاع للجنون، ومتى نكون في أوج نشاطنا الفكري المنطقي؟ كل ما نعايشه من مشاعر وأحداث وحتى مناسبات الفرح والحزن نحتاج لقراءة واقعها من جديد وترجمة متطلباتها ومتطلباتنا فيها، أعيادنا وأفراحنا وتجمعاتنا العائلية ولقاءات الأصدقاء المتفرقة قد تترجم لأعياد روح وعقل ونفس، سد الحاجة بالفرح أكمل من سدها بالحزن والعزلة، على الرغم من أن للعزلة فوائده جمة إلا أنها تستعصي إلا على العلماء الفطاحل، لذلك احتجنا للقاءات كثيرة وتنفيسات بين اليوم والآخر وإبداع في اكتشاف المواقف المفرحة والسعيدة والثرية بالضحك والشفافية والوضوح، المكاشفة بين النفوس ومع النفس يورث ارتياحاً خاصاً من نوعٍ أعمق وعمرٍ أطول، اكتشافنا لذواتنا يكشف عن عوالم أخرى وذوات أخرى ويفسح الطريق للتعامل الأمثل والبناء الأفضل لعلاقاتنا، التضحية مفهوم عظيم يحتاج منا لشجاعة واقتناع ورؤية لما هو أفضل يحتاج منا للجنون حيناً وللعقل حيناً، البداية في المضي قدماً تكون مع النفس ثم النفس ثم النفس لننطلق محصنين واعين ومتفهمين، مرنين أكثر ومتقبلين للاختلاف.
أنوار مرزوق الجويسري
[email protected]anwar1992m@