لا أحد يجادل في هذا الزمن مقولة الفن للحياة أو الفن كانعكاس للواقع، بعد انعزال الفنون المجردة عن واقع الانسان وطموحاته، بل هي شذوذ عن الفلسفة العلمية التي تضع أولوية الوجود الاجتماعي على الوعي الاجتماعي فلا وعي بلا وجود، فالشكلانية في الأدب والفن لم تزكها الحياة، وهي تعبير عن عدم الانسجام كما يقول (لوكاش).
وانعكاس الفن لا يكون للواقع اليومي فقط بمعنى سكونه، ولكن تكمن أهميته في عكسه للواقع أثناء سيرورته أو ديناميته الداخلية، وبهذا فقط تعبر الفنون والآداب عن فهمها الحقيقي لحياة الانسان وحركة المجتمع، أما الشكلانية فهي إما هروب جبان من مسؤولياتها وإما عدم وعي بالواقع.
وبالطبع فإن الثورات الاجتماعية والتحولات المجتمعية الجذرية وشبه الجذرية، لابد وأن يكون لها انعكاس على الفنون والآداب، فالواقع الموضوعي أياً كان لابد وأن يفرز أفكارا وتجليات فكرية وفنية وأدبية، والموقع الطبيعي للمبدع هو الموقع التقدمي في فهمه للواقع.
فالواقع الجديد يخلق تجليات فنية وأدبية جديدة، فثورة 23 يوليو المصرية قدمت مستوى جديداً تقدمياً للشعر والموسيقى والمسرح والسينما والفنون التشكيلية وبالأخص فن النحت، ونتذكر نجيب سرور وصلاح جاهين وفؤاد حداد والأبنودي، وفي الغناء والموسيقى نتذكر الشباب عبد الحليم حافظ ومحمد الموجي وكمال الطويل وغيرهم، الذين قدموا نمطاً جديداً في الفنون والآداب في الواقع الجديد.
وفي الثورات العربية الحديثة نشأت فنون الميادين كما تسمى، ففي مصر بالذات ذات العمق الحضاري والثقافي، تفجرت فنون وآداب من ميدان التحرير بينما لم نجد مثل هذا التأثير في الفنون الليبية مثلاً الا ما ندر.
وفي الكويت التي عادة ما تتأثر بما يحدث في الساحة العربية وبالأخص المصرية، لم نجد مثلاً دراسات عميقة حول الثورات العربية مع ان عدد المقالات الكويتية حول الموضوع كثيرة، ربما يكون السبب التيقن والتثبت أو أجواء الصدمة التي ما زال تأثيرها ممتداً.
وعلى صعيد الشعر لم أرصد الا اثنين من أهم شعراء الكويت انفعلا بالحدث ولاقى داخلهما انسجاماً على حسب لوكاش، فالشاعر خليفة الوقيان كتب قصيدة جميلة باللهجة المصرية خلتها من شعر الأبنودي واستأذنته باهدائها لأحد الثوار المصريين.
وكذلك الشاعرة جنة القريني التي كتبت قصائد في غاية الجمال حول الثورة المصرية وانتصار الثورة الليبية، وبعض هذه القصائد باللهجة المصرية فهي الأقرب الى النبض الثوري المصري.
وأهمية قصائد الوقيان والقريني لا تكمن في الانعكاس الفوري والمباشر للواقع فقط، ولكن لأنها تعكس موقفاً اجتماعياً تقدمياً، فقصيدة د. خليفة ومنذ فبراير الماضي ركزت على مضمون انساني جميل وهو اتحاد الهلال والصليب في هذه الثورة، وكذلك فعلت الأستاذة جنة عندما خصصت احدى قصائدها لأم الشهيد القبطي مينا وأم الشهيد المسلم خالد سعيد، كما كتبت قصيدة جميلة بعنوان (ميم... صاد... راء)، وكذلك قصيدة الوقيان التي تعبق برائحة الشعب في الحواري والغيطان والتي سمحت لنفسي بأن أعطيها العنوان (صباح النصر يا مصر).
وليد الرجيب
[email protected]