مشروع إعادة ترسيم الحدود الإدارية الداخلية يصطدم باعتراضات المناهضين لتقسيم العراق

تصغير
تكبير
| بغداد - من حيدر الحاج |

تلوح في الأفق العراقي الملبدة سماؤه اصلا بغيوم الصراعات السياسية، أزمة جديدة تنذر بزخات ماطرة من الخلافات المتجذرة في عمق العلاقة التاريخية بين مختلف الاطراف التي تشكل منها المشهد السياسي القائم حاليا في البلاد.

فبعد الاطاحة بحقبة الحكم الديكتاتوري قبل أكثر من ثماني سنوات، ظهرت على السطح الكثير من المشاكل والازمات التي نتج عنها ولا يزال صراعات تصل الى حد الدموية، بسبب خلافات تندلع من وقت لآخر بين حكام العهد الجديد، طابعها سياسي لكن وقودها الناس الابرياء.

أولى بوادر الأزمة الجديدة ظهرت قبال أسابيع من الآن، بعد أن تنامى الى مسامع الساسة أنباء تفيد بـ «انهماك» رئيس الجمهورية جلال طالباني في الإعداد لمشروع يهدف الى إرجاع الحدود الادارية لبعض المحافظات التي يثار على اراضيها اشكالات جغرافية او ما تعرف بـ «المناطق المتنازع عليها» الى ما قبل ترسيمها بموجب قرارات ومراسيم النظام السابق.

الفريق المؤيد لتوجهات طالباني، اشار الى ان تلك المراسيم والقرارات التي صدرت في حينها من اعلى هرم السلطة وهو رئاسة الجمهورية ابان الحكم البعثي الذي دام أكثر من 35 عاما، تم بموجبها «استقطاع وحدات أدارية (اقضية ونواحي) من حدود عدد من المحافظات والحقت بغير محافظاتها الاصلية».

لكن وجهة نظر آخرى للقضية يعبر عنها الفريق المعارض لتوجهات طالباني، إذ يقول احدهم ان «مشروع القانون الذي اعده طالباني يعد امرا مخالفا للدستور ولا يوجد له سند قانوني... إذ كان واجبا اتخاذ جملة اجراءات قبل الإقدام على صياغة مثل هذا القانون بهدف إقراره».

وقبل أيام، أرسل طالباني مشروعه الى مجلس النواب بهدف إقراره وإلغاء تلك المراسيم والقرارات التي يقال ان عددها يقارب 200 ما بين قرار ومرسوم جمهوري، تجلت للعيان البوادر التصعيدية للأزمة من خلال التصريحات النارية المتبادلة بين معسكرين احدهما يؤيد فكرة طالباني وتوجهاته، وآخر يعارضها بانتقاد شديد ويهدد بمواجهتها بشتى السبل.

الاصوات المعارضة لمشروع طالباني تمثل معسكر المناهضين لفكرة تقسيم البلاد، إذ نصح عمر الجبوري النائب عن محافظة كركوك احدى المحافظات التي توجد عليها اشكالات جغرافية بين الأكراد والحكومة المركزية، رئيس بلاده بسحب مشروعه من قبة البرلمان.

المشروع محل الخلاف وان لم ير النور بعد، يعتبره البعض خطوة تمهيدية لتطبيق بنود المادة 140، والمتمثلة بتطبيع الاوضاع في مناطق الإشكال الجغرافي، وإجراء الاحصاء والاستفتاء على هويتها، وهو ما نص عليه الدستور الجديد لكن تعثر تطبيقها لأسباب مختلفة.

مصير هذه المناطق لم يحسم بعد بسبب خلافات سياسية ومعوقات فنية وآخرى مجتمعية بين مكوناتها، الأمرالذي أدى إلى اشتداد التنافس على هوية تلك المناطق، لا سيما بين المكونيين العربي والكردي اللذين يشكلان غالبية سكان المناطق التي تقع في شرق وشمال العراق.

ووفقا للأنباء الواردة من داخل كواليس الاجتماعات التي عقدت في هذا الاطارعلى مدار الفترة الماضية، فأن غياب التوافق السياسي وتنامي المخاوف لدى القواعد الجماهيرية في المناطق المتصارع عليها، حال دون تنفيذ عدد من بنود المادة 140 منها مسألة التعداد السكاني.

الخطوة التي أقدم عليها الرئيس، يرى فيها البعض أنها خلافا لما كلفه به الدستور كحام آمن للبلاد ووحدتها، تأتي في وقت تتفاعل فيه قضية إعلان محافظة صلاح الدين إقليماً مستقلاً وتوجه محافظات أخرى لإجراءات مماثلة، وهو ما يخشى منه تفجير نزاعات جديدة في البلاد.

المنتقدون لمشروع طالباني يزعمون ان الأكراد سيكونون «الرابح الأكبر» في حال تم تمرير هذا المشروع برلمانيا، وهو ما يرد عليه احد الساسة الكرد البارزين، بالقول «نحن لا نسير من منطلق الربح والخسارة في هذه القضية، بل نريد وضع إعادة الامور الى نصابها الحقيقي».

الأكراد الذين ينتمي إليهم طالباني يدَعون بـ «الهوية الكردستانية» لبعض مناطق الإشكال الجغرافي، وردا على الادعاءات الكردية تلك تطالب الاطراف العربية التركمانية التي تسكن في تلك المناطق أيضا، تطبيق قرارات سابقة أبرزها تشكيل لجان تقصي الحقائق عن عمليات «تغيير ديموغرافي» يزعم ان الكرد قاموا بها في المناطق النزاع منذ عام 2003.

مشروع «مام جلال» كما يحلو للأكراد تسمية طالباني، يواجه اعتراضات وانتقادات من ساسة ينتمون الى تلك المناطق، فيؤكد النائب الجبوري وهو من المدافعين عن وحدة العراق، ان «البرلمان سيرفض مشروع القانون الذي تقدم به رئيس الجمهورية، وهو ما قد يصيبه بخيبة امل». اعتراضات الجبوري ليست الأولى من نوعها، ففي أثناء انشغال رئيس الجمهورية وفريقه القانوني بالترتيب لإعداد هذا المشروع المثير للجدل، حذر ائتلاف «العراقية» النيابي بزعامة أياد علاوي من مغبة «ادخال هذه القضية الحساسة في اطار الصفقات السياسية التي تبرم بعيدا عن مصلحة اهالي تلك المناطق».

وقال النائب رعد الدهلكي الذي حصل على أصوات ناخبيه في محافظة ديالى (شرق) بغداد، وهي من المحافظات التي تثار حول بعض اقضيتها ونواحيها اشكالات جغرافية «اننا نحذر من ان تكون ما تعرف بالمناطق المتنازع عليها جزء من الصفقات السياسية»، مؤكدا إن أي اجراء يتخذ حيال تلك المناطق يجب ان يكون لمصلحة سكانها وليس لمصلحة الجهات السياسية.

ومع هذا الجدل البيزنطي، يتوقع لهذه الأزمة ان تعيق عملية تحليق طائرة الفرقاء في أجواء مضطربة تسود الساحة السياسية في البلاد، أو على أقل توقع ستعرضها لمطبات هوائية عنيفة يمكن ان ينتج عنها مزيد من الاضطرابات الخلافية تحديدا بين الحكومة المركزية والأكراد.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي