علي محمد الفيروز / إطلالة / قراءة في الخطاب الأميري والرئاسي

تصغير
تكبير
كان لافتتاح دور الانعقاد العادي الرابع من الفصل التشريعي الثالث عشر لمجلس الأمة فرصة ثمينة للحكومة والمجلس للتعبير عما يدور في الساحة المحلية والبرلمانية من صراعات سياسية ومظاهرات شعبية مرفوضة في ظل الانتهاك الواضح للدستور وللائحة المجلس ولقوانين البلاد، لذا افتتح سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد - حفظه الله ورعاه - دور الانعقاد الحالي ليعبر عن أسفه لانحدار لغة الخطاب السياسي والتراشق النيابي والتشكيك بتهم الرشوة والفساد والخيانة والعمالة من غير دليل، فالأحوال الدائرة كما يقول سموه قد تجاوزت كل الحدود والأعراف، ويجب تحكيم صوت العقل والحكمة ونبذ الخلافات والوعي بالتحديات، مؤكداً سموه أنه لن يقبل بأي مزايدات! وهي دلالة على ما يؤلم سموه من أجواء التوتر والتأزيم السياسي والنزاع المستمر بين المجلس والحكومة «كأنهما خصمان لدودان»! والسؤال هنا: إلى متى هذا الخصام، والى متى سيستمر هذا التأزيم، وهل حل المجلس هو الحل الأخير في كل مرة، أم أن ما يدور في الساحة المحلية والبرلمان والشارع هي وفق أجندات معينة هدفها النيل من الكويت الحبيبة؟!

لقد كان النطق السامي لسمو أمير البلاد - حفظه الله - عند افتتاحه دور الانعقاد الجديد للمجلس مؤثراً جداً وقريباً من قلوب أهل الكويت خصوصاً حينما قال سموه: قلقكم يؤلمني فكيف أرتاح إذا لم تكونوا مرتاحين، وكيف يهدأ لي بال إذا كنتم قلقين! وأضاف سموه: أريدكم أن تطمئنوا ولا تقلقوا فلن نسمح بالمساس بكويتنا الحبيبة، داعياً الكثير من وسائل الإعلام دون بعضها التي دأبت على صب الزيت على نار الفتن لتزيدها اشتعالاً وتنفخ في أتون التأزيم والبغضاء، لاهثة وراء الإثارة وتأجيج الصراعات وافتعال العداوات مع الآخرين، جاهدة بذلك زيادة الانتشار بأي ثمن!

ولكن أكد سموه بأنه لن يسمح بالمساس بكويتنا، وغداً سيكون الأفضل إن شاء الله. وفي السياق نفسه، أكد رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي في كلمته الافتتاحية لدور الانعقاد ضرورة الحرص على تكريس الحوار الديموقراطي الراقي والبعد عما يسيء للآخرين، وإن الاختلاف في الرأي بشأن القضايا الوطنية يجب أن يبحث ويعالج في الإطار المؤسسي ووفق القواعد الدستورية والاجراءات اللائحية الحاكمة للممارسة النيابية، منتقداً في الوقت ذاته توزيع الاتهامات والتشكيك في الذمم عبر التصريحات الإعلامية والانتخابات دون أدلة واثباتات دامغة وبيانات مؤكدة، وهذا بالتأكيد لا يحل المشكلة إنما يسيء للمؤسسة التشريعية، ويزعزع ثقة المواطن الكويتي، أما عن مظاهر الفساد، فقال الرئيس الخرافي: يجب أن تكون مواجهته من خلال القضاء وتكريس سيادة القانون، إذ ان البلاد تواجه تحديات مهمة واشكاليات صعبة، لذا اننا بحاجة ماسة لإصلاح ينتشلنا من أوضاع الحاضر ويضع حداً لقلقنا على المستقبل، مبيناً أن تحقيق أهداف التنمية وبناء ديموقراطية حقيقية ومحاربة الفساد لا يكون بجلد الذات أو بالفرقة والخلاف أو التهديد والوعيد أو الخروج على القانون والمؤسسات الدستورية، مؤكداً أن أخطر تلك الشواهد «حالة الاحباط» و«جلد الذات» التي استشرت في خطابنا السياسي والاجتماعي، وأصبحت سمة عامة عند تناول أوضاعنا ومشكلاتنا، بل وإساءات تلحق الضرر لمجتمعنا وسمعة بلدنا أمام العالم، لذا علينا الانتباه والحيطة من مصادر التحريض والتشدد، ومن الذين يتذرعون بالمصلحة الوطنية من أجل مصالحهم الضيقة وطموحاتهم الشخصية... نعم إن هذه مسؤولية وطنية تتحملها السلطتان التشريعية والتنفيذية، كل في إطار اختصاصاته، فإن كان على السلطة التشريعية تطوير وتحسين أدائها وتحويل المساءلة السياسية الى أداة اصلاح لا تهديد، فإن على الحكومة ألا تجزع من تفعيل أدوات الرقابة البرلمانية، وعليها العمل الدؤوب من أجل تطوير أداء مؤسساتها وأجهزتها في تنفيذ خطة التنمية، واستكمال البنية التشريعية اللازمة لتحقيق أهدافها في إطار رؤية استراتيجية جيدة وممارسة اصلاحية تنقلنا قدماً للأمام، وتضع أرضية صلبة للتعاون مع البرلمان... هذا وقد سلط الرئيس جاسم الخرافي في خطابه الرشيد على موضوع «منصب الرئاسة» وما يدور حولها من صراعات وأقاويل، قائلاً بأن رئاسة مجلس الأمة ستبقى حريصة على الحياد في عقد وادارة الجلسات وفق إطار الدستور واللائحة الداخلية، وهذا ما تحرص عليه رئاسة المجلس، وانطلاقاً من الحرص الشديد على هذه المؤسسة التشريعية، ومن تجربته فيها، أشار الخرافي الى ضرورة النأي عن اقحام التنافس على منصب الرئاسة والدخول في صراعات أو أجندات خاصة من شأنه إلحاق الضرر للعمل البرلماني، وتعطل فيها الانجازات، مؤكداً في الوقت نفسه أن رئاسة المجلس لها موعدها وإجراءاتها الدستورية واللائحية... إذاً ومن خلال ما سبق من خطاب أميري وخطاب رئاسي غلب عليه النصائح والتوجيهات الأبوية السامية، والآمال النيابية النبيلة، نتمنى تحقيقها على أرض الواقع لننعم بالأمن والأمان والاستقرار في هذا الوطن الغالي... فهل هذا مستحيل؟ حفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه.



علي محمد الفيروز

كاتب وناشط سياسي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي