إشراقات النقد / إشكالية سكترما للروائي محمد البوهي بين جرأة العرض وخفوت فنية الرواية (2)


| سعاد العنزي |
ارتداد العنوان للنص : البعد الدلالي للعنوان
استكمالا لفكرة التطبيع والتي هي كذلك وثيقة الوشائج بالعنونة في الرواية سيتضح ان التطبيع كقضية حساسة لدى الشعوب العربية اتخذت بعدين في المتن الروائي.
البعد الاول: هو بعد سياسي متمثلا بالقانون المصري الذي فتح باب التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين ما يفتح بوابة المساءلة لهذه المؤسسات التي قبلت بالمهادنة والصلح الذي قد يكون مفروضا عليها قسريا ويحيل كذلك على فجاجة المفارقة الساخرة بين عهدين متفاوتين على الشعب المصري، والمفارقة تكمن إنها نتجت بين عهدي حاكمين كانا من ابناء ثورة الضباط الاحرار، متمثلين بجمال عبدالناصر وأنور السادات. فالأول: جمال عبدالناصر كان مؤسسا لثورة نهضوية عربية توحد بين العرب وتجمع صفوفهم ليؤسسوا منظمة عربية واحدة متحدة تحارب كل من يمس قلب او أطراف الوطن العربي فعاشت الامة العربية في عهده زمن الحلم القومي ونشوة الالتحام وتحقق الوحدة العربية.
اما الحقبة الثانية: فهي زمن أنور السادات الذي تنازلت مصر في عهده كثيرا عن طموحاتها في لم شمل العرب والعيش كقوة مستقلة مقابل اسرائيل او الغرب، فحدثت اتفاقية كامب ديفيد للسلام والمهادنة مع اسرائيل، هذه الخطوة التي كانت هي بالفعل بداية الانحراف الحقيقي والرسمي والنزول التدريجي لقاع الفساد في العهد الحالي برئاسة المخلوع محمد حسني مبارك، فالاتفاقية ولعمق المفارقة الساخرة كانت تؤسس لفكرة سلام عربي - اسرائيلي في ذاك العهد المنصرم بينما تكشف ثورة 25 يناير، عن وجود عقود لبيع الغاز إلى اسرائيل بين الحاكم وأبنائه مع الحكومة الاسرائيلية عبر حلقة الوصل الجاسوس أو العميل الاسرائيلي حسين سالم. أليست هذه الحقائق كاشفة بوضوح عن مفارقة ساخرة في العقود الماضية بين حقبة جمال عبد الناصر ذاك العروبي الذي قوى دعائم الاتصال بين العرب واحيا أفكار الوحدة العربية وبين الأخير الذي لم يكن عميلا وحسب، بل يبيع خيرات بلده بسوق النخاسة الدولي لمن كان أكثر سخاء.
أليست هذه الأوضاع بمثابة الرصاصة المرتدة للشعب المصري عندما قبل فكرة سلام محتملة مع شعب لا يعرف السلام، وسمح لرؤوس الفساد تعتلي عرشه على مدى ثلاثين عاما، فتردت الأوضاع المصرية وصولا لوضعها الحالي.
أليس العملاء والخونة لمصر في الرواية هم الرصاصة المرتدة إلى الشعب المصري، لأن الظروف والقهر الاجتماعي جعلتهم لا ينتمون إلى هذا البلد فيقعون تحت وطأة التطبيع وخيانة البلد، فعندما أراد شخوص الرواية محاسبة الدكتورة سحر على قبولها ترجمة أعمالها إلى اللغة العبرية لم يكونوا يلتفتون الى حكاية سحر التي لفظها المجتمع المصري بكامله هي وأمها الأرملة لأنهما يعيشان من دون حائط ذكوري يسندهم عن فظاظات تطفل ذوي الشبق المؤقت والشهوات الطارئة فكل ما أرادته، أم سحر ألا تكون هي وبناتها وجبة سريعة في فكي أي عابر سرير، وعلى الرغم من تلك المحاولات الضعيفة في الإبحار في الحياة من دون ضغوطات من المصطادين في مياه الضعف والوهن والعجز الآدمي لفراشات تستضيء بغيرها.
ففشل الأم والفتاة من النجاة من متاهات الفساد ورفض المجتمع لهن جعلهن عينات آيلة للسقوط في دوائر الفساد وبالتالي القبول بالتطبيع مع إسرائيل وغيره من الأمور فما حدث لسحر من لطمات صفعت بها من قبل المجتمع المصري يبدو إلى محاميها يوسف مبررا شبه كاف لتبني القضية والاقتناع بعدم إدانتها أمام القضاء أو على الأقل قبول التصور بعدالة قضيتها، والذي يدعونا إلى القول بأنه شبه مقتنع في القضية كشخصية رئيسة في العرض و كسارد أساسي في الرواية يقدمها عبر السرد الذاتي للرواية وعبر ضمير المتكلم، أولا شخصيته كسارد داخل النص المترددة بين قبول سحر أو رفضها، بين الاقتناع بوجهة نظرها أو هدمها، وجاء هذا التردد متمثلا بصورة أساسية عبر عرضه لرسالة سحر ودفاعها عن نفسها بسرد حكايتها وحكاية اهلها منذ ان كانوا صغارا الى أن وصلت فيها الأمور إلى دخول مرحلة التطبيع مع اسرائيل، وهذا ما وضعه كمحام في مذكرته للقضاء الذي يفترض أن يدونها بنفسه فهذا يعني عدم اقتناعه الكلي بموضوع التطبيع ولم يجد من الأسباب ماهو كاف لان يكتب مذكرة الدفاع ويقنع القضاة به. هذا أولا: انعكاس لشخصية يوسف التي قد تكون مفرزا من مفرزات النكسة ويكون هنا هو حالة من حالات بعض الشباب المصري الذي تعرضت مبادئه وقيمه لهزة تغريب قوية جعلت منهم أن يكونوا ذواتا مهزوزة ومتشائمة أمام فساد الحاكم وخنوع المحكومين لدرجة التلذذ بطعم الهوان وشراب القهر.
وهذا ما يفسر سرد السارد والشخصية الأساسية عبر ضمير الأنا، فهذه الأنا على الرغم من إيحائيتها بذاتية السرد، فإن السارد هنا يرد على عهود من التغييب، والتهميش، بكتابة روايته الخاصة وحكايته الخاصة فهو يرفض ذلك التاريخ الذي لم يشارك فيه، والمعطيات التاريخية التي جبر أن يعيش فيها، فلا بد من تحقيق لتلك السلبيات، والمعطيات السلبية في الواقع الجديد للمجتمع المصري، والذي يريد السارد أن يعرف الكثير والكثير عنه، والذي يريد أيضا أن يدونه عبر قلمه وضميره الخاص به كإنسان بعدما سادت بنية التهميش كافة الشرائح ما عدا شريحة شبكة الفساد الحكومية في زمن الراوي.
* كاتبة وناقدة كويتية.
[email protected]
ارتداد العنوان للنص : البعد الدلالي للعنوان
استكمالا لفكرة التطبيع والتي هي كذلك وثيقة الوشائج بالعنونة في الرواية سيتضح ان التطبيع كقضية حساسة لدى الشعوب العربية اتخذت بعدين في المتن الروائي.
البعد الاول: هو بعد سياسي متمثلا بالقانون المصري الذي فتح باب التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين ما يفتح بوابة المساءلة لهذه المؤسسات التي قبلت بالمهادنة والصلح الذي قد يكون مفروضا عليها قسريا ويحيل كذلك على فجاجة المفارقة الساخرة بين عهدين متفاوتين على الشعب المصري، والمفارقة تكمن إنها نتجت بين عهدي حاكمين كانا من ابناء ثورة الضباط الاحرار، متمثلين بجمال عبدالناصر وأنور السادات. فالأول: جمال عبدالناصر كان مؤسسا لثورة نهضوية عربية توحد بين العرب وتجمع صفوفهم ليؤسسوا منظمة عربية واحدة متحدة تحارب كل من يمس قلب او أطراف الوطن العربي فعاشت الامة العربية في عهده زمن الحلم القومي ونشوة الالتحام وتحقق الوحدة العربية.
اما الحقبة الثانية: فهي زمن أنور السادات الذي تنازلت مصر في عهده كثيرا عن طموحاتها في لم شمل العرب والعيش كقوة مستقلة مقابل اسرائيل او الغرب، فحدثت اتفاقية كامب ديفيد للسلام والمهادنة مع اسرائيل، هذه الخطوة التي كانت هي بالفعل بداية الانحراف الحقيقي والرسمي والنزول التدريجي لقاع الفساد في العهد الحالي برئاسة المخلوع محمد حسني مبارك، فالاتفاقية ولعمق المفارقة الساخرة كانت تؤسس لفكرة سلام عربي - اسرائيلي في ذاك العهد المنصرم بينما تكشف ثورة 25 يناير، عن وجود عقود لبيع الغاز إلى اسرائيل بين الحاكم وأبنائه مع الحكومة الاسرائيلية عبر حلقة الوصل الجاسوس أو العميل الاسرائيلي حسين سالم. أليست هذه الحقائق كاشفة بوضوح عن مفارقة ساخرة في العقود الماضية بين حقبة جمال عبد الناصر ذاك العروبي الذي قوى دعائم الاتصال بين العرب واحيا أفكار الوحدة العربية وبين الأخير الذي لم يكن عميلا وحسب، بل يبيع خيرات بلده بسوق النخاسة الدولي لمن كان أكثر سخاء.
أليست هذه الأوضاع بمثابة الرصاصة المرتدة للشعب المصري عندما قبل فكرة سلام محتملة مع شعب لا يعرف السلام، وسمح لرؤوس الفساد تعتلي عرشه على مدى ثلاثين عاما، فتردت الأوضاع المصرية وصولا لوضعها الحالي.
أليس العملاء والخونة لمصر في الرواية هم الرصاصة المرتدة إلى الشعب المصري، لأن الظروف والقهر الاجتماعي جعلتهم لا ينتمون إلى هذا البلد فيقعون تحت وطأة التطبيع وخيانة البلد، فعندما أراد شخوص الرواية محاسبة الدكتورة سحر على قبولها ترجمة أعمالها إلى اللغة العبرية لم يكونوا يلتفتون الى حكاية سحر التي لفظها المجتمع المصري بكامله هي وأمها الأرملة لأنهما يعيشان من دون حائط ذكوري يسندهم عن فظاظات تطفل ذوي الشبق المؤقت والشهوات الطارئة فكل ما أرادته، أم سحر ألا تكون هي وبناتها وجبة سريعة في فكي أي عابر سرير، وعلى الرغم من تلك المحاولات الضعيفة في الإبحار في الحياة من دون ضغوطات من المصطادين في مياه الضعف والوهن والعجز الآدمي لفراشات تستضيء بغيرها.
ففشل الأم والفتاة من النجاة من متاهات الفساد ورفض المجتمع لهن جعلهن عينات آيلة للسقوط في دوائر الفساد وبالتالي القبول بالتطبيع مع إسرائيل وغيره من الأمور فما حدث لسحر من لطمات صفعت بها من قبل المجتمع المصري يبدو إلى محاميها يوسف مبررا شبه كاف لتبني القضية والاقتناع بعدم إدانتها أمام القضاء أو على الأقل قبول التصور بعدالة قضيتها، والذي يدعونا إلى القول بأنه شبه مقتنع في القضية كشخصية رئيسة في العرض و كسارد أساسي في الرواية يقدمها عبر السرد الذاتي للرواية وعبر ضمير المتكلم، أولا شخصيته كسارد داخل النص المترددة بين قبول سحر أو رفضها، بين الاقتناع بوجهة نظرها أو هدمها، وجاء هذا التردد متمثلا بصورة أساسية عبر عرضه لرسالة سحر ودفاعها عن نفسها بسرد حكايتها وحكاية اهلها منذ ان كانوا صغارا الى أن وصلت فيها الأمور إلى دخول مرحلة التطبيع مع اسرائيل، وهذا ما وضعه كمحام في مذكرته للقضاء الذي يفترض أن يدونها بنفسه فهذا يعني عدم اقتناعه الكلي بموضوع التطبيع ولم يجد من الأسباب ماهو كاف لان يكتب مذكرة الدفاع ويقنع القضاة به. هذا أولا: انعكاس لشخصية يوسف التي قد تكون مفرزا من مفرزات النكسة ويكون هنا هو حالة من حالات بعض الشباب المصري الذي تعرضت مبادئه وقيمه لهزة تغريب قوية جعلت منهم أن يكونوا ذواتا مهزوزة ومتشائمة أمام فساد الحاكم وخنوع المحكومين لدرجة التلذذ بطعم الهوان وشراب القهر.
وهذا ما يفسر سرد السارد والشخصية الأساسية عبر ضمير الأنا، فهذه الأنا على الرغم من إيحائيتها بذاتية السرد، فإن السارد هنا يرد على عهود من التغييب، والتهميش، بكتابة روايته الخاصة وحكايته الخاصة فهو يرفض ذلك التاريخ الذي لم يشارك فيه، والمعطيات التاريخية التي جبر أن يعيش فيها، فلا بد من تحقيق لتلك السلبيات، والمعطيات السلبية في الواقع الجديد للمجتمع المصري، والذي يريد السارد أن يعرف الكثير والكثير عنه، والذي يريد أيضا أن يدونه عبر قلمه وضميره الخاص به كإنسان بعدما سادت بنية التهميش كافة الشرائح ما عدا شريحة شبكة الفساد الحكومية في زمن الراوي.
* كاتبة وناقدة كويتية.
[email protected]