مشاهد / الزعيم... يحلق شعره

u064au0648u0633u0641 u0627u0644u0642u0639u064au062f
يوسف القعيد
تصغير
تكبير
| يوسف القعيد |

عندما سألت المرحوم إدريس علي عن روايته المصادرة: «الزعيم يحلق شعره»، وذلك بعد مصادرتها بإجراء خشن من قبل جهات المصادرة المصرية التي تعدت مصادرة العمل** إلى مطاردة الناشر وتهديد المؤلف... يومها أقسم لي إدريس علي أنه لا توجد لديه نسخة منها، ثم إنها وهذا هو اعترافه «بعضمة » لسانه ليست أفضل أعماله، لكنها لعبة المصادرة التي تجعل من أي عمل مهما بمجرد أن يصادر.

ثم رحل إدريس علي عن عالمنا في «2010/11/29» ولم ير بنفسه رحيل القذافي بعد ما جري في بلاده من ثورة شعبية، وتغاضي السلطات المصرية عن وجود الرواية في مكتبات القاهرة رغم الحملات التي قامت بها في منتصف العام الماضي عند صدور الرواية، لأن العقيد الليبي معمر القذافي يحتل غلافها. والعنوان يقصده، وكانت العلاقات بين الحكم السابق في مصر والعقيد الليبي معمر القذافي: «سمنا على عسل» كما يقولون في التعبيرات الشعبية المصرية.

ولأن كل ممنوع مرغوب.. فالرواية توزع الآن باعتبارها نصا ممنوعا يعطيه لك صاحب المكتبة خلسة بعد أن يضعه في مظروف وينظر حوله في الجهات الأربع ويتأكد من عدم وجود غرباء في المكتبة.

توشك أن تضحك من كل هذه الاحتياطات الكثيرة. لكنها لعبة أقرب للتواطؤ بين كل الأطراف. ذلك أن قرار مصادرة الرواية قد سقط بسقوط رئيس مصر ثم سقوط رئيس ليبيا. وهكذا وجدتني أقرأ الرواية الصغيرة أو القصة الطويلة. والتي تقع في 129 صفحة من القطع الصغير.

الرواية تدور أحداثها في ليبيا التي عمل إدريس علي فيها فترة من الوقت خلال عقد السبعينات من القرن الماضي. وإدريس يظهر في الرواية باسمه وباعتباره كاتب رواية. وعمله الأول وكان عنوانه: المبعدون. يظهر في هذه الرواية عندما يحاول إدريس نشره في إحدى الصحف الليبية ويفشل. وكلنا يذكر أن العلاقات بين السادات في مصر والقذافي في ليبيا كانت قد وصلت في تلك السنوات لطريق مسدود. وصلت لقيام مصر بضرب ليبيا عسكريا انتقاما من المواقف التي كان يتخذها القذافي وصحفه وإعلامه ضد الرئيس السادات، والتي كانت قد تجاوزت الكثير من الخطوط الحمراء التي يراعيها المسؤولون العرب عندما يختلفون مع بعضهم بعضًا.

تقابل في رواية: الزعيم يحلق شعره لإدريس علي أشخاصا من الواقع بأسمائهم مثل محسن الخياط «شاعر العامية الجميل»، والذي اخترع في مصر تعبير: أدباء الأقاليم. «وكان مسؤولا عنهم في جريدة الجمهورية»، ثم سافر إلى ليبيا ومكث فيها سنوات طويلة، إدريس علي يقابل محسن الخياط في المجلة التي يعمل بها ويقدم له قصة: المبعدون لنشرها، لكن محسن يرفض لأن مجرد تقديمها للنشر سيوقعهما معا إدريس ومحسن في مشاكل لا أول لها ولا آخر.

رواية الزعيم يحلق شعره عبارة عن لوحات سريعة، بل إن اللوحة التي تحمل عنوان الرواية لا تزيد على صفحة ونصف والحوار بالعامية الليبية... ومثبت في الهوامش معناه المصري حتى يسهل المؤلف على القارئ العربي التعامل مع النص... وشعارات القذافي عناوين الفصول، وعنوان الرواية أتي من واقعة محددة عندما منع القذافي مهنة الحلاقة في ليبيا وطلب من كل ليبي أن يحلق شعره بنفسه.

من باب التذكير فقط أقول إن: «المبعدون» أول نص قرأته لإدريس كان عن عملية إبعاد المصريين من ليبيا بعد أن قام الرئيس السادات بضرب ليبيا بالطيران احتجاجا على تجاوزات القذافي تجاهه، وتبع هذا الضرب طرد المصريين من ليبيا بطريقة قاسية. حيث وضعوا على الحدود وتركوا في العراء إلى أن تنبهت لهم السلطات المصرية ومكنتهم من الوصول لبلادهم.

ثمة تشابه بين الرواية القديمة: المبعدون. والرواية الجديدة: الزعيم يحلق شعره. ونهاية النصين واحدة لأن القذافي يتجاوز ضد السادات... والسادات يضرب ليبيا ويبدأ نظام القذافي في طرد المصريين والعدوان عليهم في الشوارع كنوع من تحميلهم مسؤولية ما فعله السادات مع القذافي.

نقرأ معا في الرواية:

قال الكاديكي بدهشة:

- بعد خطابه جربت الحلاقة لنفسي وفشلت... الذقن ماشي... تحت الإبط سهل للغاية، لكن رأسي كيف يعني... هذا جنون، منتهى الجنون.

- وما تفسيرك لهذا؟

- ربما حلم بأن الحلاق ذبحه. هو رجل وسواس وخواف مثلما خاف من الرجال وجعل كل حرسه من الفتيات.

بعد خطابه التاريخي المهم. قامت هوجة لسحب تراخيص محلات الحلاقة خصوصا في الشوارع الرئيسة واستمرت في تواجدها في الأحياء الشعبية بشكل سري مع عدم منح الإقامة للحلاقين الجدد، وترحيل من تنتهي إقامتهم وذكرني هذا بشطحان الحاكم بأمر الله الذي منع أكل الملوخية. حكام ظرفاء يضحكوننا بشطحاتهم. وخلال شهر كانت شعور الشبان تتجاوز الكتف.

ويتناول الروائي شخصية القذافي بنفسه بعد ذلك. فيكتب عنه بضمير الغائب:

- فهو لا يتسامح أبدا مع من يسيء إليه وإلى قوانينه وقراراته التي لا نهاية لها. ينام فيحلم فتصبح أحلامه قرارات. فهو متقلب وحاد المزاج ولا تعرف له رؤية واضحة للكون والعالم، فصديق الأمس هو عدو اليوم. فهو مثل الطبيعة يمر بالفصول الأربعة يخلط بين السياسة والدين والعلم... من دون فرامل وهو من قال يوما إن مصر شعب بلا حاكم وليبيا حاكم بلا شعب، وأيضا هو القائل بأن الجيش المصري يتكون من نصف مليون جندي وينبغي أن يكون لدينا مليون جندي. وهو من تدخل في النص الديني. وهو... وهو... وهو، حكايات لا أول لها ولا آخر وكانت آخر أعماله الجنونية هو ما يتعلق بهدم بمقام أحد الأولياء.

ويختم المؤلف روايته بقرار رئيس البلاد الذي يشير له مرة بضمير الغائب ومرة أخرى بكلمة الأخ العقيد عندما قرر أن ينسف مقام أحد الأولياء لأنه كان يشغل ميدانا مهما في قلب العاصمة طرابلس.

من الصعب أن نعامل نص إدريس علي بصرامة. فعملية الإبداع والكتابة في الظروف الصعبة تفرض على الكاتب أن يتخفف قليلا من جماليات الكتابة. لأن الرسالة التي تحكمه قد تفرض عليه ألا يحتكم إلى هذه الجماليات وألا يعتبرها الأساس في الإبداع الأدبي. ومع هذا حزنت لأن إدريس علي لم يشاهد بنفسه لحظة نهاية القذافي. لأن هذه اللحظة ربما أوحت إليه بكتابة جديدة.

لكن سوء حظ إدريس علي جعل نهاية القذافي تأتي بعد أن مات إدريس علي بشهور. ولم يشاهد بنفسه كل هذه التطورات التي شهد مقدماتها عندما كان يعيش في ليبيا في منتصف سبعينات القرن الماضي.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي