جامعة الكويت... إلى أين؟

د. علي بومجداد


بداية أود أن أعبر عن عميق قلقي لما آلت اليه أوضاع جامعة الكويت في الآونة الأخيرة وما نشأ عنه من عناء كبير للطالب والأستاذ بشكل يومي ومتواصل. ففي السنوات السابقة تعرضت الجامعة لنكسات كبيرة، بدأت بتفشي المحسوبية والواسطة في المناصب القيادية وتبعها ظلم في الترقيات والتعيينات وتغيرات ارتجالية للوائح الجامعة وعدم تطبيق الكثير من مواد قانون الجامعة الحالي ثم تطور الى فراغ طويل في ادارة الجامعة ومناصب ادارية كثيرة خالية ثم ضرب لقرارات لجنة اختيار مدير الجامعة بعرض الحائط ورفض تمثيل جمعية أعضاء هيئة التدريس في هذه اللجنة وتعدى الأمر الى فرض سياسي لقبول أعداد كبيرة جدا من الطلاب والطالبات تفوق القدرة الاستيعابية للجامعة بمقدار الضعف، وهذا الفرض السياسي يتم في ظل عدم توافر امكانات أساسية لمثل هذه الأعداد تبدأ بنقص شديد في أعضاء هيئة التدريس والمدرسين المساعدين ومدرسي اللغات ولا تنتهي بعدم توافر أبسط الاحتياجات من قبيل كتب وكراس وقاعات ومواقف....الخ. وهذا القبول السياسي يتم دون اكتراث لتأثير ذلك على سمعة الجامعة واعتمادها الأكاديمي، بل ويتم مصحوبا بمحاولات سياسية مؤكدة لزيادة العبء التدريسي للأساتذة على حساب المهام الأكاديمية الأخرى من البحث العلمي وخدمة المجتمع ومحاولة الالتفاف على الجامعة ولوائحها في تعيين أعضاء هيئة التدريس. ولولا موقف جمعية أعضاء هيئة التدريس الواضح انذاك والرافض لهذه الضغوط لتم لهم ما أرادوا.
وقد رضخت الجامعة وخدع الطلبة وأولياء أمورهم بذلك القبول الشكلي، فالآلاف لايزالون في منازلهم بانتظار الفصل المقبل والبقية تعاني الأمرين من عدم توافر مواد وكتب دراسية وحتى مقاعد الدرس تطلب استعارتها من مراكز أخرى. وترك من تم قبوله من أبنائنا ليعاني يوميا في الطريق المزدحم من والى الجامعة والاضطرار للدراسة في الصباح الباكر وفي المساء المتأخر بسبب عدم توافر المواد حسب رغبة الطالب.
ونتيجة لمراقبتي الدقيقة لوضع الجامعة، فانني أرى دون شك خطرا حقيقيا يمس سمعة الجامعة وأساتذتها، وأصبح الوضع لا يطاق على جميع المستويات، فالطلاب والطالبات والأساتذة كلهم يعانون الأمرين يوميا بسبب سياسية التخبط الحكومي وعدم الاكتراث النيابي والانشغال بأمور أقل أهمية من التعليم وكذلك عدم قيام ادارات الجامعة المتعاقبة بدورها وتفشي المحسوبية والواسطة في المناصب القيادية وتعاقب الأشخاص أنفسهم عليها منذ عشرات السنين طمعا في مكافأة المعاش المضاعف.
لقد وصلت الحال الى أن يواجه الأساتذة صعوبة شديدة في الوصول الى قاعاتهم الدراسية في الجامعة والطلبة يعانون الأمرين يوميا للحصول على مكان لإيقاف سياراتهم، وأصبح الوضع غير الحضاري بالقرب من الجامعة متكرراً يوميا وعلى مدار ساعات الدوام الرسمي.
ان مثل هذه الصعوبات تعكر الجو والمزاج الدراسي والتدريسي لكل من الطلبة والأساتذة، ولمن لا يعرف أهمية هذا الأمر، أقول ان الجامعات العريقة تتنافس على توفير أجواء دراسية وتذليل كل الصعوبات حتى تلك التي قد تزعج نظر الطالب والأستاذ من قبيل عدم جمالية مبنى أو وجود ساحة ترابية مهملة عوضا عن توفير سبل الراحة والمواصلات والعطل الكافية والتشجيع على الترويح والسفر... الخ. أما عندنا فقد أصبح الأمر بمثابة تعذيب للأستاذ والطالب معا لمدة لا تقل عن ساعات عدة يوميا.
ويزيد على ذلك، فقد قامت الحكومة أخيراً بالانتقاص من وظيفة عضو هيئة التدريس ومكانتها في المجتمع وفي الطلبة المتفوقين أنفسهم وذلك عبر تجاهلها كادر أعضاء هيئة التدريس وميزاتهم بالرغم من منطقية المطالبات المعتمدة على حجم التضخم، وعلى مقارنة دقيقة للميزات والرواتب في جامعات دول الخليج الحكومية وفي ظل سماح اللوائح والقوانين باعادة دراسة الرواتب كل 5 سنوات حتى أصبحت الحال أن الطالب المتفوق يفضل العمل مباشرة بعد حصوله على شهادة البكالوريوس بدلا من الغربة ومشاقها ومشاق الدراسات العليا.....الخ. وهذا الشعور في نظري خطير وينذر بعواقب وخيمة على التعليم الجامعي.
وهنا أود أن أذكر أننا لم نأل جهدا في جمعية التدريس لايصال وجهة نظرنا بضرورة اقرار الكادر الواقعي جدا والمبني على دراسة أكاديمية اقتصادية الذي تقدمت به الجمعية ووافق عليه مجلس الجامعة وحذرنا بطريقة حضارية هادئة وبأسلوب المنطق والاقناع من خطورة اهمال اقرار هذا الكادر المتواضع والميزات المهمة على وضع جامعة الكويت.
وها قد حصل ما كنا نخشاه وما حذرنا منه، وبدأ بعض الأساتذة الأجانب بمغادرة جامعة الكويت الى جامعات أخرى في المنطقة، وتواجه الأقسام هذه الأيام صعوبات كبيرة في توظيف أساتذة متميزين في أقسامهم حيث أن ميزاتنا ورواتبنا لم تعد تغري حتى أساتذة البلدان ذات الاقتصاد المتواضع بالنسبة الى عدد سكانها مثل الهند ولدينا من الاثباتات الكثير في هذا الخصوص. وكل يوم يحدثني عضو هيئة تدريس برغبته الجدية في مغادرة الجامعة بسبب كل المشاكل التي تم ذكرها وبسبب العروض المغرية التي تصل اليهم في وظائف أخرى. هذا وقد تقدم بالفعل بعض اساتذة الجامعة الكويتيين أيضا باستقالاتهم والتحقوا بوظائف حكومية وخاصة أخرى لها ميزات ورواتب أفضل بكثير من ما تعرضه عليهم الجامعة. وهذا أمر طبيعي عنما يفوق الراتب الأساسي لجامعة مجاورة أكثر من 4 أضعاف الراتب الأساسي لجامعة الكويت!! بالاضافة الى ميزات وظيفية جاذبة ومعاش تقاعدي ومكافأة نهاية خدمة مجزية لا تقدمها جامعة الكويت.
وبما أنني وزملائي في جمعية التدريس قد التقينا بوزراء تربية متعاقبين عدة ورؤساء لمجلس الخدمة متعاقبين عدة وأعضاء في مجلس الخدمة عدة وقدمنا لهم دراستنا الاقتصادية للكادر الجديد وشرحناها لهم شرحا تفصيليا. وبما أن كل ذلك الطرح الهادئ والدراسات الأكاديمية ومؤشرات التردي التي لاحت بوادرها لم تحرك ساكنا عند المسؤولين، ومن منطلق حرصنا العميق على أبنائنا الطلاب والطالبات وشعورنا بمدى الألم والعناء للذين يتعرضون له دون أن يكون لهم ناقة أو جمل في هذه المشكلة، وأيضا من منطلق حرصنا على الاحتفاظ بأساتذة الجامعة وتوفير المناخ المناسب لهم للتدريس والبحث وخدمة المجتمع وكذلك رغبة منا في توفير الظروف المناسبة للجامعة لاستقطاب المتميزين عالميا في تعليم أبنائنا، فقد عقدنا العزم على عقد جمعية عمومية غير عادية لنعرض كل جهودنا التي قمنا بها وكم الوعود التي تلقيناها والتي لم يتنج عنها الا فراغ وتهميش، نعرضها كلها على أعضاء جمعية التدريس في الجامعة ونبلغهم أن طريق الحوار الهادئ والمنطق والدراسات الأكاديمية والمقارنات مع جامعات المنطقة لم يجد نفعا، ولنقول لهم اننا نعتقد أننا وصلنا الى محصلة مفادها أن التعليم الجامعي لم يعد أولوية عند أصحاب القرار بل لم يعد شيئا مذكورا عندهم وأن الحقوق المشروعة لن تنال وأن سمعة الجامعة لن يتم الحفاظ عليها وأن مناخ الدراسة والبحث لن يتم توفيره الا بانتهاج طريق آخر يتم فيه اعتماد الطرق النقابية الأخرى المتاحة لنا.
ومن ثم نحن في جمعية أعضاء هيئة التدريس نترك الأمر لأعضاء الجمعية العمومية لاتخاذ قرارهم في التصعيد وكيفيته حتى نحمي جامعتنا وسمعتها ونحافظ على أساتذة الجامعة وذلك يوم 26/ 10 وهو تاريخ انعقاد الجمعية العمومية غير العادية.
د. علي بومجداد
نائب رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس
وقد رضخت الجامعة وخدع الطلبة وأولياء أمورهم بذلك القبول الشكلي، فالآلاف لايزالون في منازلهم بانتظار الفصل المقبل والبقية تعاني الأمرين من عدم توافر مواد وكتب دراسية وحتى مقاعد الدرس تطلب استعارتها من مراكز أخرى. وترك من تم قبوله من أبنائنا ليعاني يوميا في الطريق المزدحم من والى الجامعة والاضطرار للدراسة في الصباح الباكر وفي المساء المتأخر بسبب عدم توافر المواد حسب رغبة الطالب.
ونتيجة لمراقبتي الدقيقة لوضع الجامعة، فانني أرى دون شك خطرا حقيقيا يمس سمعة الجامعة وأساتذتها، وأصبح الوضع لا يطاق على جميع المستويات، فالطلاب والطالبات والأساتذة كلهم يعانون الأمرين يوميا بسبب سياسية التخبط الحكومي وعدم الاكتراث النيابي والانشغال بأمور أقل أهمية من التعليم وكذلك عدم قيام ادارات الجامعة المتعاقبة بدورها وتفشي المحسوبية والواسطة في المناصب القيادية وتعاقب الأشخاص أنفسهم عليها منذ عشرات السنين طمعا في مكافأة المعاش المضاعف.
لقد وصلت الحال الى أن يواجه الأساتذة صعوبة شديدة في الوصول الى قاعاتهم الدراسية في الجامعة والطلبة يعانون الأمرين يوميا للحصول على مكان لإيقاف سياراتهم، وأصبح الوضع غير الحضاري بالقرب من الجامعة متكرراً يوميا وعلى مدار ساعات الدوام الرسمي.
ان مثل هذه الصعوبات تعكر الجو والمزاج الدراسي والتدريسي لكل من الطلبة والأساتذة، ولمن لا يعرف أهمية هذا الأمر، أقول ان الجامعات العريقة تتنافس على توفير أجواء دراسية وتذليل كل الصعوبات حتى تلك التي قد تزعج نظر الطالب والأستاذ من قبيل عدم جمالية مبنى أو وجود ساحة ترابية مهملة عوضا عن توفير سبل الراحة والمواصلات والعطل الكافية والتشجيع على الترويح والسفر... الخ. أما عندنا فقد أصبح الأمر بمثابة تعذيب للأستاذ والطالب معا لمدة لا تقل عن ساعات عدة يوميا.
ويزيد على ذلك، فقد قامت الحكومة أخيراً بالانتقاص من وظيفة عضو هيئة التدريس ومكانتها في المجتمع وفي الطلبة المتفوقين أنفسهم وذلك عبر تجاهلها كادر أعضاء هيئة التدريس وميزاتهم بالرغم من منطقية المطالبات المعتمدة على حجم التضخم، وعلى مقارنة دقيقة للميزات والرواتب في جامعات دول الخليج الحكومية وفي ظل سماح اللوائح والقوانين باعادة دراسة الرواتب كل 5 سنوات حتى أصبحت الحال أن الطالب المتفوق يفضل العمل مباشرة بعد حصوله على شهادة البكالوريوس بدلا من الغربة ومشاقها ومشاق الدراسات العليا.....الخ. وهذا الشعور في نظري خطير وينذر بعواقب وخيمة على التعليم الجامعي.
وهنا أود أن أذكر أننا لم نأل جهدا في جمعية التدريس لايصال وجهة نظرنا بضرورة اقرار الكادر الواقعي جدا والمبني على دراسة أكاديمية اقتصادية الذي تقدمت به الجمعية ووافق عليه مجلس الجامعة وحذرنا بطريقة حضارية هادئة وبأسلوب المنطق والاقناع من خطورة اهمال اقرار هذا الكادر المتواضع والميزات المهمة على وضع جامعة الكويت.
وها قد حصل ما كنا نخشاه وما حذرنا منه، وبدأ بعض الأساتذة الأجانب بمغادرة جامعة الكويت الى جامعات أخرى في المنطقة، وتواجه الأقسام هذه الأيام صعوبات كبيرة في توظيف أساتذة متميزين في أقسامهم حيث أن ميزاتنا ورواتبنا لم تعد تغري حتى أساتذة البلدان ذات الاقتصاد المتواضع بالنسبة الى عدد سكانها مثل الهند ولدينا من الاثباتات الكثير في هذا الخصوص. وكل يوم يحدثني عضو هيئة تدريس برغبته الجدية في مغادرة الجامعة بسبب كل المشاكل التي تم ذكرها وبسبب العروض المغرية التي تصل اليهم في وظائف أخرى. هذا وقد تقدم بالفعل بعض اساتذة الجامعة الكويتيين أيضا باستقالاتهم والتحقوا بوظائف حكومية وخاصة أخرى لها ميزات ورواتب أفضل بكثير من ما تعرضه عليهم الجامعة. وهذا أمر طبيعي عنما يفوق الراتب الأساسي لجامعة مجاورة أكثر من 4 أضعاف الراتب الأساسي لجامعة الكويت!! بالاضافة الى ميزات وظيفية جاذبة ومعاش تقاعدي ومكافأة نهاية خدمة مجزية لا تقدمها جامعة الكويت.
وبما أنني وزملائي في جمعية التدريس قد التقينا بوزراء تربية متعاقبين عدة ورؤساء لمجلس الخدمة متعاقبين عدة وأعضاء في مجلس الخدمة عدة وقدمنا لهم دراستنا الاقتصادية للكادر الجديد وشرحناها لهم شرحا تفصيليا. وبما أن كل ذلك الطرح الهادئ والدراسات الأكاديمية ومؤشرات التردي التي لاحت بوادرها لم تحرك ساكنا عند المسؤولين، ومن منطلق حرصنا العميق على أبنائنا الطلاب والطالبات وشعورنا بمدى الألم والعناء للذين يتعرضون له دون أن يكون لهم ناقة أو جمل في هذه المشكلة، وأيضا من منطلق حرصنا على الاحتفاظ بأساتذة الجامعة وتوفير المناخ المناسب لهم للتدريس والبحث وخدمة المجتمع وكذلك رغبة منا في توفير الظروف المناسبة للجامعة لاستقطاب المتميزين عالميا في تعليم أبنائنا، فقد عقدنا العزم على عقد جمعية عمومية غير عادية لنعرض كل جهودنا التي قمنا بها وكم الوعود التي تلقيناها والتي لم يتنج عنها الا فراغ وتهميش، نعرضها كلها على أعضاء جمعية التدريس في الجامعة ونبلغهم أن طريق الحوار الهادئ والمنطق والدراسات الأكاديمية والمقارنات مع جامعات المنطقة لم يجد نفعا، ولنقول لهم اننا نعتقد أننا وصلنا الى محصلة مفادها أن التعليم الجامعي لم يعد أولوية عند أصحاب القرار بل لم يعد شيئا مذكورا عندهم وأن الحقوق المشروعة لن تنال وأن سمعة الجامعة لن يتم الحفاظ عليها وأن مناخ الدراسة والبحث لن يتم توفيره الا بانتهاج طريق آخر يتم فيه اعتماد الطرق النقابية الأخرى المتاحة لنا.
ومن ثم نحن في جمعية أعضاء هيئة التدريس نترك الأمر لأعضاء الجمعية العمومية لاتخاذ قرارهم في التصعيد وكيفيته حتى نحمي جامعتنا وسمعتها ونحافظ على أساتذة الجامعة وذلك يوم 26/ 10 وهو تاريخ انعقاد الجمعية العمومية غير العادية.
د. علي بومجداد
نائب رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس