مقال / تغليب الرغبات!


| إبراهيم صموئيل |
كأنَّا نغلّب رغباتنا أحياناً، ونقيس عليها الواقع... فنخيب! وإلا، ما معنى هذه الأسئلة الاستنكارية، المترعة بالخيبة: أهذا محصول الربيع العربي في كل من تونس ومصر وليبيا؟! أهذا هو المأمول؟! ألهذا ضحّى الناس بأنفسهم فدخلوا المعتقلات وشُرّدوا واستشهدوا؟! ألهذا ثار الناس، وواجهوا، وضحّوا؟! وعلى الأسئلة المصابة بالخيبة تُبنى نتيجة واحدة: إذا كان المحصول هذا، فإن بقاء الأرض بوراً أفضل! وفي الترجمة المباشرة يعني أن بقاء تلك البلدان على ما كانت عليه أفضل مما آلت إليه!
في أحسن الأحوال فإن التساؤلات تنطلق من جموح رغبات أصحابها. من انتظارهم التغيير طوال عقود. من توقهم الملجوم إلى الحرية والعدالة والكفاية، غير أننا نظلم الواقع بتغليب رغباتنا وتوقنا. نخطئ في تقدير منطق الأمور، وطبيعة الأحداث. انهدم الحاجز الأول بتنحي بن علي ومبارك وفرار القذافي. ولكن، ماذا عن الحواجز الباقية وهي كثيرة؟ لكأنّا كنّا ننتظر ليلة تنحي مبارك لنستيقظ على فجر كل ما صبونا إليه. ثمة استغراب من أن الحراك السياسي في تونس يتجاوز ثورة الشباب ومطالبهم وحقهم في تقرير مصير بلدهم! وثمة استغراب في محاولة الثورة المضادة الهيمنة على الحياة السياسية في مصر وتولّي السلطة فيها ومن تباطؤ المجلس العسكري. وثمة استغراب من تعثّر تشكيل الحكومة من قِبل المجلس الانتقالي الليبي ومن وجود اختلافات أو خلافات بين أعضائه. ثمة الكثير مما يضمر يقيناً أو اعتقاداً جازماً مفاده أن مجرد تنحي الرؤوساء وسقوط رموز السلطة البائدة يعني نشوء البديل الديموقراطي وتسيّد القانون واستتباب الأمن واستقرار الحياة وسيرها سيراً طبيعياً لا عوج فيه ولا نشوز!
من هذا اليقين أو الاعتقاد نجد وسائل الإعلام بمختلف أشكالها، والندوات المعقودة والحوارات العديدة تركّز على سؤال واحد: لماذا يحدث ما يحدث؟! والحال هو أنه لو لم يحدث لكان علينا أن نسال مستغربين: لماذا لم يحدث؟! لماذا لم تختلف الأحزاب والقوى والتيارات؟ ولماذا لم نشهد ارتداداً هنا ونكوصاً هناك؟ ولماذا لم تختلف التنظيمات؟ ولماذا لم يحاول الحرس القديم استعادة تسلّطه؟
لو لم يحدث ما يحدث الآن لكان مدعاة للاستغراب حقاً. عقودٌ والحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية تحت الهرس والسحل والمصادرة والتهميش. الناس خارج حقوقهم. الأحزاب في العتمة والظلمة. القوى في المعتقلات والملاحقات. الحل الفردي والنجاء بالنفس سلوك الملايين، وعقود من تكبيل الأيدي والأرجل والعقول وتكميم الأفواه والآراء. عقود من الشلل في الحياة السياسية والعطالة في الاقتصادية والتسطيح في الثقافية والفردية في الاجتماعية... ثم يُراد في أيام أو بضعة أشهر أن يُكشط كل الماضي، ويُولد الجديد على أكمل هيئة!
زوال الحاجز الأول لا يعني البتة سوى زوال الحاجز الأول. ثمة حواجز كثيرة وعقبات. ثمة تدريبات كثيرة للبدن والعقل والنفس والروح. ثمة تدريبات على أن الآخر ليس عدوّاً. وعلى أن الدنيا ليست لوناً واحداً، وعلى أن تولّي السلطة عبء مسؤولية ثقيل وليس فرصة ذهبية لاقتطاع أكبر حصة من كعكة البلاد، وثمة، خلال ذلك كله، تاريخ نشأت في سياقه أجيال تحتاج إلى مستقبل يصبح تاريخاً قبل أن نشهد التغيير المنشود.
بالطبع، سيحدث ما يحدث، وهذا ليس مخيّباً للآمال. يكفي الآن أن أسوار القلاع المظلمة هُدمت، بعدها يتدبّر الأسرى ضياء الحرية، يألفونه، ويسري في دمائهم، ويتغيّرون فيغيّرون وصولاً إلى المنشود.
كأنَّا نغلّب رغباتنا أحياناً، ونقيس عليها الواقع... فنخيب! وإلا، ما معنى هذه الأسئلة الاستنكارية، المترعة بالخيبة: أهذا محصول الربيع العربي في كل من تونس ومصر وليبيا؟! أهذا هو المأمول؟! ألهذا ضحّى الناس بأنفسهم فدخلوا المعتقلات وشُرّدوا واستشهدوا؟! ألهذا ثار الناس، وواجهوا، وضحّوا؟! وعلى الأسئلة المصابة بالخيبة تُبنى نتيجة واحدة: إذا كان المحصول هذا، فإن بقاء الأرض بوراً أفضل! وفي الترجمة المباشرة يعني أن بقاء تلك البلدان على ما كانت عليه أفضل مما آلت إليه!
في أحسن الأحوال فإن التساؤلات تنطلق من جموح رغبات أصحابها. من انتظارهم التغيير طوال عقود. من توقهم الملجوم إلى الحرية والعدالة والكفاية، غير أننا نظلم الواقع بتغليب رغباتنا وتوقنا. نخطئ في تقدير منطق الأمور، وطبيعة الأحداث. انهدم الحاجز الأول بتنحي بن علي ومبارك وفرار القذافي. ولكن، ماذا عن الحواجز الباقية وهي كثيرة؟ لكأنّا كنّا ننتظر ليلة تنحي مبارك لنستيقظ على فجر كل ما صبونا إليه. ثمة استغراب من أن الحراك السياسي في تونس يتجاوز ثورة الشباب ومطالبهم وحقهم في تقرير مصير بلدهم! وثمة استغراب في محاولة الثورة المضادة الهيمنة على الحياة السياسية في مصر وتولّي السلطة فيها ومن تباطؤ المجلس العسكري. وثمة استغراب من تعثّر تشكيل الحكومة من قِبل المجلس الانتقالي الليبي ومن وجود اختلافات أو خلافات بين أعضائه. ثمة الكثير مما يضمر يقيناً أو اعتقاداً جازماً مفاده أن مجرد تنحي الرؤوساء وسقوط رموز السلطة البائدة يعني نشوء البديل الديموقراطي وتسيّد القانون واستتباب الأمن واستقرار الحياة وسيرها سيراً طبيعياً لا عوج فيه ولا نشوز!
من هذا اليقين أو الاعتقاد نجد وسائل الإعلام بمختلف أشكالها، والندوات المعقودة والحوارات العديدة تركّز على سؤال واحد: لماذا يحدث ما يحدث؟! والحال هو أنه لو لم يحدث لكان علينا أن نسال مستغربين: لماذا لم يحدث؟! لماذا لم تختلف الأحزاب والقوى والتيارات؟ ولماذا لم نشهد ارتداداً هنا ونكوصاً هناك؟ ولماذا لم تختلف التنظيمات؟ ولماذا لم يحاول الحرس القديم استعادة تسلّطه؟
لو لم يحدث ما يحدث الآن لكان مدعاة للاستغراب حقاً. عقودٌ والحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية تحت الهرس والسحل والمصادرة والتهميش. الناس خارج حقوقهم. الأحزاب في العتمة والظلمة. القوى في المعتقلات والملاحقات. الحل الفردي والنجاء بالنفس سلوك الملايين، وعقود من تكبيل الأيدي والأرجل والعقول وتكميم الأفواه والآراء. عقود من الشلل في الحياة السياسية والعطالة في الاقتصادية والتسطيح في الثقافية والفردية في الاجتماعية... ثم يُراد في أيام أو بضعة أشهر أن يُكشط كل الماضي، ويُولد الجديد على أكمل هيئة!
زوال الحاجز الأول لا يعني البتة سوى زوال الحاجز الأول. ثمة حواجز كثيرة وعقبات. ثمة تدريبات كثيرة للبدن والعقل والنفس والروح. ثمة تدريبات على أن الآخر ليس عدوّاً. وعلى أن الدنيا ليست لوناً واحداً، وعلى أن تولّي السلطة عبء مسؤولية ثقيل وليس فرصة ذهبية لاقتطاع أكبر حصة من كعكة البلاد، وثمة، خلال ذلك كله، تاريخ نشأت في سياقه أجيال تحتاج إلى مستقبل يصبح تاريخاً قبل أن نشهد التغيير المنشود.
بالطبع، سيحدث ما يحدث، وهذا ليس مخيّباً للآمال. يكفي الآن أن أسوار القلاع المظلمة هُدمت، بعدها يتدبّر الأسرى ضياء الحرية، يألفونه، ويسري في دمائهم، ويتغيّرون فيغيّرون وصولاً إلى المنشود.