صور من زهد عبدالله بن عمر

تصغير
تكبير
| الشيخ جاد الله فرحات * |

عبد الله بن عمر بن الخطاب أسلم وهو صغير ثم هاجر مع أبيه يوم احد فأول غزواته الخندق وهو ممن بايع تحت الشجرة وأمه زينب بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون الجمحي روى علما كثيرا نافعا عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن نافع كان ابن عمر يعفي لحيته الا في حج أو عمرة.

وقال أبو اسحاق عن البراء قال عرضت انا وابن عمر يوم بدر فاستصغرنا رسول الله وقال مجاهد شهد ابن عمر الفتح وله عشرون سنة وروى سالم عن أبيه قال كان الرجل في حياة رسول الله اذا رأى رؤيا قصها على رسول الله وكنت غلاما عزبا شابا فكنت انام في المسجد فرأيت كأن ملكين أتياني فذهبا بي الى النار فاذا هي مطوية كطي البئر ولها قرون كقرون البئر فرأيت فيها ناسا قد عرفتهم فجعلت أقول أعوذ بالله من النار فلقينا ملك فقال لن تراع فذكرتها لحفصة فقصتها حفصة على رسول الله فقال نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل قال فكان بعد لا ينام من الليل الا القليل وروى نحوه نافع وفيه ان عبد الله رجل صالح، وعن سعيد بن بشير عن قتادة عن ابن سيرين عن ابن عمر قال كنت شاهد النبي في حائط نخل فاستأذن أبو بكر فقال النبي ائذنوا له وبشروه بالجنة ثم عمر كذلك ثم عثمان فقال بشروه بالجنة على بلوى تصيبه فدخل يبكي ويضحك فقال عبد الله فانا يا نبي الله قال انت مع أبيك.

وروى سالم بن أبي الجعد عن جابر ما منا أحد أدرك الدنيا الا وقد مالت به الا ابن عمر وعن عائشة ما رأيت أحدا ألزم للأمر الأول من ابن عمر، قال أبو سلمة بن عبد الرحمن مات ابن عمر وهو في الفضل مثل أبيه وقال أبو اسحاق السبيعي كنا نأتي ابن أبي ليلى وكانوا يجتمعون اليه فجاءه أبو سلمة بن عبد الرحمن فقال أعمر كان أفضل عندكم أم ابنه قالوا بل عمر فقال ان عمر كان في زمان له فيه نظراء وان ابن عمر بقي في زمان ليس له فيه نظير وقال ابن المسيب لو شهدت لأحد انه من أهل الجنة لشهدت لابن عمر ، قال ابن عمر ما غرست غرسا منذ توفي رسول الله قال موسى بن دهقان رأيت ابن عمر يتزر الى انصاف ساقيه.

وقال أبو جعفر الباقر كان ابن عمر اذا سمع من رسول الله حديثا لا يزيد ولا ينقص قال ولقد دخلت على ابن عمر فقومت كل شيء في بيته من أثاث مايسوى مئة درهم وقال ابن وهب عن مالك عمن حدثه ان ابن عمر كان يتبع أمر رسول الله وآثاره وحاله ويهتم به حتى كان قد خيف على عقله من اهتمامه بذلك خارجه بن مصعب عن موسى بن عقبة عن نافع قال لونظرت الى ابن عمر اذا اتبع رسول الله لقلت هذا مجنون عبد الله بن عمر، عن نافع ان ابن عمر كان يتبع آثار رسول الله في كل مكان صلى فيه حتى ان النبي نزل تحت شجرة فكان ابن عمر يتعاهد تلك الشجرة فيصب في أصلها الماء لكيلا تيبس وقال نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله لو تركنا هذا الباب للنساء قال نافع فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات قال ما سمعت ابن عمر ذكر النبي الا بكى وقال يوسف بن ماهك رأيت ابن عمر عند عبيد بن عمير وعبيد يقص فرأيت ابن عمر ودموعه تهراق.

وقال عكرمة بن عمار عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه انه تلا «فكيف اذا جئنا من كل أمة بشهيد» فجعل ابن عمر يبكي حتى لثقت لحيته وجيبه من دموعه فأراد رجل ان يقول لأبي أقصر فقد آذيت الشيخ وروى عثمان بن واقد عن نافع كان ابن عمر اذا قرأ «ألم يأن للذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله» بكى حتى غلبه البكاء.

قال حبيب بن الشهيد قيل لنافع ما كان يصنع ابن عمر في منزله قال لا تطيقونه الوضوء لكل صلاة والمصحف في ما بينهما وعن حبيب وروى عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع ان ابن عمر كان اذا فاتته العشاء في جماعة أحيى بقية ليلته.

قال ابن المبارك أخبرنا عمر بن محمد بن زيد أخبرنا أبي ان ابن عمر كان له مهراس فيه ماء فيصلي فيه ما قدر له ثم يصير الى الفراش فيغفي اغفاءة الطائر ثم يقوم فيتوضأ ويصلي يفعل ذلك في الليل أربع مرات أو خمسة قال نافع كان ابن عمر لا يصوم في السفر ولا يكاد يفطر في الحضر وقال ابن شهاب عن سالم ما لعن ابن عمر خادما له الا مرة فأعتقه، روى أبو الزبير المكي عن عطاء مولى ابن سباع قال أقرضت ابن عمر ألفي درهم فوفانيها بزائد مئتي درهم.

وعن عبيد الله عن نافع قال ما أعجب ابن عمر شيء من ماله الا قدمه لله ومحمد بن زيد عن أبيه ان ابن عمر كاتب غلاما له بأربعين ألفا فخرج الى الكوفة فكان يعمل على حمر له حتى أدى خمسة عشر ألفا فجاءه انسان فقال أمجنون انت انت ها هنا تعذب نفسك وابن عمر يشتري الرقيق يمينا وشمالا ثم يعتقهم ارجع اليه فقل عجزت فجاء اليه بصحيفة فقال يا أبا عبد الرحمن قد عجزت وهذه صحيفتي فامحها فقال لا ولكن امحها انت ان شئت فمحاها ففاضت عينا عبد الله وقال اذهب فانت حر قال أصلحك الله أحسن الى ابني قال هما حران قال أصلحك الله أحسن الى أمي ووالدي قال هما حران رواه ابن وهب عنه عاصم بن محمد العمري عن أبيه قال أعطى عبد الله بن جعفر ابن عمر بنافع عشرة آلاف فدخل على صفية امرأته فحدثها قالت فما تنتظر قال فهلا ما هو خير من ذلك هو حر لوجه الله فكان يخيل الي انه كان ينوي قول الله «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون» وقال ابن شهاب أراد ابن عمر ان يلعن خادما فقال اللهم الع فلم يتمها وقال ما أحب ان أقول هذه الكلمة جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن نافع أتي ابن عمر ببضعة وعشرين ألفا فما قام حتى أعطاها رواها عيسى بن كثير عن ميمون قال باثنين وعشرين ألف دينار وقال أبو هلال حدثنا أيوب بن وائل قال أتى ابن عمر بعشرة آلاف ففرقها وأصبح يطلب لراحلته علفا بدرهم نسيئة برد بن سنان عن نافع قال ان كان ابن عمر ليفرق في المجلس ثلاثين ألفا ثم يأتي عليه شهر ما يأكل مزعة لحم عمر بن محمد العمري عن نافع قال ما مات ابن عمر حتى أعتق ألف انسان أو زاد، اسنادها صحيح.

وعن أيوب عن نافع قال بعث معاوية الى ابن عمر بمئة ألف فما حال عليه الحول وعنده منها شيء معمر عن الزهري عن حمزة بن عبد الله قال لو ان طعاما كثيرا كان عند أبي ما شبع منه بعد ان يجد له آكلا فعاده ابن مطيع فرآه قد نحل جسمه فكلمه فقال انه ليأتي علي ثمان سنين ما أشبع فيها شبعة واحدة أو قال الا شبعة فالآن تريد ان أشبع حين لم يبق من عمري الا ظمء حمار اسماعيل بن عياش حدثني مطعم بن المقدام قال كتب الحجاج الى ابن عمر بلغني انك طلبت الخلافة وانها لا تصلح لعيي ولا بخيل ولا غيور فكتب اليه أما ما ذكرت من الخلافة فما طلبتها وما هي من بالي وأما ما ذكرت من العي فمن جمع كتاب الله فليس بعيي ومن أدى زكاته فليس ببخيل وان أحق ما غرت فيه ولدي ان يشركني فيه غيري هشيم عن يعلى بن عطاء عن مجاهد قال لي ابن عمر لان يكون نافع يحفظ حفظك أحب اليّ من ان يكون لي درهم زيف فقلت يا أبا عبد الرحمن ألا جعلته جيدا قال هكذا كان في نفسي.

وروى الأعمش وغيره عن نافع قال مرض ابن عمر فاشتهى عنبا أول ما جاء فأرسلت امرأته بدرهم فاشترت به عنقودا فاتبع الرسول سائل فلما دخل قال السائل السائل فقال ابن عمر أعطوه اياه ثم بعثت بدرهم آخر قال فاتبعه السائل فلما دخل قال السائل السائل فقال ابن عمر أعطوه اياه فأعطوه وأرسلت صفية الى السائل تقول والله لئن عدت لا تصيب مني خيرا ثم أرسلت بدرهم آخر فاشترت به مالك بن مغول عن نافع قال أتى ابن عمر بجوارش فكرهه وقال ما شبعت منذ كذا وكذا اسماعيل بن أبي أويس حدثنا سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن نافع ان المختار بن أبي عبيد كان يرسل الى ابن عمر بالمال فيقبله ويقول لا أسأل أحدا شيئا ولا أرد ما رزقني الله الثوري عن أبي الوازع قلت لابن عمر لا يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم فغضب وقال اني لأحسبك عراقيا وما يدريك ما يغلق عليه ابن أمك بابه.



* إمام وخطيب
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي