هي فكرة تستوطن بعض العقول، وتقطع بوجودها كل مأمول، لتُقنع بأن الممكن أصبح لامعقول، هي فكرة تلغي بوجودها فكرة أن الإنسان مسؤول، فتعزز الاستسلام والرضا بالدّون والقبول، وتُثني عن تلك المحاولات المبذولة في سبيل الحصول، هي فكرة إن تشرّبتها أقعدتك، وعن الطموح أثنتك، وللفشل سلّمتك، هي فكرة غير صحيّة تستجيب لها بطبيعتك البشرية، تلك الطبيعة التي تحتاج جهداً لجعلها في حد السويّة، هي فكرة مطليّة بطلاء الراحة في خارجها، ولكن يكتنفها التعب في باطنها، هي فكرة تُسطّح العقول وظيفتها الدعوة للخمول، هي فكرة تتخلّص منها إن تعاملت معها كعَرَض وإن سلّمت لها أصبحت مرضاً، إنها فكرة «المستحيل»، التي تُحوّل الأمور السهلة إلى صعبة، وتُصوّر الأمور الممكنة كأنها تحتاج إلى معجزة!
هي فكرة علاجها قطرة أَمل، وسعي حثيث بلا ملل، ومحاولات مُتكررة من دون كلل، علاجها فهمٌ صحيح، وهدفٌ واضحٌ صريح، واعتقادٌ بأنك وإن كنت في بعض الأمور مسيّراً، فإنك في البعض الآخر مُخيّر، وكونك مخيّراً يعني أنك مسؤولٌ، وباختيار موقعك في الحياة لست مجبوراً، فإما في السماء تجاور النجوم، وإما في الأرض تُناظر النجوم، وفرقٌ أبلجٌ معلوم، بين أن تنظر وأن يُنظر إليك، كفرق السماء عن الأرض، وفرق الثرى عن الثريا.
إن فكرة «المستحيل» فكرة عقيمة، وفي أصلها سقيمة، فلا مستحيل إلا المستحيل ذاته، وجميل أن تعلم وتؤمن وتتأكد من أن لا شيء مُستحيل إلا ذاك الذي يعجز العقل عن تصوّره، وإن أي شيء تستطيع تصوّره وتتخيّله فهو ممكن، فاشغل عقلك بالتفكير في كيفية التحقيق لا في الأسباب المانعة عن التحقيق، ومهم جداً أن نفقه بأن تطوّرنا يتعلّق بالأمور الظنيّة وليست القطعيّة، وبالتسليم لفكرة «المستحيل» كأنها حقيقة قطعية، تقطع علينا إمكانية التفكير بسبل تحقيق الهدف، فلا مجال للظن والتخمين والمحاولة إذْ قَطَعَت القطعية كل ذلك، فيُسبب إيماننا باستحالة تحقيق بعض الأهداف شللاً تفكيرياً، ومن ثم ننصرف عنها من دون محاولة!
ويبقى أن أقنّن فكرة المستحيل أكثر، ليكون التخلّص منها أسهل، فالمُستحيل هو ذاك الشيء الذي يخرق بوجوده العقل، إذ ان العقل لم يتصوّره في الأصل! وليتضح البيان سيكون لي معكم هذا المثال، كقطرة من أمل، تروي عطش الطموح، وتُطفئ نار المستحيل، فحتى المعجزة التي أيّد الله بها رسله والتي هي أمرٌ خارق، هي في الواقع ليست مُستحيله لأنه بإمكان العقل أن يتصوّرها، إنما هي أمرٌ خارقٌ (للعادة) والعادة تعني الممكن وتحديداً تعني (قوانين الكون)، لأن الفائدة لا تتحقق بخرق العقل بأمور لا ممكنة ومستحيلة، إنما تتحقق بتلك الأشياء التي يتصورها العقل ويتخيلها، فلا تصعّب على نفسك الأمور، فالظلام دائماً أضعف من النور، فبصيص نور الاستعانة بالله كفيل بالتخلص من حلكة ظلام المستحيل، وأشعة التسديد والتوفيق من الله تشع بسماء من يحاول وتسعفه بإمدادات الأمل!
عائشة عبدالمجيد العوضي
[email protected]Twitter: @3ysha_85